ديترويت – تصر السلطات الفدرالية على رفض الكشف عن أسباب مراقبة رجل عربي من سكان ديربورن، بموجب قانون التجسس على الأجانب، في حين أن التهم التي وجهت له اقتصرت على الاحتيال المالي على نظام المساعدات الغذائية الحكومي (فوود ستامب).
وتكشف سجلات المحكمة الفدرالية بديترويت عن وقائع مثيرة في قضية ناصيف سامي ضاهر (28 عاماً)، الذي وضع تحت مراقبة «قسم مكافحة الإرهاب» في «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي) رغم أن قضيته لم تكن لها علاقة بالإرهاب، مما أثار مخاوف الحقوقيين من استهداف الشاب اللبناني الأصل بسبب خلفيته.
ويدعو محامو ضاهر وزارة العدل الأميركية للكشف عن الأسباب الحقيقية لمراقبة موكلهم، مطالبين بإهمال جميع الأدلة التي جُمعت ضده خلال مراقبته باعتبارها غير قانونية، مستنكرين حصول العملاء الفدراليين على إذن قضائي من «محكمة الاستخبارات لمراقبة الأجانب» للتجسس على ضاهر، في عملية أفضت في نهاية المطاف إلى اتهامه بجرائم لا تمت بصلة إلى الإرهاب أو الجرائم الدولية.
وكتب محاميه، أمير مقلد، في مرافعة الدفاع: سامي «نيرد» (درّيس)، وصاحب «أنا» كبيرة ومخيلة واسعة، ولكنه ليس إرهابياً ولا يشكل تهديداً للأمن القومي… لم يقتل أحداً، ولم ينم في شقق فاخرة مع نجمات هوليوود أو مع عدد لا يحصى من النساء، كما أنه لم ينضم إطلاقاً للجريمة المنظمة أو لجماعات إرهابية،
وأشار إلى أن المحققين قاموا بالتنصت على مكالمات موكله الهاتفية وتتبعوا تحركاته.
من جانبه رفض ممثلو الادعاء العام الفدرالي مطالب محاميي ضاهر، مؤكدين اعتزامهم على استخدام الأدلة التي جمعت ضده.
ومعظم المعلومات التي تم جمعها خلال مراقبة ضاهر أثناء فترة عمله في محطة وقود بشرقي ديترويت، تم تبويبها وتقديمها للمحكمة الفدرالية بديترويت، مرفقة بوثائق تحدد هدف التحقيق وسبب احتمال أن يكون عميلاً لجهة أجنبية.
وبموجب «قانون المراقبة الاستخباراتية للأجانب» (فيسا)، على السلطات الأمنية الحصول على إذن قاضٍ من محكمة الاستخبارات للتجسس إلكترونياً على المشتبه به أو تفتيش ممتلكاته، بناء على معلومات موثوقة بشأن هجوم إرهابي فعلي أو محتمل، أو أعمال تخريب، أو نشر أسلحة الدمار الشامل، في حين اقتصر اتهام ضاهر على الاحتيال على قسائم «فوود ستامب».
وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لـ«مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير)–فرع ديترويت، داوود وليد: «لم أسمع قطّ عن تحقيق حول أحد سكان منطقة ديترويت بموجب قانون فيسا»، مضيفاً: «هذه القضية تثير تساؤلات حول الأسباب التي أثارت اهتمام الحكومة بهذا الشخص (ضاهر)».
وأكد: «يجب على الحكومة أن توضح سبب حصول العملاء الفدراليين على الإذن القضائي بالمراقبة، طالما أنهم لم يعثروا على أية أنشطة إجرامية تتعلق بأي نوع من الإرهاب أو الجرائم المرتبطة بحكومة أجنبية». وأضاف وليد: «هذا النوع من القضايا، يعكس مخاوف القاضي الفدرالي الراحل دايمون كيث الذي قال: إن الديمقراطية تموت وراء الأبواب المغلقة».
ووفقاً للمكتب الإداري للمحاكم الفدرالية، فإن القضاة الفدراليين تلقوا –العام الماضي– 1,318 طلباً لإجراء عمليات مراقبة، بموجب قانون «فيسا» الصادر منذ 41 عاماً، وأنه تم رفض 72 طلباً منها، بشكل جزئي أو كلي.
