بعد رفضها من مجلس النواب.. وخسائر تاريخية فـي وول ستريت
واشنطن – وجّه مجلس النواب الأميركي مطلع الأسبوع الماضي ضربةً قوية لخطة الرئيس جورج بوش الإنقاذية للاقتصاد المنهار، رغم التعديلات التي أدخلت عليها، ما أثار حالاً من الهلع في الأسواق انعكست انخفاضاً تاريخيا في المؤشرات الرئيسية وخسائر قدرت بـ1,2 تريليون دولار، ما دفع اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي يوم الأربعاء الماضي بمن فيهم المرشحان للرئاسة الاميركية باراك اوباما وجون ماكين لإقرار الخطة التاريخية المعدلة لدعم القطاع المصرفي الاميركي وتبلغ قيمتها 700 مليار دولار، قدمتها وزارة الخزانة من اجل تأمين استقرار النظام المالي المنهار.
وقبل خمسة اسابيع من الانتخابات الرئاسية الاميركية، وافق المجلس بـ74 صوتا مقابل 25 على خطة انقاذ المصارف التي تحمل عنوان «قانون تأمين الاستقرار الاقتصادي العاجل للعام 2008» وتنص على منح وزير الخزانة هنري بولسون هامشا ووسائل لا سابق لها لانقاذ القطاع المصرفي.
ويمهد هذا التصويت لاقرار النص هذا الجمعة في مجلس النواب الذي رفض النص الاثنين بفارق 23 صوتا (228 مقابل 205)، مما تسبب في تراجع حاد في بورصة نيويورك واسواق المال العالمية.
وكان نواب جمهوريون خصوصا رفضوا اولا هذه الخطة التي رأوا فيها تدخلا كبيرا للدولة في القطاع الخاص على حساب مكلفي الضرائب.
وتهدف الخطة الى منح الدولة الوسائل والسلطة اللازمة لشراء الاصول الهالكة للمؤسسات المالية التي تواجه صعوبات بسبب ازمة الرهن العقاري. وقد افلس اكثر من عشرة مصارف في الولايات المتحدة حتى الآن.
وعبر الرئيس الاميركي جورج بوش عن ارتياحه لتبني مجلس الشيوخ الخطة. وقال «احيي مجلس الشيوخ على هذا التصويت الذي يجمع الحزبين». واضاف «جاء دور مجلس النواب لدراسة هذا القانون واعتقد ان نواب الحزبين يمكنهما دعم النص»، مؤكدا ان الوضع الاقتصادي «يتطلب» اقرار الخطة.
وكان الرئيس بوش اعتبر في وقت سابق ان عدم إقرار الخطة ينذر بتعرض الإقتصاد الأميركي الى وضع كارثي يلحق به ضررا دائما.
وعبر بولسون عن ارتياحه لاقرار الخطة في هذا التصويت «التعددي» في مجلس الشيوخ ودعا مجلس النواب الى «التحرك بسرعة لتبني مشروع القانون هذا».
وادرجت في النص الذي اقره مجلس الشيوخ الاربعاء مواد تقضي بزيادة ضمانات الودائع في المصارف من مئة الف الى 250 الف دولار. كما ادخلت فقرات تنص على تخصيص اعتمادات ضريبية للطبقة الوسطى والشركات.
وقطع ماكين واوباما العضوان في مجلس الشيوخ حملتيهما الانتخابيتين للمشاركة في التصويت على النص.
وفي خطاب يحمل سمات رئاسية، كرر اوباما ما قاله الرئيس فرانكلين روزفلت مهندس الاصلاح الذي تلا الازمة التي شهدها القطاع المالي في الولايات المتحدة في 1929 .
وقال «لنتحد من اجل طرد الخوف. اليوم لا يمكننا ان نفشل.. لا «الا إذا»، ولا غدا ولا السنة المقبلة».
وبعد ان وصف الازمة الحالية بانها قد تكون «كارثية»، قال اوباما «يمكن ان نرى آلاف الشركات تغلق ابوابها وملايين الوظائف تلغى وان يلي ذلك انكماش طويل ومؤلم».
