دمشق – بدأ مسار الحل السياسي للأزمة السورية يتبلور مع موافقة دمشق على تنفيذ خطة المبعوث الأممي كوفي أنان بالتوازي مع تراجع حدة الخطاب العدائي الذي انتجه التحالف العربي-الدولي لإسقاط النظام السوري، في حين يسلك الحل الأمني مساره في بؤر المسلحين في أنحاء متفرقة من سوريا مع مواصلة الدعم الروسي-الصيني- الإيراني للرئيس بشار الأسد.
لكن هذا التقدم على المسار السياسي، بالتوازي مع تراجع طموحات “محور إسقاط الأسد” وخفوت الصوتين السعودي والقطري عربياً مع تسلم العراق لرئاسة الجامعة العربية، لا يعني أن الأمور تتجه الى الحل الأكيد، فهناك رهان في بعض الدوائر الغربية على تعثر مهمة أنان واستعادة المبادرة على الأرض لتفتيت التكاتف الروسي-الصيني، وضمهما تدريجياً إلى إجماع غربي ملزم وفي إطار مشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن.
وقال المتحدث باسم أنان في بيان في جنيف، أن “الحكومة السورية كتبت للمبعوث المشترك كوفي انان لتبلغه موافقتها على خطته المؤلفة من ست نقاط، والتي وافق عليها مجلس الامن الدولي”. وأضاف أن “أنان كتب الى الرئيس الاسد ليدعوه الى أن تطبق الحكومة السورية تعهداتها فورا”.
وتابع فوزي ان انان يعتبر قرار دمشق “مرحلة اولية مهمة يمكن ان توقف العنف واراقة الدماء”، كما ستسمح بمعالجة “معاناة الناس وتوجد مناخا ملائما لحوار سياسي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”. واضاف ان أنان “يعتبر الامر بالتأكيد تطورا ايجابيا لكن المهم هو التنفيذ”، وإن المبعوث الدولي سيعمل مع كل الأطراف على كل المستويات لضمان تنفيذها.
وقال مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة مارك ليال غرانت، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، إن انان سيتحدث إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا الاثنين المقبل من خلال دائرة فيديو مغلقة على الأرجح.
وتتألف نقاط خطة أنان، كما حددها المبعوث كوفي أنان لمجلس الأمن يوم 16 مارس (آذار) 2012:
1- الالتزام بالعمل مع أنان في عملية سياسية شاملة تقودها سوريا للاستجابة للتطلعات المشروعة ومخاوف الشعب السوري.
2- الالتزام بوقف القتال، وتحقيق ذلك على وجه السرعة تحت إشراف الأمم المتحدة لوقف أعمال العنف المسلح بكل أشكاله من قبل جميع الأطراف.
3- ضمان توفير الوقت المناسب لوصول المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المتضررة من القتال.
4- تكثيف أعداد ووتيرة الإفراج عن المعتقلين والمحتجزين بصورة تعسفية، بما في ذلك الفئات الضعيفة من الأشخاص والمشاركين في أنشطة سياسية سلمية.
5- ضمان حرية التنقل في جميع أنحاء البلاد للصحافيين، وضمان عدم ممارسة سياسة تمييزية في منح التأشيرات لهم.
6- احترام حرية التجمع والتظاهر السلمي المكفولة قانونا.
وفي دمشق شدد الأسد، الخميس الماضي، على أن السلطات السورية لن “توفر جهداً في إنجاح” خطة أنان، لكنه “لا بد لإنجاح مهمة أنان من أن يركز على تجفيف منابع دعم الإرهاب الموجه ضد سوريا وخاصة من قبل الدول التي أعلنت على لسان مسؤوليها أنها تقوم بتمويل وتسليح المجموعات الإرهابية في سوريا”، مشيراً إلى أن “سوريا تعتزم خلال فترة قصيرة جداً البدء بحوار وطني تشارك فيه كل الفئات التي تعمل من أجل أمن البلاد واستقرارها”.
وأعرب الأسد، في رسالة وجهها الى قمة قادة دول “البريكس” ( البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) في العاصمة الهندية نيودلهي، “عن تقدير سوريا لمواقف قادة المجموعة في تعزيز مبدأ احترام سيادة الدول واستقلالها وإرساء العمل الدولي المتعدد الأطراف بديلاً لسياسات الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتطلع إلى مزيد من التعاون نحو بناء عالم متعدد الأقطاب مبني على قيم العلاقات الديمقراطية بين الدول”.
