أمس فقط عدت للاستمتاع بقيادة سيارتي المفضلة الـ«بي أم دبليو» والانطلاق فيها بالسرعة التي تعود عليها لسنوات طويلة، هذه المتعة التي حرمت منها لأكثر من ستة أسابيع عانيت خلالها من القلق والتوتر والخوف والتردد في استخدامها بعد اكتشافي أن خللاً ما أصاب محركها.. هذا الخلل المفاجئ الذي بدا تأثيره واضحاً على قوة دفع السيارة فور انطلاقها وظهور مجموعة اضواء تنبيه تشير الى معاناة فنية داخلية فيها. على الفور أستعنت برصيدي الذي لا يحصى من الاصدقاء والمعارف من فنيين وخبراء في المجالات التقنية من العرب الاميركيين، وبدأت بصديقي المولع بكل ما يتعلق بالسيارات «سالم» الذي استعان هو الاخر «بالمانيويل» او دليل السيارة «كتيب المعلومات» المحفوظ في شنطة جلدية صغيرة داخل احد جيوب السيارة في محاولة منه لمطابقة وتحليل ما ترمز اليه اشارات الخطر المضيئة، واكتشاف طبيعة الخلل. الا انه لم يوفق نظراً لتعدد الخيارات التي اشارت الى المحرك و«الترانزميشن» والكومبيوتر ونظام التبريد وحتى الـ«بريك»…!! أجرينا اتصالاتنا مع مجموعة من الورشات الميكانيكية لتصليح السيارات، آملينً ان نجد ضالتنا عند احداها، فكانت محطتنا الاولى «ورشة تمام» لتصليح السيارات حيث استقبلنا صاحبها بالاحضان واخذنا في جولة لتشخيص الخلل دامت نحو ربع ساعة عدنا الى الورشة ليقرر الخبير ان المشكلة تكمن في عطب اصاب «الترانزميشن» (مغير السرعة) ويجب استبداله فوراً وعهدت الى الخبير بمهمة عمل اللازم. واتفقنا ان اعود بالسيارة الى الورشة بعد ثلاثة أيام بعد ان يتصل معي هاتفياً، انتظرت ستة أيام ولم أتلق الاتصال المفترض، فوجدت نفسي أتوجه الى محطة ثانية «ورشة تصليح جميع انواع السيارات». سيارتك عليها «هاي مايلج» (أميال كثيرة).. شو رأيك تبيعها وتخلص».. همس الخبير الثاني في أذني بعد ان تجول فيها على الـ«هاي وي» (احد الطرق السريعة) لفترة طويلة، عندك المحرك مهتري والـ«ترانزميشن» معطوب، أنا اوكد لك ان هناك خللاً كبيراً داخل المحرك لا يمكن اصلاحه الا بخلع المحرك وانزاله من مكانه واستبداله. تحليل الخبير الميكانيكي اخترق دماغي واصابني بالاحباط، ركبت سيارتي وبدأت افكر بشراء سيارة اخرى «بي ام دبليو ». في طريق عودتي الى البيت وقع نظري على لوحة حمراء كبيرة مكتوب عليها «ورشة الامانة» متخصصون في الـ«ترانزميشن» فقلت في نفسي «من يدري؟… لعل وعسى». توقفت، دخلت الى المحطة الثالثة التي استقبلني داخلها ثلاثة من الخبراء الذين يرتدون بزات زرقاء انيقة تحمل كل منها اسم الخبير واختصاصه الفني. تعرفوا على شخصي، دخل أحدهم واحضر صاحب المحل الذي اقسم اغلظ الايمان بأن أدخل غرفته «مكتبه الخاص». دخلت وشرحت له غرضي، تنهد وتمتم بكلمات لم افهمها وتابع قائلاً «شوف يا استاذ أنا عندي اجهزة اكتشاف لأي خراب أو عطل في اي سيارة أميركية او أجنبية» وتابع بثقة «هذه الاجهزة اراهن انها غير متوفرة عند أي محل غيري، لذلك اطمئن فأنت وسيارتك في ايادي أمينة، الان سنعرف المشكلة».