مريم شهاب
على أثر ما استجدَّ من تحركات وتغيرات في الجو السياسي هنا في ديربورن خلال الأسبوعين الأخيرين وما تلاها من انفعالات وتأويلات، وعلى أثر التعليقات والتحليلات التي يجود بها المعلقون «السياسيون» والناشطون في كل وسائل الإعلام والإعلان حول ما يجري وما يستجد من أهوال ومفاجآت بعد الإنتخابات الأميركية وفوز المرشح «الفلتة» دونالد ترامب، دار الحديث في أحد المجالس حول «المواقف» التي يتخذها كثير من «الناشطين» في جاليتنا والمتنفعين الذين يعتنون «بالسياسة» وبالتجارة والمنتفعين الذين يشتغلون في القضايا العامة.
وكالعادة اختلف المتحدثون لاختلاف «مبادئهم» ووفق جهلهم بالموضوعات التي يتدارسونها، وكان أشدهم نفاقاً أكثرهم كلاماً وأشدهم غباءً أعلاهم صوتاً.
وكعادتي شردت طويلاً عن القوم ورحت أتأمل عصفوراً من خلال شباك إلى جانبي، وفكَّرت في أن أمضي إليه فأحادثه وأعرف رأيه في مختلف الشؤون والقضايا، وأسأله عمَّا إذا كان يرغب في أن يشارك نشطاء الجالية وكبارها في التعليقات الإعلامية والموضوعات السياسية من أجل المصلحة العامة. ولكن القوم، ومعظمهم من أهل الوجاهة وآكلي أموال العامة، قضوا على شرودي السعيد الذي أعيشه في المجالس التي يكون فيها ناس لا يعلمون ولا يعملون، فقط يتكلمون ولا يسمعون لبعضهم.
ألحُّوا عليَّ في أن أقول رأيي في الآراء والتعليقات التي يجري تداولها في أوساط الجالية من قبل الذين يحترفون الكلام في الأحوال والأموال. وأنا شخصياً اتضايق من الإلحاح وأحاول التنصل من مثل هذه الأجواء، لأن رأيي مثل رأي الكثيرين، من يسمعه؟ ورغم ذلك قلت رأيي بصراحة بينما نظري وفكري لا يزالان عند العصفور الطيب الفهيم الذي ينطنط على الأرض وعلى الشجرة دون أن يكون عليه حضور هكذا اجتماعات «تفنيص» ومعرفة من اجتمع بمن ومن تعشى مع من، في عشاء تكريمي لأحدهم وإحداهن وتبادل دروع الترحيب والتكريم.
من المستفيد من هذه الاجتماعات والتحليلات؟ هل هم الناس البسطاء المستورون؟ أم هي من أجل تأمين مزيد من الأموال لأصحاب المال والزعامة الدينية والدنيوية، الذين يؤلفون سلسلة مترابطة من عناصر الظلم والقهر والفساد والإفساد وأكل المال العام وتقبيح وجه الجالية. ماذا يهم الإنسان العادي سواء جاء ترامب أو ذهب أوباما؟ ماذا قدَّم المركز العربي الأميركي للخدمات الاقتصادية والإجتماعية (ACCESS) باسمه الطويل العريض للجالية، وهو الذي تأسس منذ خمسين سنة على تبرعات وهبات حكومية باسم هؤلاء الناس، فماذا قدَّم لهم إذا كانت كل خدمة يوفرها للناس مدفوعة الثمن، وعلى الفقير والمحتاج لها الانتظار ساعات طويلة رغم وجود موظفين فيه أكثر من المراجعين، وبعضهم –أي الموظفين– يعاملون الناس بفظاظة وقلة احترام. حاشية موظفين من أقرباء المدير وزوجته وحماته. هذا قريب ذاك وتلك قريبة تلك دون خدمة مفيدة ملموسة في الواقع.
خمسون عاماً في خدمة الجالية! أية جالية وأية خدمات؟ هل ترجمة وثائق وعيادة طبية هزيلة تسمى خدمات؟ أم عيادة «بيت الأمل» لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وما نسمعه عن الخدمات الرديئة والمعاملة السيئة، هل هذا كل ما تحتاجه الجالية؟ عيب على مركز صار عمره خمسين عاماً ولم ينشئ على الأقل صندوقاً لدعم أولاد الجالية الذين لديهم طموحات للعمل أو الدراسة!
عيب على وجهاء الجالية ونشطائها إقامة المآدب والتكريم لمن هب ودب وإهدار المال على الأطعمة والأشربة الفاخرة ورميها في الزبالة والكثيرون والكثيرات من أبناء جاليتنا ليس لديهم مأوى في هذا البرد القارس. ما المانع من شراء أو بناء مبنى فيه بعض شقق تأوي بعض من انقطعت بهم السبل في ديربورن؟ أنتم المجتمعون سوف تذهبون بسياراتكم الحديثة إلى بيوتكم الفخمة دون أن تدروا كم هناك من البائسين في وسط الجالية.
قبل استعراض الآراء والتحليلات عن المرحلة القادمة ورئاسة ترامب، ابدأوا بإصلاح مؤسساتكم واسألوا الكبار فيها من أين لكم هذا الثراء المفاجئ؟ ليتواضع القليل منكم ويزوروا بيوت المسنين العامة (Public Housing) ويروا ويسمعوا عن بعض الحالات المنسية البائسة فيها، ومحاولة تجهيز مكان مريح وكريم يليق بشيخوختهم. لا أدري إن كان هذا الكلام سيجد طريقه للنشر.. وللحديث بقية.
Leave a Reply