لنستريح قليلاً من التشويق والإثارة اليومية في البيت الأبيض الأميركي واحتمال محاكمة ترامب ومدى قدرة اللوبي المعروف على ان «يستقيله» من السلطة ليحل مكانه من هو أخطر منه! لنترك هذا لمقال آخر لأن شبه الوطن على أعتاب أزمة وجودية مصيرية يلعب من خلالها على حافة الهاوية بسبب استهتار وحوش المال وأمراء الطوائف.
فوسط الحديث عن عقوبات أميركية جديدة صارمة على المقاومة قد لا تقتصر عليها بل تطال كل القوى التي تتعامل معها، وخطورة ذلك على الفئات والقوى اللبنانية وامتداداتها عبر الاغتراب بحيث يمكن تلفيق أي تهم لأي شخص مغترب من أجل كم الأفواه، لا تدرك الدولة اللبنانية الغارقة في نقاش غير مجد حول قانون الانتخاب هذا الخطر الوجودي فترسل وفداً نيابياً باهتاً للقاء أعضاء في الكونغرس في محاولة لتطويق العقوبات وإظهار أنَّ لبنان يحارب الإرهاب التكفيري.
هذا الوفد النيابي الذي لا أثر له في الإعلام هنا لا يعرف «كوعه من بوعه» وهو مضيعة للوقت لأن السياسات والقوانين لا تُصنَع في أروقة الكونغرس بل في مكاتب جماعات اللوبي، والإسرائيلي تحديداً، فما جدوى زيارة هؤلاء النوَّاب الذين قد لا يفقهون اللغة الانكليزية حتَّى؟ ولو افترضنا انهم اجتمعوا مع أعضاء الكونغرس المعنيين، فماذا يعني لهم لبنان وشعبه أكثر من ناخبيهم ومعظمهم من أنصار إسرائيل؟ ومن سيحاسبهم؟ حفنة من أعضاء وفد تابع لوطن بائس، أم شعبهم ومواطنوهم في دوائرهم الانتخابية؟
انه لأمر مضحك فعلاً هذا الجهل اللبناني والعربي بالنظام الأميركي وطريقة التعامل معه خصوصاً في عهد ترامب. كم أضاع العرب الاموال الطائلة من دون بناء لوبي عربي قوي في أميركا يقوم بدور الضغط من أجل القضايا العربية؟
بدلاً من ذلك يقوم بنو سعود وأذنابهم باقامة محاور وأحلاف جديدة خطيرة على الأمة العربية تكلفهم مليارات الدولارات يدفعونها لترامب ليحميهم من أنفسهم ومن تهورهم وفشلهم فقط وهم مستعدون لتحمل إهانات وإذلال ترامب ووصفهم بانهم لا يملكون الا المال فقط حتَّى ينجوا بأنفسهم. وما القمة المزمعة عقدها في الرياض مع صدور هذا العدد إلا محاولة لإعادة تغيير خريطة المنطقة بالتحالف مع إسرائيل حيث لم يعد ينقص إلا وجود نتنياهو في السعودية بعد سماح الإمارات بدخول السياح الصهاينة من دون تأشيرة بينما يمنع باقي العرب من ذلك.
التحالف الجديد لن يحمي بني سعود لأن ترامب لا يمكنه أن يعطيهم أكثر من السلاح المتطور الذي يبقى طبعاً دون مستوى أسلحة تل أبيب. فهم يملكون السلاح المتقدم والمحرم دوليَّاً واستخدموه ضد اليمن لكنهم فشلوا في عدوانهم رغم تسببهم بكوارث صحية ضد الشعب اليمني البطل الصامد آخرها تفشي الكوليرا.
بالعودة الى لبنان، يجب على الرئيس عون أن لا ينسى إهانة بني سعود بدعوة الحريري للقمة واستثنائه منها رغم أن ذلك أشرف له من الحضور ولا يجب عليه إرسال صهره أيضاً، كما عليه أن يعود الى أسلوب ما قبل الرئاسة ويفرض النسبية ويمنع أزمة الفراغ النيابي بدل إطلاق العنان لجبران باسيل. بئس هكذا وطن يذهب فيه رئيس حكومة لحضور قمة بني سعود للتآمر على شريحة واسعة من أبناء البلد. والأمر لا يقتصر على الموقف السياسي فقط إذا علَّمنا أنَّ الاتصالات التي يديرها الجراح كلها بيد الحريرية اليوم حيث تملك إسرائيل اليد الطولى في خرقها والتلاعب فيها كما فعلت خلال خطاب السيِّد نصرالله ممَّا يطرح تساؤلات وجودية حول جدوى المحكمة السنيوريَّة.
إنه زمن شديد الخطورة خصوصاً بعد ورود اخبار عن تحضير إسرائيلي لعدوان جديد «طال انتظاره» بينما وفد نيابي غير نافع يقبع في واشنطن ووفد حكومي في قمة ترامب، وأزمة مصير في الداخل قد تؤدي للقفز نحو المجهول. إنه زمن وحكم الأعداء ممَّا يتطلب المزيد من اليقظه والوعي.
Leave a Reply