وعرض الأسد “عوامل الأزمة التي تتعرض لها سوريا وارتباطاتها الإقليمية والدولية، والخطوات التي اتخذتها الدولة للتعامل معها، واستعادة الأمن والاستقرار في البلاد وتحقيق تطلعات الشعب السوري عبر إصدار سلة قوانين، توّجت باعتماد دستور جديد للبلاد يحقق حرية العمل السياسي والتعددية السياسية ومبادئ العمل الديمقراطي”، مشيراً إلى أنه “وعلى الرغم من ذلك تم تأجيج الأوضاع في سوريا بفعل الحملات الإعلامية المضللة، واستمرار عمليات الاغتيالات والإرهاب المدعومة من قوى لجأت إلى تقديم السلاح والدعم المالي للمتطرفين، وحاولت استخدام المنابر الدولية لاستصدار قرارات لا تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وتحميل الحكومة السورية مسؤولية ما يجري”.
الأسد في بابا عمرو
وكان الأسد قد بدأ باستثمار نجاحات الجيش السوري في إعادة سلطة الدولة على عدة مناطق، حيث قام مطلع الأسبوع الماضي، بخطوة مفاجئة لا تنقصها المخاطرة، بزيارة استمرت ساعتين تقريبا لحي بابا عمرو مركز الاشتباكات التي حصلت بين الجيش السوري ومسلحين واستغرقت عشرين يوما، وذلك بعد أكثر من أسبوع على سيطرة القوات السورية عليه تماما. وقطع الأسد المسافة الممتدة بين دمشق وحمص، وتبلغ 160 كيلومترا برا، ليستقبله على مدخل المحافظة محافظ المدينة غسان عبد العال، حيث انطلق الموكب الذي حظي بحراسة مشددة إلى حي بابا عمرو الأكبر في المدينة، حيث تحرك الأسد برفقة موظفين مدنيين وحراس شخصيين ليطلع على آثار الدمار الذي حل بالحي إثر معارك ضارية استمرت 20 يوما، لكنها كانت مستمرة فعليا لما يزيد على سبعة أشهر من عمر الأزمة السورية.
وتفقد الأسد الأوضاع في الحي، مختلطا بمجموعة من السكان التي لم تغادر الحي، وفقا لما ذكرته إحدى النسوة في الشريط المفصل الذي عرضته الشبكات المحلية. وقال الأسد ان الدولة لم تتأخر لكنها أعطت فرصة للحل. وأوضح “كنا نبحث عن حلول مع العاقلين، لكن حين يسيطر الإرهابيون لا حلول غير الحل الذي حصل”.
وتعكس المخاطرة التي تمت بها الزيارة ثقة عالية بالنفس لدى السلطة، ولا سيما أن الاشتباكات ما زالت مستمرة في بعض أحياء حمص، كالخالدية وباب هود. كما يعكس التنقل برا معنويات عالية خصوصا أن التحليق بالطائرة الرئاسية كان يشكل تهديدا أمنيا أقل. كما قام الأسد بزيارة السويداء لتقديم العزاء بوفاة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز وسط ترحيب شعبي واسع.
وجاءت هذه التطورات وسط زيادة الشرخ في صفوف المعارضة السورية مع تزايد الانشقاقات قبل مؤتمر “الأصدقاء” المزمع إقامته في تركيا، إضافة الى اتهامات لجناحها المسلح باقتراف جرائم ضد الإنسانية، حيث أعلن السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد أن لديه تقارير تؤكد قيام جماعات المعارضة السورية المسلحة بانتهاكات لحقوق الانسان مثلها مثل القوات الحكومية، محذرا الجانبين من ارتكاب مثل تلك الانتهاكات.
وقال فورد خلال جلسة في الكونغرس الأميركي في سياق رده على سؤال عن بيانات صدرت مؤخرا عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الانسان أفادت بأن جماعات المعارضة المسلحة في سورية ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان. ولم يذكر فورد تفاصيل التقارير التي تلقاها بشأن انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها قوات المعارضة.
Leave a Reply