خسرت المعارضة أهم موقع في الدولة، موقع رئاسة الجمهورية من دون أن تتمكن من تعويض هذه الخسارة بإجراء كان يُنتظر أن يأخذه الرئيس الأخير للجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود، خاصة بعد النداءات التي وجهها له السيد حسن نصر الله والجنرال ميشال عون الداعية لاتخاذ إجراءات تمنع تسليم السلطة إلى حكومة السنيورة. إلا أن الإجراء الذي اتخذه الرئيس لحود لم يأت على المستوى المطلوب، أو على مستوى ما كانت تطمح له المعارضة، على الأقل من خلال حراكها السياسي الذي كان يوحي بالإمساك بزمام المبادرة مع الإنتظار الطوعي حفاظاً على تماسك الهيكل اللبناني وحمايته من التصدع، ذلك أن ما قام به الرئيس لحود من تسليم الجيش حفظ الأمن والإستقرار والسلم الأهلي هو في صلب مهمة الجيش أساساً، والتدابير التي اتخذها هي سابقة لقرار الرئيس لحود، ولا يعدو ذلك سوى حفظاً لماء الوجه بعد سيلاً من التهديدات والتحذيرات المتكررة التي كالها الرجل في هذا المضمار، مشكلاً هاجساً ظل يلاحق قوى السلطة حتى ليل أمس الجمعة، حين توصلت الأكثرية إلى عقد صفقة مع المعارضة من غير أن تدفع ثمناً، وهو تأجيل جلسة الإنتخاب وعدم إتخاذ إجراءات توحي وكأن حكومة السنيورة ستستلم صلاحيات رئاسة الجمهورية مقابل إمتناع المعارضة عن إتخاذ إجراءات تصعيدية من قبيل تشكيل حكومة جديدة أو مجلس رئاسي يستلم صلاحيات لحود أو حتى تسليم المجلس العسكري.فطالما أن ما قام به الرئيس لحود لا يدعو إلى تعليق العمل بالدستور، فإن طابع الخطوة يبقى أمنياً، إضافة إلى أن عملية التكليف لم تتم بشكل رسمي، أي لم يجمع الرئيس لحود المجلس العسكري أو قائد الجيش ويكلفه رسمياً ووجهاً لوجه بهذه المهمة، بل اكتفى ببيان أدلى به المستشار الإعلامي لرئاسة الجمهورية رفيق شلالا، أعلن فيه توافر أخطار حالة الطوارئ وتكليف الجيش حفظ الأمن، وكأن هذا الإجراء لا يستأهل أن يعلنه الرئيس لحود بنفسه مباشرة، ما يشير إلى عدم رضى لحود عن الخطوة فآثر الإنكفاء وعدم الظهور على الإعلام.إلا أن المعطى الجديد المترتب عن شغور موقع الرئاسة وما كان يمثله من حصنٍ منيع لقوى المعارضة، سوف يلقي بتبعاته على الواقع السياسي، وسوف يشكل عبءاً إضافياً على كاهل المعارضة، وسيؤثر على قوة حضورها في المحافل الدولية إذا ما طالت أزمة الرئاسة. لأن ذلك سيجعل حكومة السنيورة الممثل الوحيد للبنان، بالرغم من أن التعاطي الدولي كان يتم عبر الحكومة وكان رئيس الجمهورية مُقاطَعاً ومُهمَشاً من أغلبية دول العالم، ولكن لم يكن باستطاعة أحد أن يمنعه من حضور إجتماعات الأمم المتحدة والقمم العربية وتلبية الدعوات التي كانت تأتي بإسم الجمهورية اللبنانية ولو رغماً عن الداعين. على الأقل كان رئيس الجمهورية يبعث برسائل إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن يسجل فيها إعتراضه على القرارات التي كانت تأخذها الحكومة منفردة. لكن ما أظهرته مداولات الساعات الأخيرة قبل ليل الجمعة، يؤشر إلى إتفاق سوري – فرنسي نتيجة جهد فرنسي إستثنائي تمثل بإتصال الرئيس ساركوزي بنظيره السوري بشار الأسد، والتوصل إلى صيغة توافقية على إدارة الفراغ مرحلياً، من غير إتخاذ إجراءات من الطرفين قد تقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، وهذا ما أكده مصدر صحفي مقرب من النائب سعد الحريري، حيث أشار إلى طلب فرنسي بعدم التصعيد ضد الرئيس لحود، حيث كان منتظراً أن يقيم تيار المستقبل مهرجاناً شعبياً يتكلم فيه النائب سعد الحريري بمناسبة خروج لحود من قصر بعبدا. ويضع المصدر الموافقة الأميركية على إدراج موضوع هضبة الجولان بنداً في مؤتمر أنابولس في هذا السياق، ولكن من غير أن يتم الإتفاق على إسم الرئيس المقبل والمواضيع الشائكة الأخرى، إنما كان الإتفاق على إيجاد فسحة من الوقت المستقطع يجري فيها إستكمال المساعي للخروج برئيس توافقي. ومن ضمن ذلك كان الإتفاق على خطوة لحود، على أن تبقى شكلية في الوقت الحالي، أي بدون مفاعيل تؤدي إلى تقويض حكومة السنيورة، ولكنها قابلة للتطبيق في أوقات لاحقة إذا ما شعرت المعارضة بأن الأكثرية تسعى لتكريس الأمر الواقع ومحاولة شرعنته دولياً.بالمحصلة، فإنه لم يبق أمام المعارضة سوى القوة الشعبية الضاربة لحسم الأمر، لأن الجيش سيبقى قاصراً عن القيام بأية مهمة من شأنها التصدي للسلطة والمؤسسات التابعة لها. بل إن دوره سيبقى في إطار الحياد الإيجابي الذي يصب في خانة المعارضة من غير أن يشكل مؤازرة لها.بانتظار مؤتمر أنابولس في 72 من الشهر الجاري حيث السؤال المهم: هل سيتم حوار سوري أميركي مباشر؟ وهل ستتخلى الولايات المتحدة عن سياسة التهديد لسوريا كما حصل في إجتماعات أنقرة؟ حيث قالت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بأن على سوريا أن تمتثل لإرادة المجتمع الدولي في لبنان. ما يبدو حتى الآن أن هناك تطور في وجهة النظر الأميركية حول إيران وسوريا، وأن هناك نية لدى الإدارة بالرجوع عن سياسة التهديد والوعيد، وإلى ذلك الحين، فإن الأمور في لبنان ستبقى متحركة والرهان على تطور ما في الخطاب الأميركي تجاه كل من إيران وسوريا.لحسن الحظة أو ربما لسوئه، فإن مؤتمر أنابولس المزمع أطاح بإجراءات الرئيس لحود، فأتت صغيرة على قياس مستشاره الإعلامي.
Leave a Reply