واشنطن – وقف الرئيس الأميركي متحدياً أمام الكونغرس، مساء الثلاثاء الماضي، ملوحاً باستخدام صلاحياته الرئاسية للإمساك بزمام أمور ولايته الثانية، حيث تعهد في خطابه عن «حال الإتحاد» بتجاوز الكونغرس في عدد من النقاط الخلافية الداخلية والخارجية، والتي تعد من بين أبرزها مسألة المفاوضات مع إيران، إذ مانع الرئيس الأميركي فرض الكونغرس لعقوبات جديدة بالتزامن مع سير المفاوضات. وقال أوباما «فليكن ذلك واضحاً، في حال أرسل لي الكونغرس الآن قانون عقوبات جديداً من شأنه أن يهدد بإفشال هذه المفاوضات فسوف استعمل حقي في النقض ضده».
![]() |
أوباما ويبدو خلفه نائبه جو بايدن ورئيس مجلس النواب جون باينر خلال خطاب حال الإتحاد. |
وقال أوباما «إنها الديبلوماسية الأميركية، مسنودة بالضغط، التي أوقفت تقدم برنامج إيران النووي وعكست أقساماً من ذلك البرنامج للمرة الأولى أيضا في عقد من الزمان»، مضيفاً أنّ «إيران بدأت التخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب على مستويات أعلى. هي لا تثبت أجهزة الطرد المركزي. وتساعد عمليات تفتيش لا سابق لها على التحقق كل يوم من أن إيران لا تصنع قنبلة. ومع حلفائنا وشركائنا، نحن منهمكون في المفاوضات لنرى ما إذا كان في وسعنا أن ننجز هدفاً مشتركاً لنا جميعاً: منع إيران من الحصول على سلاح نووي».
وتابع قائلاً إنّ «هذه المفاوضات ستكون صعبة؛ يمكن لها ألا تنجح. ونحن ننظر بشكل واضح إلى دعم إيران لمنظمات… مثل «حزب الله» التي تهدد حلفاءنا؛ ولا يمكننا أن نتجاهل انعدام الثقة بين بلدينا… ولكن هذه المفاوضات لا تعتمد على الثقة؛ إن أية صفقة طويلة الأمد نوافق عليها يجب أن تقوم على قاعدة التحقق الذي يقنعنا والمجتمع الدولي بأن إيران لا تصنع قنبلة نووية».
واستطرد قائلا إنّ «العقوبات التي وضعناها ساعدت على جعل هذه الفرصة ممكنة. ولكن دعوني أوضح: إذا أرسل لي الكونغرس قانون عقوبات جديداً الآن يهدد بإخراج هذه المحادثات عن الخط فسأستخدم حق النقض ضده. من اجل أمننا القومي، علينا أن نعطي الديبلوماسية فرصة للنجاح».
وختم قائلا «إذا لم يغتنم القادة الإيرانيون هذه الفرصة، فسأكون عندئذ أول من يدعو إلى مزيد من العقوبات وسأقف مستعداً لاستخدام جميع الخيارات للتأكد من أنّ إيران لا تصنع سلاحاً نووياً. ولكن إذا قام قادة إيران فعلا باغتنام الفرصة، وسنعرف هذا قريبا جداً، عندئذ يمكن لإيران أن تتخذ خطوة مهمة لإعادة الانضمام إلى مجتمع الأمم، ونكون عندئذ قد تمكنا من حل احد التحديات الرئيسية في زماننا بلا مخاطر الحرب».
يذكر أن إيران والقوى الكبرى ضمن مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين إلى جانب المانيا) وقّعت في 24 تشرين الثاني 2013 في جنيف اتفاقاً مرحلياً دخل حيز التنفيذ في 20 كانون الثاني (يناير) لفترة ستة أشهر. وستستأنف المفاوضات في منتصف شهر شباط (فبراير) القادم في نيويورك.
ملفات خارجية
أما في الشأن السوري، فأعلن أوباما أنّ «الديبلوماسية الأميركية، مدعومة بالتهديد بالقوة، هي السبب لما يجري في شأن التخلص من الأسلحة الكيميائية الخاصة بسوريا. وسنواصل العمل مع المجتمع الدولي لنتوصل إلى المستقبل الذي يستحقه الشعب السوري، مستقبلا خالياً من الديكتاتورية ومن الإرهاب ومن الخوف». وتابع أنه «في سوريا، سندعم المعارضة التي تنبذ برنامج الشبكات الإرهابية».
وعن أوكرانيا، قال الرئيس الأميركي باراك إن الشعب الأوكراني يجب أن يكون قادرا على تقرير مستقبله.
