ديربورن – خاص “صدى الوطن”
في الأعوام القليلة الماضية، بدأ المشهد الرياضي في أوساط الجاليات العربية في منطقة جنوب شرق ميشيغن يتبلور ويجذب العديد من المنخرطين فيه والمتابعين له، ومن بطولة الى أخرى، ومن إنجاز الى آخر، أخذت لعبة كرة القدم العربية الأميركية تزداد تألقاً لتفتح آفاقا جديدة محملة بآمال وأحلام نحو الأفضل.
لكن النجاح، لم يكن يوماً يتيماً، بل هو نتيجة تضافر جهود تؤمن بالطريق التي تسلكه.
ولكرة القدم المحلية آباء وحاضنون، أحد هؤلاء، ولعله أبرزهم، هو المدرب التونسي القدير خالد العيادي (٤٨ عاما) الذي عمل طوال العقد الماضي، ومن خلف الكواليس، على خلق أرضية صالحة للعبة كرة القدم في منطقة ديترويت.
فمنذ مجيئه الى الولايات المتحدة عام ١٩٩٩، وحتى يومنا هذا، عمل العيادي، الذي يحمل شهادة دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط وأوروبا، على بناء جيل من لاعبي كرة القدم ترقوا في الفرق والفئات العمرية التي أشرف عليها كمدرب ليقدم بذلك نواة معظم فرق الجالية العربية.
العيادي، بدوره لعب كرة القدم منذ طفولته لكن إصابته المبكرة (في سن ٢١) منعته من الاستمرار في المنتخب الوطني لبلاده (فريق الآمال)، لكنه مع ذلك عاد للعبة التي أحبها وقرر منذ مجيئه الى ميشيغن النهوض بها بعد أن لمس ضرورة وجودها في مجتمع الجالية من خلال عمله في الشأن العام مع “المركز العربي” (أكسس).
وفي فترة قياسية أطلق العيادي، الذي حصل على أعلى شهادة تدريبية في كرة القدم على المستوى الوطني الأميركي، فريق “إيغلز” لفئات عمرية مختلفة وأنشأ فرقا لألعاب أخرى في برنامج تربوي تشرف عليه “أكسس”، ليبدأ رحلة طويلة حقق خلالها بطولات وكؤوس عديدة معتمدا على معادلة واضحة يعتبرها أساساً لنجاح العمل الجماعي وهي “المثابرة ونكران الذات”.
وقد حصد العيادي مع أول فريق أسسه وأشرف عليه، وهو فريق “إلايغلز” لكرة القدم، على بطولة دوري منطقة ديترويت الكبرى (أم دي أس أل) أعوام ٢٠٠٢ و٢٠٠٣ و٢٠٠٤ و٢٠٠٦، كما أحرز في العام ٢٠٠٥ مع الـ”إيغلز” بطولة منطقة الغرب الأوسط الأميركي في الملاعب المغلقة وخسر النهائي الوطني أمام فريق “لامارا” من تكساس.
وفي العام ٢٠٠٧ أطلق العيادي أكاديمية “ديربورن إمباسادور” لكرة القدم، ليحقق مع فريقها بطولة “أم دي أس أل” للأعوام ٢٠٠٨، ٢٠١٠، ومؤخرا ٢٠١١. كما أشرف على فريق “نجوم أم دي أس أل” لعدة سنوات.
العيّادي، وهو أب لثلاثة أولاد، يدرّب حاليا نادي أكاديمية “ديربورن إمباسدور” وكذلك فريق “ميشيغن سبورتنغ” الذي انضم اليه أواخر موسم ٢٠١٠ وحقق معه في الموسم الحالي “كأس الولاية” في إنجاز أول من نوعه للفرق العربية.
“صدى الوطن” التقت المدرب خالد العيادي وأجرت معه لقاءً تمحور حول مسيرته ورؤيته لواقع ومستقبل كرة القدم المحلية:
– كيف تقيّم مسيرة “سبورتنغ ميشيغن” لهذا الموسم؟
يشاطرني أغلب من تابع نادي “سبورتنغ” هذا الموسم أنّ مسيرته كانت ورديّة وناجحة بكل المقاييس، ففي الموسم الماضي (2010) كان الفريق يعاني من النتائج السلبية وكاد ينحدر إلى الدرجة الثانية في دوري “أم <ـي أس أل”، لكن الفريق هذه السنة استطاع أن يتمركز بين كوكبة فرق الطليعة الأربعة ونافس بجديّة على بطولة الدوري، علما أنه أنهى سنة 2010 بدون أيّ إنجاز يذكر في حين إستطاع هذه السنة أن ينافس على كل البطولات المحلية والإقليمية فبلغ نصف نهائي كأس “أم <ـي أس أل” وفاز بأهمّ كأس على مستوى الولاية “كأس الولاية ” وبلغ نهائي بطولة الغرب الأوسط الأميركي في إنديانا.
