يلتمس الكثير من الناس العذر لمن يقف مع نظام الرئيس اليمني في داخل الوطن، فالفقر والجوع والإلتزامات الأسرية تدفع البعض لمجاملة النظام حتى يأتي الفرج. ولعل الإستشهاد بمن يتواجدون في ميدان التحرير في العاصمة صنعاء، خير دليل على ذلك، فالتقارير تشير إلى صرف عشرات الملايين من الخزينة العامة من أجل بقاء من في الميدان وإخراج المتظاهرين في بعض المحافظات. وهذا الكلام يعني أن القناعات عند من يخرجون لتأييد النظام معدومة تماما والمصلحة الآنية هي الغالبة في تصرفاتهم، بعكس ردة الفعل الأخرى والتي تشهد خروج الناس بدون مصلحة خاصة وبقناعة كاملة تصل للإيمان بالتضحية بالنفس والمال في سبيل تحقيق ما يسعون لتحقيقه. وهنا بالتحديد يصدق القول السياسي بأن عشرة آلاف متظاهر ضد أي نظام أهم وأثقل من مليون متظاهر معه، لأن العالم يعلم جيدا كيف تدفع الأنظمة الناس للخروج.
في المهاجر وفي مواطن الغربة، ينظر الناس لمن يقفون اليوم بالذات مع النظام اليمني باشمئزاز وسخرية، ولا يلتمسون لهم عذرا في تأييدهم المنسوب حسب رؤية الناس للمصلحة الشخصية، فأن تكون في وطن آخر منحك العيش بكرامة وشرف وحرية ثم تصمم على وضع نفسك في خانة العبودية وتحقير الذات على حساب وطن وشعب كامل، فالأمر يتعلق بأنك تتلذذ بإهانة ذاتك وإعلان خلوك من أي معايير أخلاقية متعارف عليها.
الولايات المتحدة الأميركية التي يتواجد فيها مئات الآلاف من اليمنيين وينتشرون في العديد من ولاياتها، منحت اليمنيين معاني الحرية والعدالة والمساواة، وصرفت لهم الحقوق الدستورية كسائر المواطنين في أميركا، ولهذا يمارس اليمنيون أنشطة سياسية هامة ومؤثرة بدون حرج قانوني، بل على العكس يجدون من صناع القرار آذانا صاغية ومستمعة، لكن البعض، وهم قلة قليلة لا يمثلون أي ثقل حقيقي، يصممون على التغريد خارج السرب الوطني دونما أي مبرر وفي أغلب الأحيان بدون الحصول على الثمن.
مع تطور الأحداث في الوطن اليمني الأم، سارع المهاجرون للتواصل والتحاور حول الأسلوب الأمثل للوقوف مع الشارع اليمني ونصرته، فكانت ولاية ميشيغن السباقة للخروج والتظاهر والتواصل مع مراكز القرار، ثم نيويورك وكاليفورنيا وشيكاغو والعاصمة واشنطن وأتلانتا، وكلها شهدت أحداثا تدعم وتؤيد حركة الشارع اليمني. والواضح ان تلك الأنشطة لقيت قبولا واستحسانا في الداخل خاصة أن الإعلام منحها مساحة واسعة وأوصلها للشارع اليمني لتمنحه زخما كبيرا وروحا معنوية رفعت من حماسه.
وهنا يجب توضيح نقطتين في غاية الأهمية:
الأولى، تتعلق بمن يمول الأنشطة التي يقوم بها المهاجرون، ولنسف إشاعات موظفي الأمن القومي يجب التأكيد أن التبرعات من المهاجرين هي الممول الوحيد لتلك الأنشطة، ولعل الإشاعات تحاول تخفيف التجاوب الكبير مع النشطاء في صفوف الجالية، خاصة عندما يطرح أولئك مسألة أن تلك الأنشطة تحتاج إلى الآلاف من الدولارات وليس بمقدور المغترب القيام بها، ونحن في أميركا.. فالتصريح والشعارات واستئجار المعدات اللازمة للمظاهرات ودعوة وسائل الإعلام تحتاج لتمويل كبير، والواضح أن أولئك لم يعلموا أن المغتربين يستصغرون كل ما يقدمونه وهم يرون أهلهم وشعبهم يقدم الأرواح والدماء في سبيل إسقاط نظام الفوضى والتخلف والفساد.
