الاعترافات المدوِّية التي أدلى بها حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير خارجية مشيخة قطر السابق ورأس الفتنة والحربة في العدوان على سوريا، ليست صحوة ضمير تتم عادةً بعد الخروج من السلطة كما يحدث مع رؤساء أميركا مثلاً، فالسلطويون العرب ليسوا بهذا الرقي عدا عن موت ضمائرهم. إلاَّ أنَّ الذي تفوّه به حمد هي حقائق اضطَّر لسَوْقها لكي يدفع الخطر عن بلده المُحاصر من قبل بني سعود وأتباعهم!
والظاهر أنَّ «التمسحة» ضاربة أطنابها عند الجميع فلم يُحدِث كلام بن جاسم أي أثرٍ يُذكَرْ رغم خطورة ما كشفه، وربَّما المخفي أعظم، فهل سمع أحد ما تقيأ به هذا السياسي المتآمر هو ومشيخته التي كانت تتحكَّم بالجامعة العربية المقبورة وبلجان التحقيق الدولية وبالحملات العسكرية والسياسية والدعائية الجائرة ضد سوريا وتؤمِّن الدعم المالي واللوجستي والتسليحي للجماعات الإرهابية التكفيريَّة المجرمة التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من الشعب السوري وحطَّمتْ وطنه وشرَّدَتْ أهله في كل أصقاع الأرض؟!
لقد أقر بن جاسم ان قطر بالتكافل مع تركيا والسعودية وأميركا والأُردن والإمارات كانت تقدم الدعم للسفاحين منذ عام 2007 أي بعد هزيمة إسرائيل في لبنان عام 2006، ممَّا يؤكد المخطَّط المعروف بمعاقبة وبشيطنة المقاومة لأنها هزمت العدو عبر ضرب دمشق عامودها الفقري. كما اعترف حمد أنَّ بلاده أمسكت بالملف السوري بتفويض تام من بني سعود و«واشنطن أوباما» وربَّما هذا سبب اتِّهام ترامب لأوباما وهيلاري بخلق «داعش»، وكانت هناك غرف عمليات مشتركة تضم الدول السالفة أعلاه إضافة إلى إسرائيل والمغرب وفرنسا وبريطانيا وأنه تم رصد ستة أقمار اصطناعية لغرفة العمليات في قاعدة «أنجرليك» الأميركية في تركيا وأنَّه أُنفِق على هذه الحرب حتَّى الآن 137 مليار دولار، كما أن الانشقاقات داخل الجيش السوري والسياسيين تمت بالرشوة عبر مبالغ مالية هائلة. ولكن الأخطر في كلام بن جاسم أنَّ الحريري لعب دوراً كبيراً في الحرب على سوريا عبر عقاب صقره وكذلك نجيب ميقاتي عبر أشرف ريفي، والمهزلة أنَّ «قرطة حنيكر» وبقايا «14 بركيل» ومعهم «أبو خشب»، يحملون على المقاومة لتدخلها في سوريا!
وفي إقرار بوحشية بلاده ومن فوّضها لتدمير سوريا، كما دمروا ليبيا والعراق من قبل، أكد حمد أنَّ المتآمرين على سوريا «تهوشوا» على الطريدة لكنَّها أفلتت منهم. أي أن الصيادين المتوحشين كالحيوانات الضارية تنازعوا على الغنيمة وهي مازالت حية حتى أفلتت منهم!
ولم ينس حمد أنْ يُذكِّر أن الأمور عندما تغيرت بالنسبة لدعم الإرهابيين بعد انتخاب ترامب لم يبلِّغ بني سعود وكلاءهم القطريين بذلك فتركوهم في نصف البئر متهمين إياهم بالإرهاب ومحمٍّلِين إياهم فقط كل المسؤولية مع أنهم معاً «دفنوا الشيخ زنكي سوياً» كما يقول المَثَل!
وتستأهل الدوحة ما جنته أيديها في سوريا و«الخير لقدام»، أمَّا مملكة الوهابيين فمستمرة بالمكابرة ومحاولة التبرؤ من دعم الإرهاب من دون طائل لأن الإرهاب والوهابية صنوان لا يفترقان وما «داعش» إلاَّ نتاج هذا الفكر الظلامي الجاهلي البربري المتخلف بدليل مواصلته في قتل الأبرياء كما فعل ذلك الأوزبكي الداعشي المجرم مؤخَّراً في نيويورك عندما قتل دهساً ثمانية أشخاص!
