مريم شهاب
ترشّح مرةً ألكسندر سرسق، من أسرة آل سرسق اللبنانية الثرية، لعضوية مجلس النواب عن دائرة البقاع بالرغم من بيروتيته. وخلال حملته الانتخابية جُمع له حشدٌ عريض فوقف يخطب فيهم مستهلاً كلمته بقوله: «ليعذرني الإخوان إذا ما لحنت في الخطاب، لأني نسيت النحو». فكان بين الحضور مطرانٌ معروف بسرعة خاطره ونكاته اللاذعة، فقال له: إنت شو بدّك بالنحو، اعتمد على الصرف وأنا ضامن نجاحك!
هل المال هو «الدينامو» الأساسي في الانتخابات، سواء في أوطاننا العربية أو هنا في الولايات المتحدة؟ هذا ما نراه عندما ننظر إلى المرشحين للرئاسة الأميركية هذه الأيام، إذ تجدهم من الراسخين في السن وفي الثراء وشهوة الزعامة. ولكن للعمر أحكامه أيضاً. ومهما حاول الإنسان تزوير المظاهر بغرض إخفاء العمر سواء بصبغ الشعر أو بالشد وحقن البوتوكس، فإن النظر في المرآة لا يسر الخاطر، فالمرآة لا تعرف «الستر»، وكلما أمعنت النظر فيها بانت لك الحفر والمطبات في التجاعيد والترهلات حول العينين والشفتين وعلى الخدين والرقبة…
لا شك أن المرشحين للرئاسة الأميركية يمتلكون من المعرفة والفهم وتراكم المعلومات والخبرات عبر سنوات طويلة من العمل السياسي أو الاقتصادي، غير أن معظمهم يعاني من كوكتيل من المشاكل الصحية، مثل سوء الهضم وآلام المفاصل والانزلاق الغضروفي وارتفاع الضغط والسكري واضطرابات القلب. أي أننا سنكون بحاجة إلى فريق متفرغ من الأطباء لمتابعة الحالة الصحية لرئيسنا القادم، على مدار الساعة.
ربما المال هو عصب الانتخابات فعلاً، لكن صحة المرشح أهم بكثير، فالولايات المتحدة، هذه البلاد الواسعة الشاسعة، تستأهل رئيساً في عمر وقدرات بدنية مناسبة لتحمل المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتقه.
تثير استغرابي تلك الحمى لصرف المال والجهد الجسدي والنفسي للوصول إلى موقع القرار. هل هو حب الخدمة أم نزعة بشرية إلى السيادة والزعامة حتى ولو في آخر العمر.
لكن ما يثير استغرابي أكثر، هو المشهد المضحك المبكي لنا نحن هنا في ديربورن، حيث ينشغل ناسنا بالأخبار والتحليلات والنقاشات بين أنصار المرشحين المتنافسين: هذا معنا وذاك ضدنا! هذا مع حقوق الفلسطينيين وذاك «إسرائيلي للعظم»! أما ماذا عن برنامج ورؤية كل مرشح لمستقبل البلاد التي نعيش فيها، فأمر لا يستحق الاهتمام والمناقشة.
هذا، مع أنه في زمن الانتخابات علينا أن نشعر بأميركيتنا أكثر من أي وقت آخر، فالجميع مهتم بأصواتنا ولا تنقطع عنا الاتصالات الآلية عبر الهاتف أو الرسائل الملونة بالأزرق والأحمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإعلانات التي لا تنقطع صباحاً ولا مساءً وهي تستجدي أصواتنا.
وفي النهاية، سواء فاز بالانتخابات الجمهوريون أو الديمقراطيون، سنعود نحن العرب الأميركيون إلى الهامش والصفوف الخلفية، وكذلك قضايانا، رغم أننا نعمل ونملك المال والقدرة على التأثير والتغيير، ولكننا نفتقد عقلية التكتل ونتقن فن التشرذم والتفتت لأبسط وأتفه الأسباب، ولذلك لن نجد لنا اتحاداً أو زعامة حقيقية لها رؤية واضحة فخورة بتراثنا وعملنا كمواطنين أميركيين فخورين.
Leave a Reply