بعد أن كان التوتر الخليجي-الإيراني في الأعوام الماضية يقتصر على بعض التقارير الصحفية والتصريحات المبطنة الصادرة عن مسؤولي البلدان المعنية، بدأ هذا التوتر يتخذ منحى تصاعدياً وصريحاً منذ آواخر العام الماضي.
وكان لوثائق “ويكيليكس” التي كشفت الدعوات المباشرة من زعماء الدول الخليجية للولايات المتحدة باستهداف إيران إضافة الى التنسيق (المباشر وغير المباشر) مع إسرائيل في هذا المضمار، السبب الأول في التحول السلبي في مسار العلاقة العلنية بين الضفتين. ولكن “حرب الاستفزاز” التي شنتها دول الخليج على الشعب البحريني الأعزل لقمع انتفاضته السلمية كانت البداية الفعلية لتشنج كبير في المنطقة ذي أبعاد مذهبية.
ورغم الجهود الإيرانية في محاولة ضبط النفس واحتواء الأزمة يسعى الطرف الآخر الى تأجيجها باعتماد خطاب طائفي صريح تجلى بتصريح وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن احمد آل خليفة بأن دول مجلس التعاون الخليجي طلبت “الغاء” القمة العربية المقرر عقدها في بغداد في مطلع ايار (مايو) المقبل، والسبب دعم العراق للشيعة في البحرين!
وكان عدد من قادة الدول الخليجية وجهوا انتقادات قوية لايران واتهموها بالتدخل في شؤونها الداخلية، خصوصاً بالتدخل في شؤون البحرين.
واتهمت دول مجلس التعاون الخليجي في الثالث من الشهر الحالي ايران بالتآمر على امنها وبث الفتنة معربة عن القلق من “التدخل الايراني السافر” في شؤون المنطقة.
وكانت الدول الخليجية، ومعها مصر-مبارك والأردن، قد شنت عبر دبلوماسيتها وأجهزتها الإعلامية منذ غزو العراق عام ٢٠٠٣ حملة واسعة لتسويق مقولة “أن إيران هي العدو الحقيقي للعرب وليس إسرائيل”.
ومع خروج مصر من محور الاعتدال، وضبابية دورها الجديد منذ سقوط نظام حسني مبارك، حيدت الدولة العربية الأكبر نفسها عن المناوشات، ولم تنفع زيارة وزير الخارجية السعودي للقاهرة الأسبوع الماضي في دفع مصر الى الدخول مجدداً الى خط التراشق الذي حرصت على تأجيجه بعض التصريحات والمواقف من الكويت والبحرين والسعودية عبر ما سمته “شبكات تجسس إيرانية” في بلادها. وهذه التصريحات لاقت صدى في الضفة الأخرى ما زاد الأمور تعقيداً.
وتحييد مصر تبعه تحييد الأردن بعدما أجبرت التظاهرات الشعبية الملك عبدالله الثاني الى الابتعاد في الفترة الراهنة عن المسرح الإقليمي ليعالج الوضع الداخلي في بلاده لمنعه من الإنفجار.
وأبدى الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، “تخوفه من اندلاع نزاع عربي-إيراني وسني-شيعي في المنطقة”، ليأتي اعتداء المتظاهرين في إيران على السفارة السعودية في طهران ليصعد من حدة الخلاف.
وقال رئيس الدائرة الإعلامية في وزارة الخارجية السعودية إن ما تعرضت له السفارة السعودية في طهران محل استنكار شديد، وأمر تتعامل معه المملكة بكل جدية، مؤكدا أن البعثات الدبلوماسية تمتلك حصانة بموجب الأعراف والاتفاقيات الدولية، ولا ينبغي لأية جهة مهما كانت انتهاك هذه الحصانة الديبلوماسية.
وحذر نجاد دول المنطقة مما سماه “مؤامرة” تهدف الى نزاع مذهبي في المنطقة، متوقعاً ولادة شرق اوسط جديد دون وجود اميركا واسرائيل فيه. كما أعرب نجاد عن اعتقاده بأن “عمر الكيان الصهيوني آيل الى الزوال”. وقال ان شعوب المنطقة “اصبحت واعية، لكن المستكبرين يسعون جاهدين لبث الخلافات والفرقة بين دول المنطقة”.
وصعدت طهران من حدة توتر التصريحات مع الرياض متهمة اياها بالانسياق وراء “الكيان الصهيوني” والدخول في مسارات تثير الفتن. وحذر المتحدث باسم الخارجية الايرانية من ان الدخول في مسارات خاطئة قد تثير الفتن ويكون لها سلبيات على المنطقة داعياً السعودية الى سحب قوات “درع الجزيرة” من البحرين فوراً.
وكان التصريح رداً على وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي اتهم فيها ايران بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وقالت الخارجية الإيرانية ان الدخول في مسارات خاطئة “قد تثير الفتن حيث من شأنها ان يكون لها تداعيات سلبية محصلتها النهائية هذه التصريحات غير المتزنة”. واضاف “ان من ينسق وراء الكيان الصهيوني سيكون مصيره الوقوع في الفتنة”.
لكن وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي، أبدى مرونة لم تظهرها الدبلوماسية الخليجية حيث أكد أن ايران مستعدة “للجلوس الى الطاولة” مع القادة العرب “لحل سوء التفاهم” القائم بين الطرفين. إلا أن وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل وصف تصريحات نظيره الايراني علي اكبر صالحي السابقة حول نشر قوات “درع الجزيرة” في البحرين بأنها تخدم “اثارة الفتنة والقلاقل” في المنطقة.
ووصف بعض المراقبين الخطوة التي قامت بها دول الخليج بإرسال قوات “درع الجزيرة” لقمع تظاهرات سلمية في البحرين بأنها تظهر لا مبالاة هذه الدول بإثارة الفتنة. ورغم ميزان القوى العسكرية الذي يميل لمصلحة إيران، مقارنة مع دول الخليج، إلا أن أنظمة هذه الدول تعول على الدعم العسكري الأميركي في حال اندلاع مواجهة لا تبدي هذه الأنظمة أي تخوف من مخاطرها.
وكما دخلت دول الخليج في مواجهة مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام ١٩٩٠، حيث فرت العائلة المالكة الكويتية من البلاد لتواجه جيوش العالم الجيش العراقي وتهزمه، فعادت العائلة لتعلن نفسها منتصرة في حين تكبد العراق ودول الخليج وشعوب هذه البلدان فاتورة الحرب المالية والبشرية إضافة الى تدهور العلاقات العربية-العربية.
وتتجه دول الخليج، عبر سياستها تجاه إيران الى دفع طهران الى مواجهة لا يستبعد أن تأخذ منحى شاملاً في المنطقة، وهي مواجهة ستكون ذات طابع عرقي ومذهبي يحرق المكرر والخام من بترولهم.
Leave a Reply