طلب صاحب المحل من احد خبرائه احضار الجهاز الاكتروني الخاص، وبعد دقائق من المعاينة والكشف والتحليل جاءت النتيجة، الـ«ترانزميشن» بحاجة الى تغيير، «انت حر» قال صاحب المحل، «نستطيع اصلاح الجزء المعطوب من الـ«ترانزميشن» لكن نصيحتي لك.. خلينا نركّب واحد جديد»، قلت له «اتكلنا على الله». اجاب «نحن تحت أمرك عيني… لكن اعطينا اسبوع واحد فقط ولا تشغل بال». ولم اشغل بالاً!! الان اصبح التحليل واضحاً وضوح الشمس، السيارة بحاجة الى «ترانزميشن» جديد ويجب على الانتظار اسبوعاً لحل المشكلة. شيء في داخلي دفعني الى التوجه الى محطات أخرى وخبراء آخرين.. فقط للمقارنة والتسلية. عند ورشات ثلاث اخريات لتصليح السيارات الاجنبية «مرسيدس» و«بي أم دبليو» مملوكة لعرب أميركيين، حصلت على نفس التشخيص، العطل في المحرك او الـ«ترانزميشن». الان زال القلق والتوتر.. ولم اعد خائفاً بعد ان حدد الخبراء، او على الأقل خمسة منهم الداء في الـ«ترانزميشن» حين أكدوا انه مهترئ ويجب تغييره. قدت سيارتي بلا قلق او خوف.. واصبحت القضية عندي اي من الخبراء الذين عاينوا وشخصوا خلل سيارتي سأعهد أليه مهمة تصليحها. لم يكن مهما التكاليف المالية التي تراوحت بين الالفين الى ثلاثة ألاف، فهذه اسعار معقولة خاصة وان ثمن الـ«ترانزميشن» المستعمل لسيارة «بي أم دبليو» يصل الى الفاً وخمسمائة دولار. راجعت وجوه وحركات وتحليلات جميع الخبراء الذين زرتهم لمعاينة سيارتي. توقفت عند كل واحد منهم في محاولة لاجراء مقارنة مع الاخرين واختار المناسب ووجدت نفسي اقف على اشارة ضوئية حمراء أمام شركة وكالة «بي ام دبليو» للسيارات وبلا شعور دخلت الى مركز خدمات السيارات، وقابلت الموظف المسؤول وسألته ان يعاين سيارتي. جلست في غرفة الانتظار اتصفح جريدة محلية واذا بالمسؤول بعد عشر دقائق ينادي اسمي، سيارتك بحاجة الى «سنسر» أي مجس صغير، تبلغ كلفة تغيره 89 دولار اضافة الى 125 دولار معاينة، وماذا عن الـ«ترانزميشن..؟» سألته! الـ«ترانزميشن» والعقل المدبر والمحرك كلها سليمة ولا عيب فيها. قال الرجل بنبرة سقطت على رأسي كأنها صاعقة هادئة! هل يعقل ذلك؟ فورا وافقت على التصليح الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً.استقليت سيارتي متوجها الى بيتي، وفي مخيلتي وجوه وحركات ونصائح وتحليلات مجموعة خبراء المحركات والسيارات ممن ارهقوني، لأكثر من ستة اسابيع. وصلت منزلي وجلست أمام جهاز التلفزيون محاولاً التخلص من آثار هذه التجربة المريرة العالقة في ذهني واذ بي اشاهد ومن على شاشة احدى المحطات الفضائية العربية خبراء عرب يشخصون ويحللون قضايا الأمة واحوالها في العراق ولبنان وفلسطين وتمعنت بتشخيصهم وتحليلهم وحلولهم ونصائحهم لقضايا الأمة المصيرية فلم أجد ولله فارقا واحدا بينهم وبين خبراء السيارات أو ربما كان هناك فارق وحيد يسجل وهو انني الوحيد المفترض ان أكون ضحية تشخيص خبراء السيارات فيما يعد ضحايا خبراء المحطات الفضائية العربية بالملايين.
Leave a Reply