وأوضح: «في أوكرانيا، ندافع عن مبدأ أن يكون للشعب الحق في التعبير بكل حرية وسلميا وأن تكون له كلمة بالنسبة لمستقبل البلاد».
وأشار إلى أن حكومة أفغانستان إذا وقعت اتفاقا أمنيا معنا فستبقى قوة صغيرة من الأميركيين في أفغانستان مع قوات حلف الأطلسي لأغراض التدريب ومساعدة القوات الأفغانية. وأبلغ أوباما الأميركيين أن عام 2014 ينبغي أن يكون العام الذي يغلق فيه أخيرا السجن الأميركي في خليج غوانتانامو مع إنهاء الولايات المتحدة دورها العسكري في أفغانستان.
وبشأن «عملية السلام في الشرق الأوسط»، قال أوباما إنّ «الديبلوماسية الأميركية تدعم الإسرائيليين والفلسطينيين في الوقت الذي يطلقون فيه محادثات صعبة ولكنها ضرورية لإنهاء النزاع هناك؛ لإنجاز الكرامة ودولة مستقلة للفلسطينيين وسلام دائم وأمن لدولة إسرائيل، دولة يهودية تعرف أن أميركا ستكون دوماً إلى جانبها».
أما في ما يخص «مكافحة الإرهاب»، فقال الرئيس الأميركي إنّ «الحقيقة هي أنّ الخطر مستمر. وضعنا «القاعدة» على طريق الهزيمة ولكن التهديد تطور مع انتشار مجموعات مرتبطة بـ«القاعدة» ومتطرفين آخرين في مختلف أنحاء العالم»، مضيفاً أنه «في اليمن والصومال والعراق، علينا مواصلة العمل مع شركائنا لإضعاف هذه الشبكات وشل حركتها». وتابع أنه «هنا محلياً، سنواصل تقوية دفاعاتنا ومقارعة تهديدات جديدة مثل الهجمات الإلكترونية».
وبشأن معتقل غوانتانامو، أعلن أنه «بانتهاء حرب أفغانستان، يجب أن تكون هذه السنة تلك التي يرفع فيها الكونغرس القيود المتبقية على نقل المعتقلين والتي نغلق فيها سجن خليج غوانتانامو».
ملفات داخلية
وتناول أوباما في خطابه العديد من الملفات الداخلية، منها الرعاية الصحية، وتحسين ظروف العمل ورفع الحد الأدنى للأجور وإصلاح نظام الهجرة، وفي أغلب تلك الملفات شدد أوباما على ضرورة تعاون الكونغرس من أجل النهوض بالاقتصاد وحلّ جزء كبير من المشاكل. اقتصادياً، توقّع أوباما أن يكون عام 2014 عام «الاختراق الاقتصادي» في الولايات المتحدة، محذّراً الكونغرس من أنه يمكن أن يتجاوزه إذا احتاج الأمر للعمل على خفض الفوارق الاجتماعية.
وبشأن برامج التجسس لفت إلى أنه «بالتعاون مع الكونغرس، سأصلح برامج المراقبة لأن العمل الحيوي لمجتمعنا الاستخباري يعتمد على الثقة العامة، هنا وفي الخارج، بأن خصوصية الناس العاديين لا تنتهك».
وفي الواقع، استغرق أوباما معظم وقت خطابه في الحديث عن المواضيع المحلية. فوعد بإصلاح نظام الهجرة وبإصدار أمر تنفيذي برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام إلى 10,10 دولارات في الساعة كما وعد بتسريع النمو وتقوية الطبقة الوسطى وإيجاد فرص جديدة لها.
وأوضح أوباما أنه سيستمر في العمل من أجل الحد من العنف في الولايات المتحدة رغم قلة الدعم في الكونغرس لإجراءات للسيطرة على الأسلحة، التي فشل في إقرارها العام الماضي.
ودعا أوباما إلى زيادة مجزية على الحد الأدنى للأجور المتوقف منذ العام 2009 على 7,25 دولار للساعة بالرغم من المعارضة الشرسة التي يبديها الجمهوريون في الكونغرس.
وقال: «أعطوا زيادة لأميركا» معلنا أنه سيصدر «خلال الأسابيع المقبلة» مرسوما يرفع فيه بمعدل حوالى 40 بالمئة الحد الأدنى للأجور في المؤسسات المتعاقدة مع الدولة.
وأشار أوباما إلى أن عام 2014 قد يكون عام «الخرق» بالنسبة لبلاده بعد أعوام من التعافي إثر الأزمة الاقتصادية.
وبعد أن تطرق إلى «معدل البطالة الأقل انخفاضا منذ 5 سنوات»، قال أوباما إن «سوق العقار على طريق النهوض» معتبرا أن «الولايات المتحدة أصبحت بشكل جيد في القرن الواحد والعشرين مثل أي بلد على الأرض».
