نبيل هيثم
ما بين «الإطلالتين».. تغيّرت جغرافـيا القلمون والسلسلة الشرقية! فـي إطلالته القلمونية الأولى، الثلاثاء الخامس من أيار الجاري، كرس الأمين العام
لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ساعة الصفر لمعركة «ما بعد ذوبان الثلج»، ووضع الخطوط العريضة للعملية العسكرية. لم يكبر حجم الآمال والتوقعات، وإنما أبقى كل التفاصيل الميدانية سرّية، سواء حول هدف العملية أو عن حجم القوات المشاركة فـيها، وكذلك حول مداها الجغرافـي ومداها الزمني.
فـي تلك الإطلالة، انبرى «السيد» ليكسر «الحرب النفسية»، التي شنها المثلث السعودي ـ التركي ـ القطري ومن خلفه الأميركي حيث قال إن «كل شيء انتهى بعد سقوط إدلب وجسر الشغور».
وأما فـي إطلالته، مساء السبت ١٦/٥، تشير التكهنات إلى أن السيد سيعلن الانتصار، ويتحدث عن معانيه الاستراتيجية، وعن بعض التفاصيل الميدانية. سيشرح جزءا من سير العملية، وسيؤكد مرة أخرى أن لدى المقاومة، وكذلك الجيش السوري، القدرة على تحقيق ما تحدد من أهداف. فكما حصلت عملية إبعاد الخطر من الجنوب فـي منطقة القنيطرة، يتم إبعاد الخطر والقضاء على الإرهابيين فـي السلسلة الشرقية. كما سيؤكد الاستمرار فـي هذه المعركة حتى دحر الإرهابيين، وأن الحلفاء فـي محور المقاومة هم قلب واحد، ويد واحدة.
ميدانيا، هي معركة «نظيفة» بالمعنى العسكري، وتمت فـي مدى زمني أقصر مما كان محددا لها، برغم أنها مساحة شاسعة وواسعة تقع على الحدود مع القرى اللبنانية ويمر بها الطريق الدوليّ الذي يربط دمشق بحمص. وتمتد من ريف حمص شمالا حتى أطراف غوطة دمشق الغربيّة جنوبا، بالإضافة إلى أنّها طريق إمداد أساسي للمسلحين بين لبنان والداخل السوريّ.
وأما الخسائر فـي صفوف مقاتلي «حزب الله»، فكانت، كما تؤكد مصادر معنية، أقل مما كان الحزب مستعدا لأن يقدمه خلالها، والحصيلة كانت عشرة شهداء، فـي وقت انهارت بشكل مريع وسريع كل المجموعات الإرهابية والتي تشكل «جبهة النصرة» الأساس فـيها مع بعض ما أسمي بـ «جيش الفتح» وبقايا «الجيش الحر» و «الفصائل القلمونية».
الميدان صار حاليا مركزاً على ملاحقة تلك المجموعات فـي أماكن تبعثرهم والاستمرار فـي دفعهم بعيدا عن المنطقة، بالتوازي مع الانتقال فعليا إلى تثبيت ما تمت السيطرة عليه (عسال الورد، راس المعرة… وغيرها من التلال والمواقع)، إذ تمكن مقاتلو الحزب والجيش السوري من السيطرة على نصف منطقة القلمون تقريبا.
والأهم فـي المساحة المسيطر عليها أنها تضم ما تسمى «التلال الحاكمة»، لا سيما طلعة موسى التي يبلغ ارتفاعها 2580 مترا، وجبل الباروح الذي يبلغ ارتفاعه 2460 مترا.
اكتسى الانتصار أهمية كبرى، ولعل إسرائيل كانت أول من قرأ تلك الأهمية وأكثر من يدرك معناها، فقد التقط رصد المقاومة إشارات بالغة الدلالة حول المواكبة الإسرائيلية لهذه المعركة، تفـيد بأن هناك من يعتقد فـي إسرائيل، أن هذه العملية الضخمة البالغة التنسيق بين قطاعات عسكرية متعددة وأسلحة مختلفة، وتتضمن قطع الطرقات، وبناء الأشراك، والتسلل، والدمج بين نمطَي قتال حرب العصابات والقتال التقليدي، على مساحة جغرافـية كبيرة، وفـي منطقة شديدة الوعورة والتحصين، هي بمثابة تمرين استراتيجي على معركة محتملة فـي الجليل». بمعنى آخر، أن الراية التي غرزتها المقاومة فـي طلعة موسى شوهدت بالمناظير المقربة فـي تل أبيب.
وأما فـي الجانب الداخلي، فإن أهمية هذا الإنجاز الميداني الذي تحقق فـي بضعة أيام تكمن فـي ما يلي:
– حماية القرى اللبنانية المقابلة لمسرح العمليات العسكرية القلمونية، وإبعاد خطر المجموعات الإرهابية عنها.
– إبعاد خطر الصواريخ عن القرى اللبنانية لا سيما فـي البقاع.
– إراحة القوى العسكرية اللبنانية، وجعلها أكثر قدرة على التحرّك على الحدود وفـي أماكن تواجدها على الحدود اللبنانية السورية.
– السيطرة بالنار على كل جرود عرسال، ما يجعل التسلل منها وإليها صعبا جدا. إذ لم تعد هناك بقعة أو ممر آمن من جرود عرسال إلى الداخل السوري. وبالتالي تمّ فصل جرود عرسال عن منطقة الزبداني وسرغايا ومضايا السورية.
– محاصرة الزبداني، وعزلها كليا عن القلمون. واما حسم وضع الزبداني، فقد يكون فـي مرحلة لاحقة وربما فـي وقت غير بعيد.
– ألغى أية مخاطر محتملة على خط بيروت دمشق الاستراتيجي.
– أمن حماية من الخلف للعاصمة السورية دمشق.
إضافة الى ذلك، فإن «حزب الله» يعتبر «أن أهمية ما تحقق فـي القلمون، توازي، بل ربما تفوق أهمية ما تحقق فـي القصير. فقد كان حسم معركة القصير منعطفا حاسما فـي مسار المعركة، وها هي القلمون تستكمل الإنجاز الأول. والأهمية الكبرى لاستكمال إنجاز القصير أنه جاء بعد الحرب السعودية على اليمن، وكذلك بعد خلق المثلث التركي القطري السعودي ضد سوريا، والذي تمثلت مفرداته فـي إدلب وجسر الشغور، مقرونا بحرب نفسية ومحاولة نسف المعنويات لدى محور المقاومة.
هناك من يؤكد أن حسم معركة القلمون انتهت، مبدئياً، فـي سياق عنوانَي التحسين والتحصين. أما النتائج فستكون ترجمتها وارتداداتها على مسار التوازنات الميدانية فـي سوريا، ولعل الأيام المقبلة قد تظهر عملياً تلك النتائج.
عن «السفير» اللبنانية
Leave a Reply