هل مجزرة «الأحد الأسود» إيذان بتغيير عقيدة الجيش؟
أول ما يتبادر إلى الذهن بعد مجزرة «الأحد الأسود» في مدينة الشيّاح العاملية بامتياز (والتي كأخواتها من المدن العظيمة في الجنوب والبقاع نالت نصيبها من «هدايا» جيش «الدفاع» الإسرائيلي في حرب تموز 2006). هذه المجزرة التي أصرّت شبكة «أل بي سي» على تسميتها بأحداث «شغب» ربما إيذاناً بغلبة سمير جعجع على إدارتها المتمرّدة ضاربة عرض الحائط بشعور وكرامات الناس الأبرياء الذين سقطوا من دون سبب إلا سبب الإحتجاج العادل ضد طغمة متحكمة تريد أن تمنع الكهرباء والماء وحتى الهواء – اذا استطاعت – عن جمهور المقاومة والتحرير الذي أعطى للعرب «الراقصين» بسيوفٍ مذهبة على جثث الشعب الفلسطيني واللبناني، كرامتهم وشرفهم الممرّغ في التراب، قلنا أن أول ما يتبادر إلى الذهن بعد هذه المذبحة وسقوط هذا العدد الهائل من الشهداء (وليس القتلى لأنهم قتلوا غدراً وعدواناً) هو هل تغيّرت عقيدة الجيش؟
فالكل يعرف أنه منذ تأسيس الكيان اللبناني على يد الجنرال غورو عام 1920 ليكون وطنا للموارنة، أسس الجيش اللبناني بعد الإستقلال (نتيجة بطولات بيار الجميل الجد وليس بسبب الصراع البريطاني – الفرنسي!) لكي يكون حامياً لامتيازات المارونية السياسية والأقطاع الطائفي. ومن خلال «السيبة» الثنائية المذهبية حكم لبنان حتى حدوث الإنفجار الكبير في 13 نيسان 1975، وبعد هذه الحرب الخطيرة التي لاح شبحها المقيت يوم الأحد الماضي خصوصاً عبر «قناصتها» الجبناء، تمكّن شخص عسكري وطني من تأسيس عقيدة الجيش الذي كان بلا عقيدة ولم يكن له عدو خارجي سوى أعداء الداخل من معارضي النظام الإقطاعي الطائفي، إلى جيش وطني يعرف عدوه ويحترم شعبه وحقّه في الحياة الحرة الكريمة. هذا الشخص هو العماد الرئيس أميل لحود. لكن الظاهر اليوم بعد المجزرة الرهيبة (وهي مجزرة فعلاً بكل أبعادها بالرغم من أنف أبواق الأكثرية الإعلامية)، فإن مخاوف بعض المعارضة الوطنية اللبنانية حيال الكلام عن تغييرٍ في عقيدة الجيش أصبحت مخاوف مشروعة وإلا كيف – بالله عليكم – نفسر سر هذا الحب الغريب «المفاجىء» الذي كأنه «نور قذفه الله في الصدر» على حد تعبير الغزالي للجنرال ميشال سليمان من قبل وليد جنبلاط الذي يكره كل شيء عسكري أو من قبل حليف الغفلة سمير جعجع الذي بدع وتفنن في قتل العسكريين (والعقيد كنعان ما زال مثالاً حياً) أو من قبل فؤاد السنيورة (ما غيره) الذي أكد وشدّد وصرّح لمن يهمه الأمر بأنه سيقطع يده قبل أن يوقع على تعديل الدستور وإيصال قائد الجيش إلى سدة الرئاسة! فكيف يتحول «موظف» قام مصطفى علوش بتوبيخه لإتصاله بالرئيس بشار الأسد، إلى مرشح توافقي تطرحه فجأة الأكثرية المتيمة بغرامه «القيسي» الملوّع، إلى أعلى منصب في البلاد؟ ربما «مجزرة الأحد» تعطي جواباً على هذا السؤال الهام (إننانريد أن نحسّن الظن بهذا الجيش الذي دفع أبناء هذه الطائفة العظيمة الملدوغين اليوم، الغالي والنفيس من أجل نصرته وتعزيزه يوم عزّ النصير والشواهد على ذلك كثير أيام الإدارة الذاتية «الجنبلاطية» وأيام «الأمر لي» الجعجعية والحروب الإسرائيلية إلا أن المرء لا يملك إلا أن يتساءل لماذا «جحا قوي على حماته» فقط؟ لماذا يُطلق الرصاص بسهولة وبسرعة على أبناء الضاحية – وللمرة الثالثة على التوالي وفي كل مرة مجزرة جديدة – ضد أشخاص يتظاهرون لأنهم، عكس إدعاءات أبواق وليد جنبلاط، «يحبون الحياة» ويريدون العيش بكرامة، في حين أن رصاص الجيش اللبناني كان برداً وسلاماً طيلة إعتمال ثورة «الملفوف والبلح والأرنبيط» على حدّ تعبير الزعيم الصريح سليمان فرنجية؟ ولماذا لم ير الجيش الرصاص الملعلع أثناء تشييع جنازة الشهيد عيد ورفيقه في حين شعر بالخطر من حرق دواليب؟ ولماذا بدل أن يلاحق المتظاهرين المقتولين برصاص الغدر، ترك وأغفل أمر القناصة في الأبنية المجاورة بعد معلومات كثيرة وردت عن وجودهم أعطيت لمخابرات الجيش من قبل التيار الوطني الحر؟ لقد ادعى إعلام الأكثرية بوجود مسحلين بين المتظاهرين ولكن لماذا لم يصب أي جندي بأذى في حين وقع تسعة مدنيين؟ ولماذا حصل تبديل في الجنود ومن أعطى الأوامر بالتصدي بالرصاص الحي؟ وما حقيقة الرصاص المتفجر الذي وجد في جثث بعض الشهداء؟ أسئلة يمكن الإجابة عليها بشفافية وبسرعة إذا كان التحقيق جديّاً وليس على طريقة فتفت في الرمل العالي أو قبلها في ثكنة مرجعيون.
