مريم شهاب
رمضان يمضي، ونحن نمضي. لكنه يعود وأما نحن فقد لا نعود. منذ رمضان الفائت، كم فقدنا من الأحباء والأعزاء؟ هو عاد ولكنهم لم يعودوا. تمر أيام رمضان الأخيرة هذه السنة وتمضي لياليه، لكنه حتماً سوف يرجع العام القادم، فهل نحن راجعون؟
في زحمة هذه الحياة، ماذا علينا لو خطفنا لحظات لنتأمل فيها أنفسنا من الداخل ونكشف عن دواخل قلوبنا ومواطن نفوسنا التي بتنا ماهرين في إخفائها عمن حولنا؟ في هذه العجلة من الزمن، أغلبنا بحاجة إلى لحظة تأمل قصيرة ومراجعة ذاتية صادقة: ماذا فعلت منذ رمضان الماضي؟ هل تعمقت في مفهومه الروحي والرسالة التي يحملها إلينا كل سنة؟ هل أمدني بطاقة روحية إيجابية على مدار العام، بدلاً من الرحمة والتعاطف الموسمي على سبيل الاستعراض والتفاخر؟. وهل ألغى رمضان العقلية التجارية التي تقيس الحياة بميزان الربح والخسارة حتى إلى أقرب المقربين إلينا؟ هذه العقلية الجامدة التي تُسقِط من حساباتنا كل من لا نترجى فائدة ومنفعة منه، على المدى القريب..
هل يؤثر رمضان مثلاً، في اللامبالاة التي يتحصن وراءها الكثيرون مِنَّا، فلا يتعاطفون مع أهلهم وجيرانهم ولا يحسُّون بمعاناة أقربائهم ولا يتأثَّرون بما آل إليه حال إخوتهم، من منطلق أن لكلٍّ همه ومشاغله في زحمة الحياة، فلا تكون حفلات إفطارات شهر رمضان إلَّا مجاملات خالية من الصدق والحرارة وقيم الرحمة والتواصل والمحبة الأخوية..
رمضان يأتينا كل سنة كتذكرة، إضافة إلى كون الصيام ركناً تعبدياً، وهو أيضاً يأتينا كتنبيه لكي نستغل أيامه بالعبادة، ونرسي في لياليه دعائم المحبة وتأصيل روح الأخوّة بين المقربين والتغلب على المشكلات والخلافات العائلية التي مهما كبُرت تظل صغيرة وتافهة في خضم حياة شاقة وحافلة بالصعوبات. يستحق الأمر أن نحاول توفير ساعات أخرى من سلة الوقت الفائض طوال السنة ونجعل رمضان فرصة حقيقية لتصفية القلوب وتنقية الضمائر ومحاسبة النفوس، فقد يعود رمضان ونحن قد لا نعود معه.
يشكو بعض رجال الدين من شباب ديربورن، يفضّلون سهر ليالي رمضان في المقاهي والنوادي والأماكن الترفيهية التي تفتح ليلاً خصيصاً لهذه المناسبة العظيمة، بدلاً من الذهاب إلى المساجد ودور العبادة المنتشرة عند كل ناصية. وتنقل وسائل التواصل الاجتماعي صور الحشود الغفيرة وأغلبها من الشباب في التجمعات الرمضانية الليلية التي تمتد حتى الصباح وخاصة في نهاية الأسبوع، بينما الحضور في المراكز الإسلامية متواضع جداً جداً.
لا يمكن إلقاء اللوم على هؤلاء الشباب والشابات، بل يقع اللوم على بعض رجال المنابر الدينية الذين لا يستغلون الشهر الفضيل للتقرب إلى هؤلاء الشباب، الذين تجدهم.. كما قال سعيد صالح في مسرحية «العيال كبرت» «أنا جاهز للانحراف بس عاوز اللي يوجّهني».
والانحراف ليس بالضرورة أن يكون أخلاقياً، بل يمكن أن يكون انحرافاً عن المثل والقيم. فلو أن الخطاب الديني يقترب قليلاً إلى هذه العقول الشابة حتى لينحرفوا نحو التدين الروحاني.
Leave a Reply