مريم شهاب
بعد ولادة ست بنات، ماتت اثنتان وعاشت أربع –كنت أنا الثانية بينهن– رُزق أبي وأمي بصبي. وعمّ بمجيئه إلى هذه الدنيا فرحٌ عظيم للعائلة وخاصة أمي التي تخلصت أخيراً من عار ولادة البنات فقط. وسماه أبي، إبراهيم.
لكن إبراهيم كان يعاني من مشاكل صحيّة عديدة. وبسبب عدم وجود أطباء ومستشفيات للأطفال في منطقتنا، كان الدعاء والرقوة هي العلاج المتوفر.
أمي وأنا كنا نحمله من بيت لبيت لتقرأ عليه بعض السيدات آيات القرآن ورقيته. لكن كل ذلك لم ينفع شقيقي الذي يعاني من مرض جلدي في الرأس يستدعي غسله عدة مرات يومياً.
كل العناء والسهر كان يهون في حب الصبي الذي «شرّف» أخيراً بعد نصف دزينة بنات!
ببساطة اقترح شيخ القرية أن ينذر أبي خروفاً على نية شفاء ابنه ويذبحه يوم عيد الأضحى.
في مغرب يوم ربيعي ساحر، جاء أبي يجرّ خروفاً صغيراً، قال هذا خروف العيد. فرحنا به جميعاً، خصوصاً أخي الصغير، كان لم يبلغ الثالثة من العمر بعد.
أنا أيضاً فرحت بالخروف كثيراً، وصرت الأخت الكبرى له ولأخي الصغير. اعتقدت أنه سيكون سعيداً يوم العيد.. سنشتري له ثوباً جديداً ونأخذه إلى الساحة ليلعب معنا نحن الأطفال.
مع مرور الأيام والأسابيع، تحسّنت صحة أخي وتحسّنت صحة الخروف الذي كان يعاني بدوره من كوكتيل من المشاكل أيضاً.
كنت أعود من المدرسة ركضاً لأقرأ لهما بعض ما تعلمت. كان الخروف يجلس بصمت مستمتعاً كأنه يفهم ما أقول، كما يفعل أخي. كان يعطس فيرشّنا بالرذاذ على وجهينا. يضحك أخي ويركض وراءه منطنطاً مثل أرنب مضحك.
كان خروفنا يرضع الحليب من قنينة، مثل أخي. أسميناه عنتر، تيمناً بجارنا الحلاق الذي كان اسماً على غير مسمّى.
كان عنتر ذو القرنين المحدبين، يقفز وينط وينطح ويلعب مع أخي الذي تعلّق به وراحت صحته تتحسن كما خفَّ بكاؤه الذي كان لا ينقطع. حتى أمي أحبت الخروف وكانت تسامحه إذا أزعج الدجاجات ودخل بينها، أو إذا دخل البيت وعمل عملة غير لائقة على الأرض.
انتظرنا العيد ثلاثين يوماً وأصبح الخروف عنتر مدللاً من الجميع وصديق أطفال الحارة الذين كانوا يأتون للعب واللهو معه وإطعامه وتغنيجه وتدليله. أما أنا، فلا زلت أعتبر عنتر أجمل ما حدث في طفولتي ولأخي إبراهيم.
كان والدي يضحك ويفرح حين يرى ولده الصغير يطعم الخروف ويحضنه دون خوف أو تردد. كان يقول «الولد يلاعب الخروف كأنه كلب».
انتظرت العيد وما سوف يحمله. أذكر أنني لم أنم في يوم الوقفة.
بعد صلاة العيد، عاد أبي ومعه رجل تفوح من ملابسه رائحة غريبة. كان يحمل كيساً من الخيش تصدر منه قرقعة مع كل خطوة.
فجأة، تغيرت ملامح وجوه الجميع، وغابت فرحة العيد، كان أخي الصغير يجلس مع الخروف الذي بدا حزيناً وكسولاً ولا يأكل ولا يشرب. أوقف أبي الرجل قبل أن يفتح كيسه وهمس له كلاماً لم أعرف ما هو. حمل الرجل الكيس من على الأرض وانصرف. ثم أشرقت الشمس. كان أبي واقفاً وفي وجهه نظرة حائرة وابتسامة غامضة بينما راح الخروف يتحرك وينط نطاته العجيبة. حينها قال أبي: الحقيقة هذا الخروف هو ابن ستين كلب!
ختاماً، وبالرغم من كل السواد في أيامنا هذه، أتمنى لك عزيزي القارى، عيد أضحى مبارك. وكل عام وأنتم بخير.
Leave a Reply