تختلف فلسفات البشر وطرق فهمهم لأنفسهم واهتمامهم بتصور الآخرين عنهم، فبعض الناس يكسبون قوتهم على طريقة محمد علي كلاي، لا بسبب صلابة قبضاتهم وقوة لكماتهم، بل باعتقادهم بأنهم لطفاء ووسيمون. كان محمد علي يهدد خصمه ويجعله يتصبب عرقاً وهو يقول له: “أنا أحلى منك”، أو “أنا أكثر وسامة”، مدركاً بذكاء نادر قوة الجمال وسلطته!
والبعض الآخر من الناس، يكسب قوته على طريقة مايك تايسون الذي ينافس محمد علي كلاي على لقب أفضل ملاكم في التاريخ. اعتاد تايسون في الطريق إلى الحلبة أن يسأل نفسه “كيف يتجرأ هذا الشخص على أن يتحداني” بغرض استنفار مشاعر الغضب الداخلي وملء وجهه بعلامات القهر وعينيه بالشرر المتطاير.
وهكذا هم الناس منذ كانت الناس ومنذ كانت الحياة. بعضهم ينظر إلى النصف الملآن من الكأس (فيشربه ويستمع بذلك)، وبعضهم الآخر ينظر إلى النصف الفارغ من الكأس (فيرشق الماء ويحطم الكأس).
والبشر ينقسمون إلى مجموعتين كبيرتين، ناس مع هذا وناس مع ذاك. وبعضهم يغير موقعه بحسب الظروف والمصلحة وزاوية الكاميرا وقطعة الشوكولاه وطبيعة الجلسة.. وهكذا، وفي أحيان نادرة بحسب اكتساب الخبرة والتجربة.. والتقدم في السن.
ومثلما أن الخيول نوعان، فثمة حصان أمام العربة، وثمة عربة أمام الحصان (يعني أن الحصان خلفها)، كذلك البشر، فثمة أناس يجلسون أمام الطاولة، وثمة أناس يجلسون خلف الطاولة. وهذا لا يعني أن البشر يتماثلون مع الخيول، على الرغم من التاريخ المشترك والصداقة الرائعة التي عقدها البشر مع الأحصنة في تاريخهم المليء بالحروب والمجازر، ففي عالم البشر.. لا يوجد “بني آدم أسود”، أسوة بالحصان الأسود، الذي يكسب الرهان، لأنه وبكل ببساطة.. لا يمكن المراهنة على أحد.
وهذه الفكرة الأخيرة قد لا تعجب البعض، وقد تثير حفيظة البعض الآخر، وهؤلاء قادرون على إثبات رأيهم وابتزاز موافقة الآخرين عليه، ولو باستعمال آيات قرآنية في غير موضعها، مثل آية “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، فماذا نفعل إذا لم نكن نحفظ الآية الأخرى التي تقول “إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً بعوضة”.
والاستشهاد الخاطئ بالآيات القرآنية دارج في هذه الأيام، حتى ولو في سبيل تسويق زيت الزيتون. وقد قلت لأحدهم وهو يحاول إقناعي بمزايا الزيت وكم هو مبارك من الله سبحانه وتعالى، عبر الاستشهاد بالآية و”التين والزيتون وطور سنين”، قلت له: طيب لماذا لا تتاجر بالتين؟
فصمت الرجل قليلاً، وبدا كما لو أن أحداً دله على فكرة مدهشة!
ومن زواية منفرجة، نسأل: من يستفيد من الآخر: الموظف أم المؤسسة؟ الناشط العربي الأميركي أم المنظمة الخيرية غير الربحية؟ سينقسم الناس في الإجابة بالطبع على هكذا أسئلة، ولكن كم هم سيئو الحظ أولئك الذين ليس في حوزتهم نصوص مقدسة تحمي مؤسساتهم وأدوارهم ومواقعهم؟
وسواء كنت من الفريق الأول، أم كنت من الفريق الثاني، فدائماً “خلّي بالك من زوزو”!
Leave a Reply