عماد مرمل
بعد خطاب الرئيس سعد الحريري فـي الذكرى العاشرة لاغتيال والده، وخطاب الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله فـي ذكرى القادة الشهداء للمقاومة، ظهر كم ان الانقسام الداخلي حول الخيارات الكبرى هو حاد وعميق، وكأن فـي لبنان دولتين وشعبين، لا دولة واحدة وشعب واحد.
بالنسبة الى الرئيس الحريري، «المطلوب النأي بالنفس عن الحرائق الاقليمية، وعدم التورط فـي شؤون المنطقة، وانسحاب «حزب الله» من سوريا وفك ارتباطه بالمحور الايراني الذي يملك طموحات فارسية والنظام السوري الذي سيسقط عاجلا أم آجلا، والكف عن التفرد فـي اتخاذ قرارات الحرب والسلم، والركون الى الدولة للدفاع عن لبنان فـي مواجهة أي خطر.».
أما بالنسبة الى السيد نصرالله، فوجهة السير معاكسة «الاصرار على إسقاط النظام السوري هو نوع من المكابرة لان اللعبة انتهت، والمطلوب من «تيار المستقبل» ان يرافق «حزب الله» الى سوريا والعراق لمواجهة الارهاب العابر للحدود، وعلينا ان نكون شركاء فـي صنع مصير المنطقة، وليس على هامش أحداثها، لان ما يجري فـيها حاليا سيرسم مستقبل دولها ومن بينها لبنان، اما مقولة النأي بالنفس فهي جنون فـي هذه الظروف لانه وكما العاصفة المناخية لا تعترف بحدود، فان عاصفة الارهاب لا تعترف ايضا بهذه الحدود وإذا لم نكن مبادرين وحاضرين لنحمي أنفسنا فان الخطر سيداهمنا، ثم ان الحزب ليس من يتفرد فـي قرارات الحرب والسلم لان العدو سواء كان اسرائيليا او تكفـيرياً هو الذي يعتدي وبالتالي يفرض علينا المواجهة»
هما منطقان متعارضان فـي الصميم، يتخذان على ارض الواقع شكل الاصطفاف الحاد والصارخ، ليس فقط على المستوى الداخلي وإنما أيضا على مستوى الصراع السعودي – الايراني الممتد من لبنان وسوريا الى اليمن مرورا بالعراق والبحرين.
من هنا، فإن أقصى ما يمكن توقعه من الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» ليس حل الخلافات وإنما تنظيم سيرها والتقليل من حوادث الاصطدام بينها، وهذا ما يفسر حرص الطرفـين على تخفـيض سقف التوقعات، وحصرها فـي إطار تخفـيف التوتر المذهبي.
وإذا كان «حزب الله» المتمسك بمواصلة الحوار قد تجنب الرد القاسي على الحريري مكتفـيا ببعض التعليقات الموضعية التي تضمنها خطاب نصرالله فـي ذكرى القادة الشهداء، فان معارضين للحريري داخل فريق 8آذار يشيرون الى ان كلمته توحي بأنه لا يواكب التطورات من حوله، وانه لا يزال يتعامل مع الازمة السورية وفق إحداثيات قديمة، متجاهلا ان النظام أصبح أقوى من السابق وان تغييره أصبح أصعب من السابق، ما يعني ان استمرار رهانه على سقوط الرئيس بشار الاسد هو عبث سياسي، والاخطر ان يبني حساباته على هذا الرهان.
ومن الملاحظات، التي توقف عندها خصوم الحريري، هو ان خطابه لم يتطرق الى الغارة الاسرائيلية على القنيطرة والتي سقط فـيها شهداء لبنانيون، بينما كان يستحق الارهاب الاسرائيلي التوقف عنده قليلا، واستنكار ما يرتكبه من جرائم، اقله بالقدر الذي ندد فـيه الحريري بسلوك النظام السوري.
والمفارقة الاخرى فـي خطاب الحريري، اتهامه لـ«حزب الله» بجر لبنان الى محور إقليمي لا مصلحة فـي الانضمام اليه، مؤكدا ان اللبنانيين يرفضون ان يكونوا جزءا من أي محور، فـي حين ان رئيس «تيار المستقبل» يشكل جزءا عضويا من المحور السعودي وخياراته فـي المنطقة.
وعلى المنوال ذاته، انتقد الحريري المتحمس لخيار الحياد تدخل الحزب فـي شؤون سوريا واليمن والبحرين والعراق، بينما بدا هو بدوره منغمسا فـي أوضاع تلك الدول كما ظهر من خلال مواقفه حيال الاحداث فـي البحرين واليمن والعراق وسوريا، حيث وجه انتقادات حادة الى اطراف اساسية فـي تلك الدول، يجمعها التعارض مع سياسات الرياض .
ويذهب بعض معارضي الحريري الى حد القول بأن الخطاب الذي القاه فـي ذكرى استشهاد والده، هو خطاب «البيعة» للملك السعودي الجديد سلمان، لاسيما انه كان لافتا للانتباه ان الحريري استهل كلامه بتأكيد الوفاء للملك وولي العهد وولي ولي العهد، ما يدفع الى طرح التساؤل الآتي «لماذا يحق لـ«تيار المستقبل» ان يعلن عن ولائه التام لـ«ولاية الملك» بينما يصبح ارتباط «حزب الله» بـ«ولاية الفقية» موضع اتهام، وأحيانا موضع تخوين.
ويعتبر خصوم الحريري ان هناك فارقا محوريا بين تحالفات الجانبين الخارجية، وهو ان الاول شريك لايران سوريا فـي حين ان الثاني يبدو «متلقيا» فـي علاقته مع الرياض.
ومن المآخذ الاخرى على الحريري، لدى معارضي خياراته، انه يتهم الحزب بمصادرة حقوق الدولة وينوب عنها فـي رسم الخيارات، فـيما كان مُلاحظا ان رئيس «المستقبل» تكلم بصيغة «الجمع» مختزلا الدولة والشعب اللبناني فـي المواقف التي أطلقها.
وبناء على كل ما سبق، يبدو واضحا بالنسبة الى صقور 8 آذار ان الحريري اراد من خلال خطابه طمأنة حلفائه فـي 14 آذار الى انه لا يزال فـي صلب هذا التحالف برغم الحوار مع «حزب الله»، وأراد ايضا المزايدة على المتطرفـين داخل تياره وبيئته وإعادة تعبئة جمهوره بعد غيابه الطويل عنه.
لكن الغريب، وفق هؤلاء الصقور ان الحريري دعا فـي الوقت ذاته كوادر تياره خلال اجتماعه معهم بعد احتفال البيال الى التطرف للاعتدال مشددا على اهمية متابعة الحوار، فكيف يستقيم هذا الطرح مع النبرة العالية التي استخدمها فـي خطابه، وهي نبرة كان من شأنها ان تساهم فـي زيادة الاحتقان المذهبي لو لم يبادر نصرالله الى احتواء التصعيد ضمن خطابه فـي اليوم التالي.
فـي المقابل، يعتبر المقربون من الحريري ان خطابه يخدم الحوار ولا يؤذيه، لان من أهم شروط نجاح اي حوار الصدق والصراحة والوضوح والجرأة، وعلى هذا الاساس خاطب الحريري «حزب الله»، إذ هذه هي الطريق الوحيدة التى توصل الى نتيجة، بينما استخدام «القفازات» لا يعني سوى القفز فوق الحقائق، ولبنان لم يعد يحتمل ذلك.
Leave a Reply