ولم يكن الفريق ليعرف تشكيلة مستقرة في موسمه الأول في دوري ميشيغن ولم يكن له طريقة لعب خاصة، أو أسلوب تكتيكي كما أنّه كان يعاني من الشيخوخة لتقدّم كثير من لاعبيه في السنّ مع قلة الإنضباط و”النجومية الزائفة” فكان أول ما إتّفقت عليه مع الإدارة هو العمل على تجديد الفريق ودفع بوجوه جديدة وشابّة قادرة على إدخال حيويّة وسرعة على أداء الفريق، كما ركّزت على الجانب النفسي لبث روح إنتصارية مبنية على ثقة بالنفس حقيقيّة، فاللاعب الذي لا يتدرب لا يستطيع أن يفعل الكثير يوم المباراة. كما عملت على بناء لحمة حوّلت الفريق إلى عائلة واحدة متضامنة متحابّة يعمل الجميع فيها لمصلحة الفريق لا لمصالح فرديّة. كما كنت خلال كل التمارين أعمل على تحسين اللّياقة البدنية وتركيز الأسلوب التكتيكي الذي حدّد أسلوب لعب الفريق، وقد إستوعب اللاعبون ماهو مطلوب منهم وأصبح للفريق طابع خاص به فرضه على جميع المنافسين وكان أحد أسلحة الفريق الفتّاكة. وبإحصائية بسيطة ربحنا كل مقابلاتنا الصعبة في الموسم الحالي في الشوط الثاني وهذا الأمر يتطلب لياقة بدنية كبيرة لذلك كنت أحرص خلال كل التدريبات على أن يكون الفريق في جهوزيّة بدنية عالية.
– أين ترى “سبورتنغ” في الموسم المقبل؟
لن أقول ليس في الإمكان أبدع ممّا كان، بل أقول أنّ الفريق قادر على الأفضل وعلى المضيّ قدما لتحقيق مزيد من الإنجازات والنجاحات ولكن بشرط أن تتوفّر نفس العزيمة والإلتزام وروح المجموعة ونكران الذات التّي ميزت كل الفريق من لاعبين وإداريين. لكني أعتقد أنّه يجب تدعيم الطاقم الإداري الحالي، الذي قام بعمل كبير، بعناصر إضافية حتى يعمل الفريق بأكثر أريحيّة، فكما تعلمون جميع الطاقم من المتطوعين.
– ما هي عناصر القوة والضعف في النادي وكيف يمكن الارتقاء به؟
لنبدأ بعناصر الضعف أو بالأصح العناصر التي يجب تطويرها، وهي، أولاً: عدم وجود ملعب خاص للفريق للتدريبات. ثانياً: قلّة التجهيزات الرياضية الخاصة بالتمارين. ثالثاً: عدم وجود مقر خاص للفريق للإجتماعات وللعمل الإداري. ورابعاً: قلّة الطاقم الإداري.
أما عناصر القوة فهي، أولاً: اللحمة التي طبعت أداء وتصرفات الفريق. ثانياً: الشخصية القوية للفريق والروح الإنتصارية التي غُرست في كل اللاعبين. ثالثاً: تطور مهارات لاعبي الفرق ونضجهم تكتيكيا. رابعاً: التفاهم الكبير بيني كمدرب للفريق، وبين الجهاز الإداري، وبيننا وبين اللاعبين. خامساً: الدعم المتواصل المادي والمعنوي لمجموعة أعضاء الهيئة الشرفية المتكونة من الإخوة خليل سعد، قاسم بيضون، عباس بيضون، علي كاعين وكل رجالات نادي بنت جبيل وكل الخيّرين. وسادساً: المساندة الكبيرة من أحباء الفريق ومن أبناء الجالية.
