وضعت القلم جانبا واسندت ظهري الى الحائط ودخلت في مخاض فكري أشد الماً من مخاض الثورات العربية التي تتنامى كل يوم من اجل القضاء على شبح الماضي وفلوله وكل مامن شأنه ان يذكر الشعوب به بعد ولادة جمهوريات وممالك جديدة من الشعوب التي عضها الجوع وويلات المعيشة الضنكة والفقر والذل والتهميش. جمهوريات وممالك جديدة داخل الجمهوريات والممالك نفسها، فلو احصينا اعداد هذه الشعوب المتنامية داخل كل دولة لوجدنا انها تحتل نصيب الاسد من عدد السكان، ومثل هذه الاعداد الهائلة من الشعوب المتواجدة داخل المجتمع الأم تستحق ان نطلق عليها اسم “الجمهورية او المملكة الثالثة”. فإذ أن اغلب المجتمعات العربية تنقسم الى اقسام ثلاثة، طبقة الحكام واغلب هذه الطبقات تستحوذ على خيرات ومقدرات البلد وتكمم افواه الشعوب، ولها الحق ان تسأل وتمنع ان تُسأل. والطبقة الثانية، الطبقة الوسطى، وهي الطبقة التي من المفترض ان تشكل اغلب النسيج الداخلي لاي دولة من الدول كما يفترض انها تشكل حالة من التوازن بيد انها في المجتمعات العربية لاتشكل سوى نسبة خمسة بالمئة، وهي طبقة تسيطر على كل ارزاق ومقدرات البلاد، وتعرف بطبقة الذوات، بيدها يتركز راس المال والثروة وهي اقرب الى طبقة الحكام من الطبقة الثالثة المهمشة، والتي رضيت بالقليل واقتاتت بالفتات، كرها لا طوعا.
وتعرف الطبقة الوسطى بتبذير المال وقلة الاحسان والبعد عن فعل الخير في كثير من الاحيان لكنها تحب الفخفخة والوجاهة والشمرخة وتمتاز هذه الطبقة بقربها من الاعلام والبحث عن الصرعات في عالم هو بالاساس مصاب بالصرع.
استرعى الانتباه صرعة لكنها هذه المرة دنيئة لثري عربي دنيْ سولت له نفسه ان يدخل احد المزادات ليقوم بشراء ما لم يخطر على بالك او بالي لكنه يخطر على بال النفسيات التي وأدت الاخلاق في مرحلة عمرية متقدمة.
هذا الثري لم يدخل المزاد لشراء سيارة مثلا، او لوحة فنية، او شيئا من مخلفات احدى الاسر الحاكمة في العصور الوسطى او حتى جزيرة، او يختا كعادة الاثرياء في العالم العربي. لقد قام هذا الثري العربي بشراء “سروال داخلي صغير” للاعبة التنس الروسية أنّا كورنيكوفا ثمنه في السوق مثلما اعلنت هي بعد سماعها بالخبر المقزز، كما قالت، لا يتجاوز الثلاثة عشر دولارا.
استهجنت كورنيكوفا هذا التصرف كما استهجنه عدد من الاوروبيين ووصفت لاعبة التنس الروسية التي اعتزلت اللعب واقامت في الولايات المتحدة اخيرا من اجل ان تنعم بالراحة، بعد رحلة شاقة مع كرة التنس، صنعت خلالها مجدا واتحفت الملايين بالاداء القوي، هذ التصرف بأنه حقير.
وكانت (كوفا) قد بادرت بطرح ما تملكه من ادوات رياضية وملابس بالمزاد العلني عن طريق احدى الجمعيات من اجل مساعدة المحتاجين، وقد دبت النخوة والرجولة في نفس هذا الثري العربي الذي اقسم بشاربه وحلف بالعزيز المفقود عنده، بان يقوم بمساعدة الغلابا من اطفال اوروبا عن طريق شراء هذا “الكيلوت الرخيص”، حسبما افادت اللاعبة نفسها، التي فوجئت بالخبر واصيبت بالصدمة كما اصيب ايضا عدد من اثرياء العرب الذين قاموا بتوبيخ رفيق دربهم لاقدامه على مثل هذه الفعلة التي حتما ستجر عليهم الثبور لانها ستحرك الاقلام الاعلامية لاستغلال هذه الحادثة كي تذكرهم بعدد الجياع في العالم العربي الذين يعدون بالملايين، في وقت هم لايريدون تذكر ذلك.
ترى كم لدينا من الاثرياء العرب مثل هذا الثري الذين لايضعون عصا الترحال عن كاهلهم وهم يطوفون العالم بحثا عن سروال أو حذاء نسائي يقومون بشرائه بآلاف وملايين الدولارات من اجل ان يعوضوا نقصا كامنا في نفوسهم، يحتار الانسان المدرك في تسميته؟ وكم لدينا من الجياع والمرضى في فلسطين وحدها يحتاجون الى العناية والرعاية لكنهم حتما لايحتاجون نخوة هذا الدنيء واستماتته على سروال كورنيكوفا الذي اشتراه هذا الثري بثلاثين الف دولار فقط.
Leave a Reply