ربما يكون هذا العنوان يتسع إلى بحث ثلاث قضايا كبرى فعنوان الإنحراف يحتاج وحده الى موضوع مستقل، وعنوان الضياع قد يتجه إلى معان كثيرة حسب موقع الضياع، أما عنوان الفشل فهو مصاب العصر، فإن لم يكن الإنسان يحمل معه عوامل الفشل من الصغر، فإن ظروف الحياة تقف بالمرصاد للكثير من الناس الذين يحملون معهم إمارات النجاح، أما إختيارنا لهذه العناوين الثلاثة جملة واحدة ما نسمعه من أبنائنا الطلبة ونشعر به نحن ووقع فيه البعض، وصل الأمر إلى طلب بعض الطلبة إلى الإجتهاد في تقديم النصح ولو استدعى ذلك زعل وإنزعاج البعض والخشية من فرض الوصاية أو الرقابة ولتلك الأسباب فضلنا مناقشة الأسباب واقتراح المعالجة.
الأسباب
إن أي سبب يمكن إحتسابه شاملاً للعنوان الرئيسي ويمكن أخذه وتطويعه إلى ضلع لمثلث الكارثة التي تحل بالشباب، ولا يسع الحديث عن الأسباب الجوهرية في علم الإجتماع، إنما نكتفي بما سمعناه من شكوى:
١- هدر الأوقات، غالباً، ما يأتيك الجواب من أي طالب عندما تسأله عن عدم وجوده في المناسبات الإجتماعية أو المناسبات الرياضية والترفيهية، يجيبك أنه مشغول جداً وليس له وقت للمشاركة لأنه سجل ساعات كثيرة أحياناً تتجاوز عشرون ساعة أو أن وقته مزدحم بالواجبات والمراجعات وهو أمر حسن، وكل عاقل يقف مع كل طالب ما دام جاداً وصادقاً مع نفسه، مع أهمية الحضور الإجتماعي، إنما الكلام مع من يغالطون أنفسهم وهم في معركة دائمة مع الوقت المهدور والمغدور به بوسائل التدمير العصرية من صرف الساعات أمام شاشات التلفاز أو “المونيتور”، سواء لمشاهدة الأفلام، أو الألعاب الالكترونية على غرار “بلاي ستشين” و”أكس بوكس”… أو صرف الساعات في جلسات دون جدوى أو طائل. هذا التساؤل قد يزعج ويغضب بعض الشباب الذين يضيقون ذرعاً من همّ الغربة وثقل الدراسة وليس لهم إلا هذه الشاشة للإسترخاء عوضاَ عن الخروج إلى ما هو أسوأ، لكن هذا الغضب والإنزعاج لا يخضغ الى موازين العقل والمنطق، إنما هو أسير الضغوط النفسية التي خلقها الشاب لنفسه، ومثله كمثل الذي يحرق قلبه ورئتيه بالتدخين لتهدئة أعصابه، فحرق الوقت في مثل تلك الأمور ليس أقل سوءاً. وليست تهمة إذا قيل لنا أن فهمنا لقتل الفراغ بحرقه خاطىء، لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه، قطعك كما قال نابليون بونابارت، ومعنى قطعه تنميته وإستثماره، فإذا حصل العكس ثبتت التهمة بضعف الإحساس بالمسؤولية تجاه الزمن الذي أقسم به الله سبحانه وتعالى في قوله ﴾والعصر إن الإنسان لفي خسر﴿..
٢- أما قنوات البث الفضائي، وشبكة الإنترنت، تستهلك جزءاً كبيراً من وقت الطلاب. وهي وإن كانت تفتح الباب على مصراعيه في الجانب المعرفي، وتقدم للإنسان خدمات عالية، ولا يكاد يوم يمر إلا ونسمع فيه حجم التطور المغري، وفي الجانب الآخر تزداد الإستفادة السيئة من الشركات التسويقية التي تعرض المغريات وتتاجر بجسم المرأة وتعرض صور مبتذله تثير غريزة الشاب الذي يشعر بالكبت الجنسي، فيضربون على نقطة الضعف. فإن كان الشاب يملك القدرة على القفز عن هذه العقبة الكؤود. وإلا سقط في فخ الشيطان ويا لها من سقطة. تكون عندها الإستهانة بالذنب، فيصرف الوقت بلا حدود، وعلى حساب سائر المهام والأبعاد من شخصية الإنسان والتزاماته، حتى أشار تقرير نشر قبل سنوات إلى أن بعض الطلاب عندما يتخرجوا من المرحلة الثانوية يكونوا قد صرفوا أمام جهاز التليفزيون قرابة ١٥ ألف ساعة، بينما الوقت الذي صرف في فصول الدراسة لا يزيد عن ١٠،٨٠٠ ساعة على أقصى تقدير، أي في حالة كونه مواظباً على الدراسة، محدود الغياب. ومعدل حضور بعض الطلاب في الجامعة ٦٠٠ ساعة سنوياً، بينما متوسط جلوسه أمام التليفزيون ١٠٠٠ ساعة سنوياً. (المصدر: “حقائق وأرقام”، ص ١٤)
٣- سوء الاختيار وسلبية التلقي، ثم التبشير بذلك، قد يكون الطالب غافل عن موقع ما أو قناة، فسرعان ما يجد متبرع يدله على تلك القنوات بل يصل الأمر إلى تسجيل الأفلام وإرسالها لصديق، ومن ناحية أخرى تنتشر أكثر من ٥٠٠ قناة عالمية تبث مختلف البرامج ليل نهار، وهناك ملايين المواقع على شبكة الإنترنت، تعرض كل شيء دون حدود أو قيود، فإذا لم تكن للإنسان قيم وضوابط في اختياره لما يشاهد ويتابع، فإنه سيكون فريسة سهلة، ولقمة سائغة، للتوجهات الفاسدة، التي تحرّض الغرائز والشهوات، وتشجّع على العنف والإجرام، وتروّج لأنماط سلوكية مخالفة وغريبة عن أخلاقيات إبنائنا وبناتنا المحصّنين إن شاء الله بقيم الدين وحس المسؤولية.