وكما لا يوجد سبب عقلي أو حتَّى متخلف لاعتداءات السفَّاحين الدواعش، كذلك لا عقلنة في سياسة بني سعود بتاتاً– هذه السياسة التي تتخبط خبط عشواء في عهد محمَّد بن سلمان و«زعطوطه» وتنتقل من هزيمة إلى أخرى من اليمن والبحرين والعراق وسوريا حتَّى لبنان. وآخر ما أتحفتنا به سياسة بن سلمان هو استدعاؤه على عجل لرئيس حكومة لبنان سعد الحريري للمثول أمامه. وقد استغرب كثيرون كيف يسمَح سعدو بإهانته فيلغي كل مواعيده ويطير للرياض بإشارة من أصبع مُعلِّمه، ولكن العجب هو في هذا الاستغراب، فالحريري مواطن سعودي قبل أن يكون لبنانياً وعليه أنْ يلبِّي مطلب بلده الأول!
المهم أنَّ عنوان الزيارة كان «تطيير» المقاومة من حكومة الحريري لكن الهدف غير المُعلن هو إبلاغ بن سلمان للحريري عن خطة سريَّة بضرب واستئصال المقاومة في عُقر دارها في الضاحية وذلك على طريقة تحذيرات السيِّء الذكر بشير الجميِّل للمناطق الوطنية في لبنان قبل الغزو الإسرائيلي عام 1982 حيث تبيَّن لاحقاً أنَّه كان من المتواطئين والمُخطِّطين والمشاركين فيه مع العدو.
ربَّما استند بن سلمان إلى «استخبارات» المُغرِّد الإعلامي الصهيوني جيري ماهر التي رصدت تململاً في الضاحية بعد إزالة المخالفات في حي السلم وتفوُّه بعض الطفيليين والطفيليات بعبارات حادة ونابية تشبههم، بحق سيدهم وشرف زمانهم، رغم إنهم من المتطفلين أو أصحاب الأموال الضخمة الوسخة ولا علاقة لهم بفقراء وشرفاء حي السلم (وهم لاحقاً اعتذروا بشكل فائض على قلة أدبهم وعباراتهم السوقية). ورغم أنَّه في كل مجتمع تجد شواذاً وخفافيش ليل وجردان لكن جيري والزعطوط السبهان (الذي خلَّده السيِّد نصرالله بهذا اللقب «المهذَّب» الذي لبسه لبساً ولن يتمكن من التخلُّص منه حتَّى الموت)، صوَّرا لمعلمهما، التواق لنصر ما، وجود ثورة حقيقية في الضاحية وأن الرؤوس قد أينَعت وحان قطافها، لذلك حسب التقارير الأمنيَّة دفع بن سلمان لتل أبيب مليارات الدولارات لضرب مواقع المقاومة داخل لبنان وبالأخص في الضاحية على أساس أن حال النَّاس هناك مثل حالهم خلال التنظيمات الفلسطينية قبل 1982. ولكن الذي حصل وما لا يفقهه بن سلمان هو أن إسرائيل لا يهمها لا السعودية ولا كعبتها، بل مصلحتها العليا فقط، لذلك قبضت وضربت في.. ريف حمص.
فإسرائيل المردوعة من المقاومة لو بدأت حرباً على لبنان بتمويل مليارات بني سعود، ستكلفها مليارات أكثر من كل ثرواتهم ونفطهم عدا عن الخطر الوجودي على كيانها، لذلك قرر نتنياهو (لم لا؟) الاستفادة من الأموال السعودية و«الزمجرة» الاستعراضية فوق الأراضي اللبنانية لضرب مواقع صناعية غير معروفة في سوريا من دون الوقوع في فخ الحرب المفتوحة لأن نتنياهو وغيره يعرف أن الضاحية ذلَّت سيديه بيغن وشارون وغيرهما من قادة وعتاة الصهاينة، وإسرائيل التي كانت «الآيل الطايل» في المنطقة تبني اليوم جداراً لها عند حدودها مع لبنان لحمايتها من الرياح الشمالية!
لقد خاب ظن بن سلمان لأنه خطِّط لتخليص مواطنه سعدو من المقاومة قبل أن تحط طائرته في مطار بيروت لكن حجم التوقعات انخفض إلى غارة مبهمة على حمص، فلم يجنِ سعدو إلاَّ صورة سيلفي مع الزعطوط السبهان وصورة أُخرى مع بعض المُعجبات يوم الأربعاء سائلاً إياهن «بكرا شو؟» فأجبن بمرح «بكرا الخميس» وبدأن بترديد أغنية «هلا بالخميس»، ممَّا يدل على أن سعدو «بعدو على عهدو» وأنه مثل الكل تصله فيديوهات «هلا بالخميس» على الواتساب!! لكن خميس سعدو كان «فالصو»!
سعدو بعدو سعدو ولو حكم بلدو!
Leave a Reply