– في العام ٢٠٠٦ حقق فريق “ايغلز” كل الكؤوس التي يمكن ان يحصدها ولكنك تركت الفريق الذي قدته وأسسته لتطلق فريقا جديدا هو “ديربورن امباسادور”.. ما هي الاسباب التي قادتك لذلك وهل بلغت الاهداف التي كنت تبتغيها؟
في الحقيقة لم يكن تأسيسي أكاديميية “الإمبسادور” تخليا عن نادي “ايغلز”، بل إضطررت في تلك السنة نتيجة شُحّ موارد الدعم المخصصة للفريق وعجز الداعمون على مواصلة تقديم منح من ناحية، ومن ناحية ثانية جذبت الإنجازات التي حققتها مع نادي “ايغلز” أنظار الجميع وجعلت الفريق محل إعجاب تحوّل إلى تهافت القائمين على النوادي الأخرى لاستقدام لاعبي فريقي وإغرائهم بالمال. وذلك التهافت على لاعبي “إيغلز” كان نتيجة أنّ بعض “المسؤولين” في الفرق الأخرى ليس لهم باع ولا ذراع في مجال تكوين اللاعبين لكن رغبتهم في تحقيق نجاحات سريعة دفعتهم الى أقصر الطرق، وهي جلب اللاعب الجاهز من نادي “إيغلز” الذي كان المصدر المفضل للجميع. وقتها لم يبق امامي حل آخر فجمعت من تبقى من لاعبي نادي “إيغلز” وأسست نادي “الإمباسدور” وعملت على تكوين مجموعة قادرة على رفع التحدي وهاهو الآن نادي “الإمباسدور” يحصد البطولة تلو الأخرى ويتغلّب حتى على فرق تعجّ بلاعبي أو نجوم فريق “إيغلز” السابقين. ومع “الإمباسادور” حققت كافة البطولات ولم يبق أمامنا الا بطولة وحيدة هي بطولة الولايات المتحدة، وأنا وراها والزمن طويل!
واقول انه مع كل تحدٍ جديد عمل جديد، كد وجهد ومع حصد للبطولات يبقى اهم هدف لي هو المساهمة في تكوين الاجيال القادمة، فرؤيتي لطفل سعيد بمداعبته للكرة اهمّ عندي من كل البطولات، على الجميع ان يعملوا على مزيد رعاية البراعم الناشئة فهم عماد المستقبل. يجب ان يكون شعارنا “زرعوا فحصدنا ونزرع فيحصدون” إنّه مبدأ تكافل الأجيال.
– ما الفارق بين “دوري ميشيغن” (أم <ـي أس أل) ودوري منطقة ديترويت (إم دي أس أل)، وأيهما افضل برايك؟
في البداية أريد أن أوضّح خطأً شائعاً يقع تكراره بإستمرار وهو أنّ دوري “أم دي أس أل” هو دوري مقاطعة وين، والصحيح هو أنه دوري منطقة ديترويت الكبرى التي تشمل مقاطعة وين وغيرها من المقاطعات المحيطة بمدينة ديترويت. أمّا الفرق بين الدوريين من ناحية التصنيف فالدوريان يصنفان رسميا كدوري ممتاز (بريميير)، لكن تعتبر إدارة “أم <ـي أس آل” حاليا أكثر مرونة وقدرة في جلب نوعية جيدة من الحكام وإختيار الملاعب، أما رابطة “أم دي أس أل” فيغلب عليها الروتين الإداري وإرتفاع رسوم التسجيل، ممّا يدفع الفرق إلى التحول إلى غيرها من الرابطات، أمّا من الناحية الفنية ففرق مثل “الإمباسدور” و”ديتروي هاسلر” و”غرين إيغلز” قادرة على منافسة فرق “أم <ـي أس أل” بندية، وهذا رأيي الخاص كمتابع للشأن الكروي على مدى العشرية الأخيرة.
– هل ترى ان الاهتمام بكرة القدم المحلية في تزايد وهل من افق له، وانت الادرى بهذا الأمر لمساهماتك الأساسية في النهوض بالرياضة المحلية منذ حوالي عقد من الزمن؟
نعم هناك تنامي للفرق وللمنظمات التي تعنى برياضة كرة القدم لكن بصراحة، وللتاريخ، يوجد قليل من النوادي او المنظمات التي لها إستراتيجية واضحة لتطوير قدرات الشباب الرياضية أمّا أغلبها فمناسباتي وعشوائي، فلم نرى خلال السنوات إلاّ تراكم كمّي لأسماء الفرق لم يتحوّل إلى عمل نوعيّ، فالرغبة في الفوز بأيّ ثمن حوّلت بعض المقابلات إلى حلبات للملاكمة، وقد إبتعد كثير من الرياضيّين الحقيقيّين عن المجال الرياضي نتيجة تحوّل المجال لواجهة للدعاية أو تلميع صورة أشخاص أو منظمات فرغم تتالي السنين ظللنا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، لأن أغلب العاملين في المجال الرياضي لا يمتّون اليه بصلة فهم للأسف الشديد كحاطب بليل و إذا وُجّه لهم أيّ ملاحظة إدّعُوا أنّ ما يفعلونه هو الأصلح وهي سياسة “عنزة ولو طارت”.