وتابع «باختصار انها ليست ازمة وول ستريت، انها ازمة اميركية».
ودعا اوباما الى ان يتم في مرحلة ثانية اقرار خطة لانعاش الاقتصاد واصلاح القانون حول الافلاس من اجل المالكين الذي يواجهون صعوبات.
ولم يلق خصمه ماكين كلمة على المنبر. لكنه كان قد صرح خلال النهار «اذا فشل المشروع مرة ثانية فان الازمة ستتحول الى كارثة».
وعبر زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل عن ارتياحه لاقرار الخطة. وقال في خطاب «تمكنا من وضع كل الخلافات جانبا في اوج الحملة الانتخابية لنتحد (…) في واحدة من اهم اللحظات في تاريخ مجلس الشيوخ».
اما السناتور الديموقراطي جون كيري فقد رأى في هذا التصويت «رسالة قوية وملائمة ليس لمجلس النواب وحده بل لكل البلاد».
واكد زميله الديموقراطي تشارلز شومر العضو في اللجنة المصرفية لمجلس الشيوخ انه «متفائل جدا» بنتائج تصويت مجلس النواب. وقال «انهم يعملون بجد. الامر لا يتعلق بجمه 12 صوتا. سيتراجع نواب عن تأييدهم وستضاف اصوات آخرين».
وقال بوش بعد اقرار الخطة ان «الاميركيين ينتظرون واقتصادنا يتطلب ان يقر مجلس النواب هذا القانون الجيد هذا الاسبوع ويرسله الى مكتبي» لتوقيعه.
ويفترض ان يصوت مجلس النواب الجمعة على الخطة التي تم تعديل صيغتها الاولى.
وقال بوش ان التعديلات التي ادخلت على النص تشكل تحسينات «وستساعد على حماية اقتصادات العائلات الاميركية والشركات الصغيرة».
واوضح ان هذا القانون «اساسي للامن المالي لكل الاميركيين وهدفه مساعدة العائلات الاميركية التي تحتاج الى اقتراض المال لشراء منزل او تمويل الدراسات العليا لابنائها ومساعدة الشركات الصغيرة على دفع فواتيرها».
رفض النواب الخطة وانهيار وول ستريت
وكان مجلس النواب الأميركي، قد رفض خطة الإنقاذ المالي بالرغم من أنها خضعت لكثير من التعديلات وتضخّمت صفحاتها من ثلاث إلى 110 صفحات. وقد صوّت 226 عضواً ضد الخطة مقابل 207 أعضاء صوّتوا لمصلحتها. وكان لافتاً أن غالبية المعارضين من الجمهوريين، إذ صوّت 132عضواً جمهورياً ضد، أي ما يعادل 75 بالمئة من الأقلية الجمهورية، فيما أيّد الخطة 141 نائباً ديموقراطيّاً، أي ما يعادل 65 بالمئة من الغالبية الديموقراطية في المجلس.
وأعرب الرئيس الأميركي، بعد التصويت، عن «خيبة أمل كبيرة»، وطلب من مستشاريه إعداد المراحل المقبلة. وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، توني فراتو، أمام الصحافيين «بالتأكيد، نحن نشعر بخيبة أمل كبيرة مما حصل». وأشار إلى أن بوش «دعا إلى اجتماع لكبار مستشاريه الاقتصاديين ليقرّر بشأن ما ينبغي القيام به رداً على هذا التصويت المفاجئ». وقال «ما من شك أن البلد يواجه أزمة صعبة ينبغي التصدي لها».
وشهدت بورصة نيويورك انهياراً تاريخياً بعد رفض مجلس النواب الأميركي خطة إنقاذ المصارف، ففقد داو جونز 6,71 بالمئة، أي خسارة 777 نقطة لم يشهدها أبداً من قبل، وناسداك 9,14 بالمئة.
وقد تراجع سعر برميل النفط أكثر من عشرة دولارات في نيويورك. وأنهى سعر برميل النفط المرجعي الخفيف في سوق نيويورك جلسة التداول على 96,37 دولاراً بتراجع 10,52 دولارات مقارنة بسعره عند الإقفالً.