النقطة الثانية: تتمثل في التواصل مع مراكز القرار والمنظمات الحقوقية العاملة في أميركا والتي يستخدم عملاء الأمن القومي لفظة “الخيانة” في وصف النشطاء، وهنا تكمن عظمة القوانين الأميركية التي تتيح للأميركيين من أصول مختلفة المشاركة في ما يحدث في بلدانهم الأصلية بوطنية عالية تصل أحيانا قول بعض الناشطين نريد منكم وقف الدعم عن النظام ونرفض التدخل في شؤوننا الداخلية. والمفارقة الأكثر من رائعة في هذه النقطة أن الولايات المتحدة الأميركية تطلب من الجميع أن يكونون مواطنين صالحين، وعندما تمنح جنسيتها لأحد ما، تراجع تاريخ وجوده في أرضها ولو ثبت قيامه بأي عمل مخالف حتى في التعاون مع أجهزتها، بشكل غير قانوني، ضد شخص ما يقيم في أميركا فيتم سحب أوراق إقامته وترحيله إلى بلده الأصلي. ولعل عملاء الأمن القومي لا يدركون مدى فداحة وخطورة ما يقومون به، فالقانون الأميركي يحرم التجسس على المواطنين ورفع التقارير ضدهم إلى أي مكان، ومن ثبت عليه ذلك تكون عقوبته السجن لخمسة عشر سنة أو أكثر.
خلال الأيام الأخيرة، وصلت توجيهات من النظام اليمني بضرورة إخراج المغتربين للمظاهرات وإعلان مواقفهم المحبة للرئيس، وعند إكتشاف تجاهل المهاجرين لتلك الدعوات بل والسخرية منها، وصل الحال لدرجة عرض ألف دولار لمن يخرج في نيويورك (راتب إسبوعين كاملين)، ومع ذلك لم يتجاوب أحد فالأمر يتعلق حسب قول من هناك بالكرامة وشرف كلمة، فخرج قرابة عشرين إلى ثلاثين شخصا، يقودهم إبن يحيى محمد عبدالله صالح (إبن أخ الرئيس) وشخص مجهول يصف نفسه برجل الأعمال يدعى مهيب عامر. ومع ذلك تحدث الإعلام الرسمي عن تظاهرة حاشدة تدعم الرمز والقائد و.. ألخ. وللتوضيح فقط ولإثبات أن “البلطجة” ماركة مسجلة بإسم الجهلة والمنتفعين، فقد خرج أولئك يوم أن تظاهر المئات من أبناء الجالية في نيويورك مطالبين بسقوط النظام وحاولوا الدخول في المظاهرة وإفسادها فاعترضتهم الشرطة وطردتهم محذرة من أن بقاءهم سيدخلهم السجن.
وفي ولاية ميشيغن، لم يكن هناك حديث سوى عن المظاهرة الأولى للجالية والتي رفع فيها الشعار الخالد “الشعب يريد إسقاط النظام”، فقد كانت نوعية في كل شيء، العدد الكبير رغم الثلوج والبرد الشديد، تواجد المرأة، إلى جانب التغطية الإعلامية والتنظيم المميز. ويبدو أن ذلك أثار جنون السلطة فدفعت البعض للعمل على إخراج مظاهرة أخرى، وكان السبت الماضي (٥ مارس)، موعدا لها امام مبنى المجلس البلدي في مدينة ديربورن، وقبل القيام بها طاف من وكل إليهم إخراج الناس أحياء الجالية وحاولوا بقدر الإمكان جمع أكبر عدد ممكن، وعندما فشلوا لجأوا إلى خطة إعلان تأييد مبادرة العلماء في محاولة منهم لجمع المغتربين، ومع ذلك لم يستجب أحد وكان “سبتهم” فضيحة بكل المقاييس. وبرغم تقديرات أبناء الجالية للمتظاهرين الذين بلغ عددهم ما بين عشرين وثلاثين فقد رفعت صحف الولاية المحلية (الأميركية) “معنوياتهم” وعنونت الحدث ساخرة منهم بالقول “إن خمسين شخصا خرجوا للتظاهر ضد المظاهرات في وطنهم الأصلي”!
لم يعد أحد قادر على الكذب هذه الأيام سوى من لعنهم الله والملائكة والناس أجمعين، فزمن التكنولوجيا الحديثة يجعل الكاذب يفكر ألف مرة قبل أن يكذب، لكن الإعلام الحكومي لا يؤمن بذلك ولا يراعي أبسط القواعد المهنية، فليس من العيب أن تقول أن ثلاثين شخصا خرجوا لإعلان تأييدهم للرئيس ولكن العيب أن تقول أن الآلاف خرجوا وتوافدوا من كل الولايات الأميركية.
وقبل أن نشير إلى ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية يجب مشاهدة شريط مصور لمظاهرة السبت المؤيدة للرئيس في ولاية ميشيغن، وهو شريط صوره مهاجر عادي وأنزله في موقع “يوتيوب” تحت عنوان “فضيحة أنصار الرئيس اليمني في أميركا”، وهو أبلغ رد على الكذب والنفاق وانعدام معايير الكرامة عند أنصار الشيطان.
كما يمكن الإطلاع على بعض المواقع الإلكترونية الرسمية والمتحالفة مع النظام، لمعرفة مدى التلفيق والتزوير والاستهتار والنفاق في تزييف الأخبار وتغطية تظاهرات اليمنيين الأميركيين الداعمة للنظام.. وكلها صفات رافقت الخطاب الرسمي لعقود من الزمن، ولكنها الآن لم تعد تنطلي على أحد. فهل من معتبر!
Leave a Reply