أَحَب أحد السلاطين في يوم الكذب العالمي، يوم الأول من نيسان، أن يتسلى، فأعلن عن جائزة سخية لمن جاء بأفظع كذبة في تاريخ السلطنة، وأصدر فرماناً يقول: من فاز بالجائزة ونجح في تقديم أفظع كذبة، له تفاحة من الذهب الخالص.
كان السلطان قد ملّ سماع جواسيسه ينقلون له أخبار الشعب الغلبان الذي استشرى فيه الكذب، فكان يتناهى الى مسمعه أن ليس كل من يُظهر الحب والإحترام يعني بالضرورة حبا وولاءً للسلطان، فالكذب ينتشر مع الخوف والحقيقة تضمحل مع غياب العدالة.
تقدم الناس من كل الطبقات ومن كافة جهات السلطنة بأكاذيب يحتار لها العقل. هرع إلى بلاط السلطان أغنياء وفقراء، شباب وشيبان، نساء ورجال من كل صنف زوجان، ومن كل فاكهة الكذب لونان. كل يختلق من الكذب ما يتعجب له المرء من دجل وجدل. ذُهل السلطان كيف يبرع الناس في الحرام أكثر من الحلال وكيف يؤذي الإنسان أخاه الإنسان ويفتك به كالذئاب.
كان السلطان يصغي بصبر عجيب، ويطفئ نار غضبه بحلمه، لكنه كان يعرف كذب الرعيّة، حيث كان الجواسيس ينقلون له أخبار الناس على مدار الساعة وحتى أحاديثهم الخاصة، وما تخفي صدورهم.. فللحيطان آذان أكبر مما يتخيل الإنسان.
لم يكن هناك نقص في عدد الكذابين، وكان السلطان بعد أن يسمع قصة كل واحد، يقول له ليست الكذبة المناسبة وهي كذبة معروفة. خسر الطامعون بالتفاحة الذهبية الرهان بإستمرار.
أخيراً، ملّ السلطان من هذه اللعبة، وقرر عدم منح الجائزة لأحد.
في مساء ذلك اليوم، جاءت إمرأة فقيرة، تلبس أسمالا غير نظيفة، ويبدو عليها الإرهاق والتعب، وتحت إبطها جرة من الفخار. طلبت المرأة الدخول على السلطان، فلما تقدمت إليه ظهرت عليها علامات الحيرة والتردد ثم قالت: يا سيدي السلطان، لا أعرف ماذا أقول لك؟، ولكنني متأكدة أنك تتذكر أنك مدين لي. فقال السلطان: وبماذا أدين لك؟ وماذا أستطيع فعله لك؟.
قالت: جلالتك.. إن لي في ذمتك تفاحة من الذهب الخالص، هي أمانة عندك، فأرجو أن تعيدها إلي!.
نظر الملك في وجهها مذهولا، ثم صاح بها: حقا إنك إمرأة وقحة، وما تدّعين به هو كذب فظيع تنشق له السماء، ولم أسمع به من قبل.
قالت المرأة الفقيرة: إذاً مدّ يدك وأعطني الجائزة.
انفعل السلطان وضرب صولجانه بالأرض وقال لها: لا، لست كاذبة ولن تنالين الجائزة.
فأجابت العجوز: إذاً تعترف أنني صادقة، ولي في حوزتك تفاحة من الذهب!.
أدرك السلطان أن المرأة كسبت الرهان دون أن تكذب.
فلو اعتبرها كاذبة فازت بالجائزة، ولو اعترف بصدقها منحها تفاحة الذهب.
المغزى أن الكذبة الذكية تبدأ بالبراعة في فهم الآخرين لدفعهم الى تنفيذ إرادة غيرهم، دون أن يشعروا بذلك، تماما مثل أعراب اليوم في الشرق.. يقتلون أنفسهم ويدمرون أوطانهم ويسيرون في طريق مسدود، لأنهم ببساطة صدقوا أكاذيب ذكية وباتوا في خانة الـ«يك»، أو المربع الأول، أينما ضربوا رؤوسهم ضربوها بالصخر!.
Leave a Reply