– ماذا تحتاج كرة القدم المحلية لترتقي الى المستوى المطلوب؟
بعد أن إختلط الحابل بالنابل تحتاج الكرة المحلية لعودة الأشخاص القادرين فعلا على التطوير وخدمة الشباب ضمن إستراتيجية عمل علمية وطبقا لبرامج مسطّرة، وأدعو في هذا المجال كل الداعمين وقيادات الجالية والأولياء إلى دخول الميدان والعمل كلّ من موقعه وحسب طاقته على تنقية الميدان الرياضي من الطفيليات وذلك بتوعية بقية الأولياء لممارسة رقابة والتثبّت من الفرق والنوادي الرياضية التي يسجلون فيها أبنائهم والحرص على إنتقاء البرامج التي تديرها الكفاءات الحقيقية حتى لا يصبح المجال مرتعا لكل من هبَّ ودبَّ.
– هل ستتابع مسيرتك مع “سبورتنغ” و”امباسادور” في الموسم المقبل؟
فيما يخص “الإمباسدور” فلا جديد، سأكون مجدّدا على رأس الفريق في السنة القادمة أمّا بخصوص “سبورتنغ”، فمبدئياً نعم سأدربه فقد عبّر لي كلّ أعضاء الإدارة وهيئة الدعم عن رغبتهم في أن أواصل الإشراف على النادي، وسنجلس قريبا للخوض في تفاصيل تهمّ الفريق، بعدها سأقوم ببرمجة العمل التفصيلي الذي يخصّ النادي على مدار السنة كلّها، بالرغم من أني تلقيت عرضا من فريق في ديترويت، كما إتصل بي نادي من الجالية لكنّي، كما قلت مبدئيا: أنا “سبورتنغاوي” إلى أن يأتي ما يخالف ذلك.
– تدرج تحت اشرافك عشرات اللاعبين من مختلف الفئات العمرية. من هم اكثر اللاعبين الذين نالوا اعجابك وتتوقع لهم مستقبلا في اللعبة
لقد مرنت أغلب اللاعبين من العرب الأميركيين وكثير من الإثنيات الأخرى وكانت هناك كوكبة ممتازة مثل توفيق البعداني وفؤاد عبد كاظم ومحمد حجازي ومعين سلامة وطارق ناصر وحافظ عفوري وأمد وحسن قبوط وثائر حجامي وهشام تواتي وكرار التويج ومايك وتايو وفالدو وزاك ونادر حيدر ومحمد شيخ وكثير غيرهم ومازال بعضهم غزير العطاء في ميادين الكرة حتى الآن، أمّا من جيل المستقبل فهناك الأخوين محمد وحسن سعد، أحمد زريق، خليل مروة، مصطفى وقاسم بزي، حسين دكروب، علي عبدالله ورضا، اسماعيل ناصر، أشرف وأبوبكر البعداني، فواز المنصوب، علي الشبلاوي، حيدر وأحمد الزيادي، ستنت، جوش وداني وغيرهم كثير ممن لم تحضرني أسمائهم الآن.
– كيف تصف علاقتك باللاعبين وماذا تقول لهم في هذه المناسبة؟
علاقة، والحمد لله، جيّدة بالجميع فكل الفرق واللاعبين الذين دربتهم كنت حريصا على أن تكون علاقتهم ببعضهم وبي متينة داخل وخارج الملعب، حيث يتصلون بي ليستشيرونني في أمور كثيرة. فكثير منهم يعتبرونني أخ أكبر أو أب وقد حرصت أن يظل الإحترام سائدا. أما ماذا أقول لهم بهذه المناسبة فأنصحهم أن يركّزوا على تعليمهم الأكاديمي أوّلا وعلى ممارسة كرة القدم لأنّها ككل الرياضات تنمّي الجسم والعقل ولأنها لعبة جماعية فهي تنمّي روح الجماعة والتعاون، وكل ممارسي هذه الرياضة لابد أن يتواضعوا ويعطوا اللعبة حقّها وذلك بالجدية والتدرّب وإحترام زملائهم ومدربيهم واداريي فريقهم والحكام والفرق المنافسة، لأنّ الرياضة في الأخير أخلاق أو لا تكون.
– كلمة أخيرة..
أتوجه بالشكر لصحيفة “صدى الوطن” الغراء التي أتاحت لي هذه الفرصة لأتحدث عن تجربتي الخاصة في مجال العمل الشبابي والرياضي عامّة وكرة القدم خاصة
Leave a Reply