وفي 4 حزيران (يونيو) الماضي، حث وزير العدل الأميركي وليام بار، القاضية بمحكمة ديترويت الفدرالية، نانسي أدموندز، على عدم الاستجابة إلى طلب الدفاع بالكشف عن كامل وثائق القضية، التي وصفها بـ«شديدة السرية» لأنها «تحدد مصادر وأساليب الاستخبارات في قضية ضاهر»، مشيراً إلى أن الكشف عنها «يمكن أن يتسبب بشكل كبير بأضرار جسيمة للأمن القومي للولايات المتحدة».
وأعرب مقلد عن اعتقاده بأن المحققين استهدفوا موكله بعد قيامه بزيارة أقاربه في لبنان، مشيراً إلى أن عملاء فدراليين استجوبوه بعد عودته إلى الولايات المتحدة، وقال: «لقد أرادوا معرفة ما إذا كان منتسباً لحزب الله أو لديه معلومات» حول الحزب المصنف كجماعة إرهابية في الولايات المتحدة.
وكانت قضية ضاهر قد ظهرت إلى العلن في آب (أغسطس) الماضي، عندما وُجهت إليه أربع تهم تتعلق بالاحتيال المالي، تصل عقوبتها إلى السجن لمدة ٢٠ سنة في السجون الفدرالية.
وكان ضاهر يعمل في محطة للوقود بشرقي ديترويت، مع زميل له يدعى كامل محمد رمال. وأشار ممثلو الادعاء الفدرالي إلى أن الاثنين نفذا مخططاً احتيالياً من خلال دفع 50 سنتاً نقداً لحاملي قسائم «الفوود ستامب» مقابل كل دولار يصرفونه على بطاقاتهم، وبعدها كان يحصل رمال وضاهر على المبالغ كاملة، من برنامج «المساعدة الغذائية التكميلية» التابع لوزارة الزراعة الأميركية، والمعروف اختصاراً بـ«سناب».
ووفقاً للائحة الاتهامات، فقد كان المستفيدون من برنامج «سناب» على استعداد لقبول أموال نقدية (كاش) أقل من أرصدتهم المخصصة لشراء الغذاء، مما يمكنهم من شراء أغراض غير مشمولة في البرنامج الفدرالي بدلاً من الالتزام بشراء مواد غذائية محددة.
وقال الادعاء العام إن إجمالي عمليات الاحتيال المالي بلغ حوالي 353 ألف دولار خلال فترة عامين قبل 2017.
وفي الخريف الماضي، بعد ثلاثة شهور من صدور لائحة الاتهامات، كشفت وثائق الادعاء العام أنه تم جمع الأدلة ضد ضاهر من خلال مراقبته إلكترونياً بإذن محكمة «فَيسا»، فيما لم يتم الكشف عن تفاصيل أو مبررات المراقبة التي ظلت سرية.
وفي كانون الأول (ديسمبر)، أقر رمال بأنه مذنب بتهمة احتيال واحدة، وحكم عليه بالسجن الفدرالي لمدة 366 يوماً.
وكان من المقرر أن يمثل ضاهر أمام المحكمة الفدرالية في 24 أيلول (سبتمبر)، وهو اليوم طليق بموجب كفالة بقيمة 10 آلاف دولار، وفقاً لصحيفة «ديترويت نيوز».
وأشار محاميه إلى أن موكله يحمل الجنسية اللبنانية إلى جانب الجنسية الأميركية، وأنه «اُستهدف بشكل خاطئ بسبب أصوله الإثنية، ولأنه قام بزيارة أقاربه في لبنان». وكتب في مرافعته: «إنه (سلوك) عنصري..الاستنتاج بأن ضاهر إرهابي لأنه زار عائلة في لبنان.. لقد تم استخدام قانون «فيسا» لجمع أدلة ضده في تحقيق جنائي محلي، ثم الادعاء عليه بتهم خارج نطاق التعريف القانوني للمعلومات الاستخباراتية الأجنبية».
وقال مقلد: «فيسا.. هو أداة استثنائية لدى الحكومة، واستخدامه في قضية جنائية، منخفضة المستوى، مثل الاحتيال على الفود ستامب، هو أمر مثير للسخرية».
Leave a Reply