كانت الأجواء الاحتفالية والبهجة تعم أرجاء الحي الذي نشأ فيه محمد في سوريا، ولكن في خضم ذلك كان الطفل الصغير يزداد توتراً كلما اقتربت لحظة مناسبة الاحتفال التي كان يعرفها الجيران جيِّداً، وهي أن محمداً، الذي كان يبلغ حينها 12 عاماً، على موعد، جنباً إلى جنب مع بعض أخوته وأبناء عمومته، مع مفصل هام جدَّاً في حياتهم وهو الطهور، أي ختان الذكور.
هذه العملية الجراحية التي تمت في وضح النهار وأمام جمع غفير ووسط زغاريد النسوة وصدح الأغاني والألحان هي عملية جراحية تقليدية لدى المسلمين، يقوم بها «مطهِّر» قانوني.
حدث هذا في أحد الأحياء الدمشقية في ثمانينات القرن الماضي. أما محمد، فهو اليوم مهاجر مقيم في مدينة هامترامك، عمره 40 عاماً ولا يزال يذكر تلك التجربة المختلفة عن غيره من الذكور الذين عادة ما يخضعون لهذه العملية التقليدية وهم في سن صغير.
لا يزال محمد، الذي فضل عدم نشر اسمه كاملاً، يتذكر كيف كان يسمع دقات قلبه بوضوح ويحس بالثواني الثقيلة تمر ببطء شديد بانتظار «طهوره» متسائلاً مذاك حتى اليوم هو وأقرانه عن السبب في عدم ختانهم وهم أطفالٌ رضّع كغيرهم من الأطفال، لكنه فهم حينها أن «الختان» أمر هام وضروري يجب القيام به إرضاءً للعائلة وللتقاليد.
يذكر محمد كيف أنه أُجلس على الأرض وهو عار تماماً ومن دون خوف، وسط دعم وتشجيع من كل أفراد العائلة بوقوفهم خلفه بينما قام بعضهم بمسك ذراعيه وساقيه لمساعدته على تحمل ألم الختان بدون مخدِّر. وفي حين استغرق الطهور ثوانيٍَ سريعة الا ان تأثيره استمر مدى العمر وغير حياته كلها، يقول محمد، وأضاف «ان هذا ساعدني على فهم هويتي لكني احتجت لبعض الوقت لكي أتعافى منه».
أكثر من 80 بالمئة من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و59 عاماً في أميركا سيقولون إنهم خضعوا لعملية ختان، بحسب المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي). لكن القليل منهم خبر نفس تجربة محمد أو يتذكر شيئاً منها، حيث أن غالبيتهم خضعوا لجراحة الختان في غضون ساعات قليلة أو شهور بعد الولادة.
عودة الجدل
مؤخراً، شهدت ولاية ميشيغن أول قضية فدرالية من نوعها بمحاكمة ثلاثة أطباء بتهمة إجراء عمليات ختان للإناث في عيادة خاصة بمدينة ليفونيا، ورغم أن ختان الذكور يعتبر قانونياً في ولاية ميشيغن إلا أن القضية دفعت العديد من الناشطين إلى الدعوة لمعاملة الذكور بالمثل وحظر ختانهم.
وشهدت القضية توجيه اتهامات لثلاثة أطباء هنود أميركيين، قاموا بإجراء العمليات وفقاً لطقوس الطائفة الإسماعيلية التي ينتمون إليها (داوود بهرا)، وقد تزامنت إحدى الجلسات مع تظاهرة تطالب بحظر ختان الذكور أسوة بالإناث، نظمها ناشطون أمام مبنى المحكمة الفدرالية في ديترويت الشهر الماضي.
يذكر أن ختان الإناث أو تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، قد تم تحريمه قانونياً عام 1996 تحت طائلة السجن لمدة خمس سنوات. وفي عام 2013 تم تعديل القانون ليشمل حظر إخضاع الفتيات لهذا النوع من العمليات خارج الولايات المتَّحدة.
وحالياً يجري تداول مشروع قانون في مجلس نوَّاب ميشيغن يرفع عقوبة جرم ختان الإناث إلى جناية يُعاقب عليها بالسجن لمدَّة تصل إلى 15 عاماً.
وذكر دانيال ليميش، المدعي العام الفدرالي بالوكالة في شرق ميشيغن، أن «تشويه الأعضاء التناسلية للإناث هو تصرف وحشي يعتبر من أشكال العنف ضد النساء والفتيات»، وأضاف في بيان «هذه الممارسة لا مكان لها في المجتمع الحديث والذين يطبقونها على القاصرات ستتم محاسبتهم في إطار القانون الفدرالي».