مقدمات الإنحراف
من البديهي أن تحتوي قائمة الإسباب والعوامل التي تؤدي الى الإنحراف وكل، قائمة تتبع شكل ونوع الإنحراف، فالإنحراف الفكري له مقدماته، والإنحراف السلوكي له أسبابه كذلك.
يمكن إختصار ذلك فيما ركز عليه الباحثون في علم الإجتماع والتي منها العناوين التالية مع التعليق عليها:
– الفقر الذي يخيم على بعض البيوت: مما يجعل الولد يلجأ إلى مغادرة البيت بحثاً عن الأسباب وسعياً وراء الرزق فتتلقفه أيدي السوء والجريمة.
– النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات: فالولد حين يفتح في البيت عينيه ويرى ظاهرة الخصومة سيترك حتماً جو البيت القاتم ويهرب ليفتش عن رفاق يقضي معهم جل وقته
– حالات الطلاق: فالولد عندما لا يجد الأم التي تحنو عليه ولا الأب الذي يقوم على أمره ويرعاه فإنه لاشك سيندفع نحو الجريمة ويتربى على الفساد والانحراف لاسيما عند زواج الأم.
– الفراغ الذي يتحكم في الأطفال والمراهقين: من المعلوم أن الولد منذ نشأته مولع باللعب فإذا لم ييسر له أماكن اللعب واللهو البرئ ومسابح للتدريب والتعليم فإنه سيختلط غالباً بقرناء سوء يؤدي حتماً إلى شقاءه وانحرافه.
– الخلطاء الفاسدون ورفاق السوء: لاسيما إن كان الولد بليد الذكاء ضعيف العقيدة والأخلاق، فسرعان ما يتأثر بمصاحبة الأشرار ويكتسب منهم أحط العادات والسمات.
– سوء معاملة الأبوين: من الأمور التي يكاد يجمع علماء التربية عليها أن الولد إذا عومل من قبل ابويه ومربيه المعاملة القاسية وأدب من قبلهم بالضرب الشديد والتوبيخ القارع فان ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخلقة مما قد يؤول به الأمر إلى ترك البيت نهائياً للتخلص مما يعانيه من القسوة والمعاملة الأليمة.
– مشاهدة أفلام الجريمة والجنس: وذلك يتم عبر القنوات الفضائية الفاضحة والتي تبث السم الزعاف وأيضاً من خلال مواقع الانترنت التي جعلت من عالمنا قرية صغيرة وغيرها من الروايات الهابطة والمجلات الماجنة والقصص المثيرة ومن المعلوم بداهة أن الولد رغم اكتمال عقله تنطبع في ذهنه وتتأصل في مخيلته هذه المشاهد فيعمد حتماً إلى محاكاتها وتقليدها بحيث لا ينفع معه نصح الآباء أو توجيه المربين والمعلمين.
– انتشار البطالة في المجتمع: من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انحراف الولد انتشار البطالة بين أفراد الأمة فالأب الذي لم تتيسر له سبل العمل ولم يجد من المال ما يسد به حاجته وجوعة أهله وأولاده فإن الأسرة بأفرادها ستتعرض للتشرد والضياع وإن الأولاد سيدرجون نحو الانحراف.
– تخلي الأبوين عن تربية الولد: إذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغالها مع معارفها وصديقاتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده لانصرافه وقت الفراغ إلى اللهو مع الأصحاب والخلان فلا شك أن الأبناء سينشؤون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المتشردين.
مصيبة اليتم: من العوامل الأساسية في انحراف الولد مصيبة اليتم التي تعتري الصغار وهم في زهرة العمر هذا اليتيم الذي مات أبوه وهو صغير إذا لم يجد اليد الحانية التي تحنو إليه والقلب الرحيم الذي يعطف عليه وإذا لم يجد من الأوصياء المعاملة الحسنة والرعاية الكاملة فلا شك أن هذا اليتيم سيدرج نحو الانحراف ويخطو شيئاً فشيئاً نحو الإجرام. قال (ص) “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى”.
أخيراً ليس بالضرورالحديث عن هذه الأمراض أوالضغط على جرس الطوارىء عند وقوع الحادثة والخطر وإنما، في الغالب دق جرس الإنذار هو للتنبه وأخذ الحيطة والحذر والتذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
Leave a Reply