على خلاف ما جرت عليه عادة الأعياد؛ التي تكون بمعظمها دينية أو قومية أو حتى وطنية، تلك الأعياد التي نحتفل فيها إما ابتغاء مرضاة الله أو خجلاً من تراب الوطن وبني القوم، وإذا استثنينا أعياد العواطف والمشاعر الانسانية كعيدي الام والحب؛ يظل عيد الشكر يمثل خرقاً لكل منظومة الأعياد التي يحنفل بها الناس حول العالم.
فهو الذي بدأ أصلاً على أيدي المهاجرين الأوائل كتعبير عن بهجتهم بموسم “الحصاد الاول” بعد عناء شديد كاد أن يزهق أرواحهم، ودعيت الى ذلك الحفل أفراد قبيلة “ماساسوت” من السكان الاصليين الذين مدوا لهم يد العون.
وتسامى فيه الطرفان على كل مظاهر العداء بينهما ليتشاركوا مأدبة واحدة تحت مظلة عيد واحد لا يمت لأي واحد منهما بصلة.
وكان البدء بكلمة الشكر..كلمة الشكر ذاتها التي نستسهل استعمالها يومياً؛ ابتداءً من موظفة “الكافيه” مع القهوة الصباحية، انتهاءً بموظفة “البنك” نهاية الاسبوع، والتي نقولها في معظم الحالات لانها جزءاً من آدابنا العامة؛ نفس الكلمة كانت عنواناً للعيد الجديد (وان تعمّد لاحقاً بدم قبيلة “الماساسوت” ذاتها).
عيد التجرد من الذات البشرية التي تترفع عن الشكر الخالص بكل أنواعه؛ هو العيد نفسه الذي يجمع الاميركيين على اختلاف أعراقهم وأديانهم، وحتى معتقداتهم وطبقاتهم؛ تراهم اليوم يخلعون كل أقنعة الماضي والحاضر، ويقطعون آلاف الأميال للاحتفال..
الاحتفال المتجرد من كل دموية التاريخ، من كل ظلام وظلم الدين.. من كل عقد الانسان.
وهكذا وبدون تعقيد لأي بساطة فطرية تنسى الأمة فرداويتها التي تشكل مصدر الهام للكثير من منتقدي اميركا؛ وتصر على الاجتماع تحت سقف الاسرة.. هذه الاسرة المهددة بالانقراض تحت التهديد المتزايد لمغريات الحداثة، والتراجع الملفت للقيم.
وعلى قدر مخالفة هذا العيد للأعراف، فإني سأخالف العادة وأتوجه بالشكر..
فشكراً لأول أسرة خالفت الأعراف واحتفلت بأول عيد شكر، وشكراً لكل الأسر التي سبقت إعلان الكونغرس يوم العيد في الخميس ما بعد السبت الاخير من نوڤمبر لايمانها بالعيد، وشكراً لكل الامة التي رسخت هذا العيد في ما بعد كعيد قومي نحتفل فيه بها؛ لانه لولا إيمانها بأهميته لم نكن لنجتمع اليوم حول مائدة الديك الرومي محاولين ترميم ما أفسدته الحضارة في أسرنا، بل كنا لنعتبره يوم عطلة ميمون..
وإمعانا في مخالفة العادة فالشكر كل الشكر يبقى للسكان الاصليين، الذين لولا مساعدتهم للمهاجرين الأوائل لما كنت من آكلي الديك الرومي اليوم.
Leave a Reply