لقد برهنت «مجزرة الأحد» على عدة أمور أبرزها التالي:
1- أنها لدلالة كبيرة أن يأتي «أول الغيث» التحريضي الأكثري من جعجع نفسه الذي كان أول من صرّح مدعياً دفاعه عن «عين الرمانة» مع العلم بأن «قواته اللبنانية» تفتخر دائماً وعلانية بأنها رأس حربة ضد أي تحرك في الشارع كما «تصدّت» لأعضاء التيار الوطني الحر منذ عام في أثناء تظاهرة المعارضة الكبرى وهذا ليس بعيداً عن تجربة «القوات» الطويلة ولنا في حصار بيروت عام 1982 حين مُنع حتى حليب الأطفال من الدخول عبر الحازمية، أسوة «تذكارية» سيئة لعل الذكرى تنفع!
ثم كرّت سبحة التصريحات من قبل 14 آذار بعد ذلك وكأنها سمفونية واحدة من نوع «يرضى القتيل وليس يرضى القاتل» حيث أنها ألقت باللوم على الشهداء ولم تتعرض بكلمة واحدة – حتى كاد المريب يقول خذوني – للقناصة القتلة بل تجرأ «كبيرهم» على تحدي الموت والشهداء وذويهم حين وصف المتظاهرين الشهداء بـ «الصبية»! وكان في السابق قد حمّل المواطنين مسؤولية التردي المعيشي وطبعاً فإن «رجل الدولة» و«دولة الرجل» لم يفكّر إطلاقاً بأن يرف له جفن ويستقيل فكيف يفعل كما فعل الرئيس كرامي الذي استقال بعد حرق دواليب فقط ومن دون حرق عُمرِ شبابٍ في مقتبل حياتهم؟ أكثر من ذلك، لم يكلّف زعماء 14 شباط أنفسهم عناء تقديم واجب العزاء لذوي الشهداء، ولو شكلاً، كما أعلنوا سابقاً عن تضامنهم مع «أشلاء» إسرائيل.
2- إن تصاريح سياسيي 14 شباط وزيارات السنيورة الفجائية إلى مصر والسعودية لتطويق تداعيات فشل تفسير عمرو موسى للمبادرة العربية (وهو التفسير المنحاز للموالاة) تعني أن الجماعة ليسوا على الإطلاق بوارد إقامة حكم شراكة وتوافق تحت أي ظرف من الظروف، والظاهر أنه نتيجة أوامر صارمة جداً جداً (ألم يهددوا بأن هناك شارعاً مقابل شارع. فهل هذا يعني أن للقناصة «شارع» أيضاً؟).
3- وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر والمقاومة وقت لبنان من فتنة شيطانية جديدة وفي منطقة جغرافية حساسة لها رمزيتها السوداء كما حمت هذه الوثيقة لبنان من خطر مماثل أيام حرب تموز الماضية وجعلت المسيحيين ينخرطون لأول مرة مع مواطنيهم في الدفاع ضد عدو مشترك. (تصوروا لو أن جعجع كان ما زال يسيطر على المنطقة هنا أو هناك خلال حرب إسرائيل المدمرة أو مجزرة يوم الأحد؟ الفضل كبير لهذا الرجل الشهم الجنرال ميشال عون لأن أحد أهداف المجزرة كان خنق هذا التفاهم إلى الأبد! كذلك الفضل للقيادات في الحركة والحزب التي تمكنّت – بمعجزة كبيرة – من ضبط أبنائها الذين تفوّقوا على أيوب في زمانه بصبرهم وتحملهم على آلة القتل الإسرائيلية أولاً وثانياً على شظف الحياة وحرمانهم من لقمة العيش والنور والماء في حين أن فلاناً يتنعم هو وعائلته بإقامة الأفراح والليالي الملاح في قصر الحكومة.
4 – الواضح أن هدف المؤامرة كان الإيقاع بين الجيش وشعبه المقاوم ولهذا فمصداقيته أصبحت على المحك وعلى قيادته التحرك بسرعة لكشف المجرمين ومعاقبتهم أينما كانوا ولأي موقع انتموا، وإلا فويلٌ لساكني القصور من قاطني الدول، إذا كانت بلا ماء أو كهرباء أو هواء وأضحت تشبه القبور!
Leave a Reply