الجمهور الأميركي لا يثق
فـي خطة الإنقاذ المالي
عكست صعوبة تمرير خطة الإدارة الأميركية للإنقاذ المالي في الكونغرس بعد رفضها من قبل مجلس النواب ثم إقرارها معدلة من مجلس الشيوخ ومحاولة تمريرها مرة أخرى في مجلس النواب، عمق الخلافات بين المشرعين الأميركيين والتباين في وجهات النظر حول إمكانية نجاح الخطة.
ولأجل ضمان إقرار الخطة في مجلس النواب في التصويت الثاني عمد مجلس الشيوخ إلى إدخال تعديلات تهدف إلى تعزيز الحماية للمودعين وإدخال إعفاءات ضريبية لبعض الشركات الصغيرة، لكن يبدو أن هذه التعديلات لن تغير موقف العامة من الخطة.
والسؤال الأهم يدور حول ما إذا كان الناس يعتقدون بأن الأزمة المالية خطيرة وملحة وما إذا كانت خطة الإنقاذ تمثل بالفعل جزءا من الحل.
قضايا مثيرة للجدل
ومن القضايا المثيرة للجدل المتعلقة بخطة الإنقاذ ضرورة خفض التعويضات التي سيتلقاها مديرو المؤسسات المالية التي سيتم إنقاذها، وفي المقابل زيادة التعويضات للأميركيين الذين يفقدون منازلهم.
وقال رئيس الخدمات المالية بمجلس النواب بارني فرانك إن الديمقراطيين يريدون خفض التعويضات لرؤساء الشركات.
وطالب المرشح الرئاسي الجمهوري جون ماكين بإشراف أكبر على كيفية تنفيذ الخطة، مضيفا أنه «لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن تم تركيز القوة والأموال في يد شخص واحد مثلما يحدث حاليا».
ويشعر العامة أكثر من السياسيين بالتشاؤم حول الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، كما تساورهم الشكوك إزاء مدى نجاح خطة الإنقاذ.
وأظهر استطلاع أجري الأسبوع الماضي أن 14 بالمئة من الأميركيين يشعرون «بخوف شديد» إزاء إمكانية انجراف الولايات المتحدة إلى جرف الكساد الذي أدى إلى انهيار البورصة عام 1929. كما أظهر أن هناك اختلافات عميقة حول مدى فاعلية الخطة.
ويرى 44 بالمئة من الأميركيين أنه يجب على وول ستريت أو حي المال الأميركي أن يحل مشكلاته بنفسه، في حين يؤيد 45 بالمئة ما يقره الكونغرس من حلول بشأن الأزمة المالية.
وأظهر استطلاع آخر أجراه مركز بحث بيو أن نسبة التأييد لخطة الإنقاذ انخفضت من 57 إلى 48 بالمئة الأسبوع الماضي.
وطبقا لهذا الاستطلاع فإن 77 بالمئة من الديمقراطيين و69 بالمئة من الجمهوريين يخشون من أن معظم المتسببين في الأزمة سيستطيعون بالفعل النجاة والإفلات من أي أضرار.
ويرى الناخبون الديمقراطيون أن الخطة لن تكون كافية لحماية أصحاب المنازل من فقدانها. ويدافع عن هذا الرأي 66 بالمئة من الديمقراطيين بينما يؤيده 37 بالمئة فقط من الجمهوريين.
وفي المقابل يخشى الجمهوريون من الثمن الذي سيتحمله دافعو الضرائب الأميركيون.
ويرى كثير من الديمقراطيين أن الحكومة الأميركية لن تستطيع استعادة الأموال التي ستتحملها كتكلفة لخطة الإنقاذ، كما يرى هؤلاء أن الخطة لن تستطيع معالجة الأسباب التي أدت إلى الأزمة.
وتدافع الإدارة الأميركية بقوة عن الخطة، في حين يقول المنتقدون إن الإدارة تحاول معالجة الأزمة عن طريق شراء أصول خاسرة تمثل في ذاتها مشكلة، كما لا توجد ضمانات كافية لنجاحها. ومهما كان حجم الخطة فإن عمق الأزمة سيجعل الإصلاح يتعدى حل الخطوة الواحدة.
Leave a Reply