كما كشف الرئيس عن عناوين استراتيجيته لخلق الوظائف في أميركا، والتي قام بشرحها للأميركيين في جولة شملت أربع ولايات منها ماريلاند وبنسلفانيا في النصف الثاني من الأسبوع.
ردود أفعال
افتتاحية «نيويورك تايمز» أشارت إلى تميّز هذا الخطاب عن الخطابات السابقة بتحوّل أوباما إلى موقع «الهجوم» بعد سنوات أمضاها يناشد الكونغرس التعاون معه ولا يلقى منه سوى التجاهل، ما خلّف -حسب الـ«تايمز»- تراكماً في الأزمات العالقة وضرباً للاقتصاد سيسعى البيت الأبيض إلى حلّها من خلال اتخاذ خطوات صغيرة لا تتطلب موافقة النواب. في المقابل، أثنت افتتاحية «واشنطن بوست» على تشديد أوباما على «العمل معاً»، أي مع الكونغرس من أجل المضي قدماً في أكثر من ملف.
من جهة أخرى، لفت بعض المعلّقين الصحافيين إلى غياب أي ذكر لمصر وللسعودية في شقّ السياسة الخارجية من الخطاب، والتركيز على إيران كالملف الأبرز على رأس أولويات إدارة أوباما.
ومن جانبه، وجّه الحزب الجمهوري انتقادات كثيرة للرئيس. وقالت كاثي ماكموريس، عضوة مجلس النواب عن ولاية واشنطن، إن أوباما «مطالَب بالاستماع للأميركيين لمعرفة مشاكلهم الحقيقية». وأضافت ماكموريس أن الحزب الجمهوري «يملك خططاً تعتمد على التقليل من الإنفاق، بديلة لتلك التي اقترحها أوباما في خطابه حول عدد من القضايا».
وعن قانون الهجرة الذي رافع أوباما لإصلاحه، قالت ماكموريس إن ما ينبغي للإدارة فعله هو «تأمين الحدود الأميركية أولاً، قبل الحديث عن إصلاح قانون الهجرة»، مضيفة أن الحزب الجمهوري «يحرص على جلب عمّال جيدين إلى الولايات المتحدة». وانتقدت ماكموريس قانون الرعاية الصحية قائلة إن هذا النظام «لا يعمل بالطريقة الملائمة» وقالت «نحن نعمل على أن نساعد الناس وليس لجعل حياتهم أصعب». وأضافت «الجمهوريون لديهم خطط لسد الفجوة (بين الأغنياء والفقراء)، خطط ستركز على الوظائف أولا من دون إنفاق المزيد أو خطط إنقاذ حكومية».
وكان أوباما تعهد بمعالجة الهوة بين الأغنياء والفقراء، وقال إنه سيفعل ما بوسعه حتى دون مساعدة من الكونغرس المنقسم على نفسه، الذي لم يظهر استعدادا يذكر لإنفاق أموال على برامج جديدة.
وألقى أوباما خطابه الخامس عن «حال الاتحاد»، في مبنى الكابيتول بواشنطن، تزامناً مع بدء العام الثاني من ولايته الثانية. وعادة ما يعتبر خطاب «حال الاتحاد» الرئاسي في قاعة الكونغرس حدثاً وطنياً يحضره أيضاً أعضاء الحكومة، ما عدا أحدهم تحسباً للطوارئ، وهيئة الأركان المشتركة ورئيس وأعضاء المحكمة العليا والسلك الديبلوماسي، بالإضافة إلى السيدة الأولى ميشال أوباما.
ويرى مراقبون أنه من أكبر التحديات التي تواجه أوباما هو تغيير مزاج الغالبية من الاميركيين ضده في الأشهر المقبلة، معتبرين أن نظرة الناخبين إلى ادارة اوباما لسياسة الولايات المتحدة ستكون الخلفية التي تجري عليها انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر)، التي من الجائز أن تُفقد الديمقراطيين اغلبيتهم في مجلس الشيوخ وبذلك وضع اوباما في مواجهة كونغرس يسيطر الجمهوريون على مجلسيه لما تبقى من ولايته.
ورغم أن «الانتخابات النصفية» لا تشمل الرئاسة، فإنها تعتبر تقليدياً استفتاء على اداء الرئيس، وتكون -في الغالب- لغير صالح حزبه. ومن هنا خوف الديمقراطيين، رغم أن الاستطلاعات تبين أن شعبية الجمهوريين ليست أفضل من شعبية أوباما أو حزبه.
Leave a Reply