وفي حين يُعتبَر ختان الإناث مبغوضاً ومحرماً من قبل معظم المجتمعات والأديان، إلا أنه لايزال يُمارس على نطاق واسع لدى بعض الجماعات الدينية، ومنها جماعة من المسلمين الإسماعيليين في غرب الهند التي يُطلق عليهم طائفة البهرا الداوودية. وقد استمر هذا التقليد العميق الجذور متبعاً في الثقافة الدينية هناك، ولو بشكل سري، وانتقل بواسطة الأعضاء المهاجرين إلى كل بلدان العالم.
وقد افادت جمعية «ساهيو» التي تدعو لحظر ختان الإناث انها أجرت استطلاعاً للراي أظهر أنَّ 80 بالمئة من النساء التابعات لطائفة البهرا قد أجرين عمليات ختان وكشف نصفهن ان السبب هو ديني أو بحكم التقاليد، أمَّا 45 بالمئة منهن فقط عزين السبب إلى إنقاص الشهوة الجنسية بينما ذكرت الباقيات أن السبب يعود لدواعي الطهارة.
من جهة أخرى، فإن ختان الذكور هو أحد أقدم الممارسات الجراحية وأكثرها شيوعاً– حيث تقدر نسبة ختان الذكور في العالم 30 بالمئة– وهي منتشرة بكثافة لعوامل صحية ودينية وثقافية، وفقاً لتقرير صادر عام 2007 عن منظمة الصحة العالمية WHO وبرنامج الأمم المتحدة بشأن فيروس نقص المناعة/الإيدز. وقد أورد التقرير أن ثلثي الذكور المختونين في العالم هم من المسلمين. كما أنه تقليد يتبعه اليهود في أنحاء العالم.
الطهور.. صحي أم لا؟
الجدل الدائر حول ختان الذكور والإناث على حد سواء، يتضمن مبررات صحية عديدة، في حين يقول معارضوه إنه تصرف لاإنساني يفتقد للمعايير الأخلاقية، وينتهك حقوق الأفراد وأعضائهم التناسلية من دون مسوغ طبي.
يعرف ختان الذكور بأنه الأقدم والأكثر شيوعاً وتمتد جذوره عبر التاريخ إلى الطقوس المصرية القديمة واليهودية حيث بالإمكان تقفي أثر هذه الممارسات في الرسومات القديمة على المقابر المصرية التي تعود إلى 2300 عام قبل الميلاد.
وبحسب منظمة الصحة العالمية هناك عدة عوامل دينية وثقافية واجتماعية دفعت إلى انتشار هذه الظاهرة.
وأفادت دراسة المنظمة أن المسلمين الذكور ملزمون بإجراء الختان قبل أداء فريضة الحج في مكة المكرمة.، كما أن قبائل غانا لا تنتخب زعماء غير مختونين، والأمهات غالباً ما تخضعن الذكور إلى الختان لدمج أبنائهم بمحيطهم الاجتماعي، بحسب المنظمة.
اليوم، تتم معظم عمليات الختان بعد وقت قصير من مولد الطفل في المستشفى أو العيادة، وذلك باستخدام التخدير الموضعي وأدوات معقمة. وينطوي إجراء الختان على إزالة الجلد الأمامي من أعلى العضو الذكري. وفي حين لا توصي أي من المنظمات الصحية الكبرى بختان الذكور، إلا أن هناك أدلة عديدة تشير إلى أن الختان يحمي من العديد من الأمراض، بما فيها التهابات المسالك البولية والزهري وفيروس نقص المناعة المكتسبة (أيدز).
ولكن من ناحية ثانية هناك مخاطر تترافق مع عمليات الختان. لاسيما مع المراهقين أو الكبار حيث قد يتسبب الختان بنزيف دم مفرط والتهاب حاد، وعوارض خطيرة أخرى في حال افتقاد «المطهر» للخبرة.
كما يجادل البعض بأن ختان الذكور يخفض المتعة الجنسية لدى الرجل بسبب إزالة الالياف العصبية في الجلد الأمامي ممَّا يتسبب بسماكة الانسجة الخارجية المحيطة بالحشفة.
الطبيب شادي حداد، وهو مدير قسم التوليد والطب النسائي في مستشفى غاردن سيتي، ولديه عيادة خاصة بمدينة ديربورن هايتس، قال إنه يُجري عملية الختان تقريباً في كل مرة يشرف فيها على ولادة طفل جديد. وأكد أن الختان هو عادة إجراء جراحي بسيط يتم بعد يوم واحد من ميلاد الطفل، أو بعد ثمانية أيام، حسب معتقد الديانة اليهودية.
وتابع أيضاً أن الآباء يسألون عما إذا كانوا يرغبون بإخضاع أبنائهم للختان، وفي حال موافقتهم، عليهم أن يوقّعوا إقراراً خطياً بذلك. وأضاف «الجراحة تصبح أكثر إيلاماً وتتطلب وقتاً أطول ليتعافى الشخص كلما تقدم في العمر».
واستدرك حداد أن الختان «يتمتع بفوائد نظافة صحية وأن عدم وجود غلفة الجلد يجعل من الأسهل غسل القضيب وبالتالي إزالة العوامل البيئة الرطبة التي تحيط به والتي هي مرتع للالتهابات ونمو البكتيريا».
معارضون
إلا أن حركة مناهضة الختان التي يحمل لواءها نشطاء حقوق الإنسان، جددت الجدل القديم الدائر حول هذه المسألة في الآونة الاخيرة. فتقرير منظمة الصحة العالمية يبين أن 90 بالمئة من الآباء الذين هم مختونون يختارون نفس الإجراء لأبنائهم، أساساً حتى لا يبدون مختلفين عن نظرائهم.
ومن بين الأسباب الأخرى، بالنسبة لأولئك الذين يعارضون الختان، أن حديثي الولادة أو الرضع لا يمكنهم الموافقة على جراحة تترك تأثيراً عليهم مدى الحياة، وبالتالي فان قرار الخضوع لجراحة كهذه ينبغي أن يترك للفرد عندما يبلغ سن الرشد.
ومن مبررات هؤلاء أيضاً ضد الختان أنَّه بما أنَّ الاجراء هذا تعود أصوله إلى دوافع تقليدية ودينية فإن نية الختان لم تكن دائماً لحوافز صحية أو النظافة.
سبب آخر للقيام بالختان هو التصور والمفهوم المتولد لدى النساء والرجال بأن الختان عند الذكر يؤدي لممارسة جنسية أفضل، وهذا اعتقاد خاطئ حسب تقرير عام 2013 الذي نشرته مجلة «الطب الجنسي». وقد أعادت الأكاديمية الاميركية لطب الاطفال تأكيد موقفها في أيار (مايو) عام 2005 عندما ذكرت انه لا توجد أدلة كافية لكي توصي بالختان. وفي عام 2012، انتقدت منظمة «طب الاطفال» الألمانية والجمعية الطبية الدانماركية بشدَّة عمليات ختان الأطفال من الذكور والإناث.
المنظمة الألمانية زادت على ذلك بأن «هناك أدلة نادرة جدَّاً حول فائدة ازالة الجلد الزائد من عضو الطفل الذكري قبل سن البلوغ وهذه الأدلة المتعلقة بمحاولة إثبات الحاجة الوقائية مستندة أساساً إلى معطيات تم جمعها في دولة أفريقية صحراوية مشكوك بأمرها بشدَّة».
واذا وضعنا جانباً النتائج السيكولوجية السلبية للعملية، يشير الأطباء المعاضون للختان أيضاً إلى أن الجلد الأمامي هو جزء حيوي من العضو الذكري.
«الجلد الأمامي الذي يكسو العضو الذكري هو جزء من القضيب ويقوم بدور مهم فيما يتعلَّق بحماية الحشفة» أوضحت الجمعية الطبية الألمانية في بيان لها، وتابعت «هذا الجلد يغطي قمة العضو ويحميه من المواد المضرة والاحتكاك والجروح والجفاف. هذا الجلد مرتبط بالغدة العرقية ودوره الحماية من البكتيريا والفيروسات والإفراز الذي يفرزه يقوم بتزييت وترطيب وحماية الغشاء الذي يحيط بالحشفة وبالجلد الداخلي للقضيب».
كما يشير معارضو ختان الذكور إلى أن الجلد الخارجي الذي يغطي العضو الذكري يحتوي على 20 ألف من الألياف العصبية، وأن بتر جزء من جسم الانسان بذريعة منع الالتهابات والامراض ليس الجواب الشافي. وعلى سبيل المثال النساء لا يستأصلن نهودهن من أجل منع مرض السرطان كما أن الثقافة الجنسية والنظافة هما الرادعان القويان ضد الأمراض المنقولة جنسياً.
كذلك تشير التقديرات الأممية إلى أن 100 طفل يلاقون حتفهم كل سنة بسبب تعقيدات ناجمة عن الختان.
ويطالب الناشطون بحظر ختان الذكور بالرغم من فوائده الصحية باعتباره انتهاكاً لإنسانية الأطفال.
ويشير هؤلاء إلى أن ختان الإناث له جوانب صحية إيجابية ولكن تم منعه باعتبار أنه «تعدٍ جسدي ونفسي–جنسي على حرية وسيادة الفتيات والنساء وشكل من أشكال التعنيف بحقهن»، بحسب كيانات دولية بارزة، كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف التابعة للامم المتَّحدة وصندوق التنمية البشرية التابع أيضاً للمنظمة الدولية.
Leave a Reply