من الأمور الجيدة هنا، في بلدنا العظيم أميركا، هو إطلاق حملة توعية صحية كل شهر من شهور السنة، حول داء أو مرض معين، حيث تركز وسائل الإعلام والإعلان للإضاءة على المرض وسبل الوقاية منه ومعالجته.
مثلا، هنالك شهر مخصص لأمراض القلب، وآخر لأمراض الشيخوخة، وثالث لأمراض الضغط، ورابع لداء السرطان، إضافة لشهور أخرى للأمراض الجسدية والنفسية التي تزداد شراستها بالرغم من التقدم العلمي والبحث الطبي ووفرة الأدوية، حيث تقدم اللقاحات الدورية والفحوص المتقدمة باستخدام الأجهزة الذكية التي تعتمد على الليزر والتصوير المقطعي (كت سكان) والرنين المغناطيسي.
وشهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، هو شهر التوعية بمرض السكري الذي يعاني منه الكثير من البشر، وحتى بعض الحيوانات الأليفة، وينقسم المصابون بمرض السكري إلى فئتين من المرضى.
يعاني بعض الأشخاص، ممن تخطوا سن العشرين من الإصابة بمرض السكري من الفئة الثانية، وهذا النوع يمكن السيطرة عليه عبر الالتزام بنظام غذائي متوازن، وتناول بعض الأدوية وممارسة التمارين الرياضية لحرق الزائد من مادة السكر التي تدخل الجسم عبر الأكل والشرب، حيث يعجز البنكرياس، وهو العضو المسؤول عن إنتاج مادة الأنسولين للتخلص من السكر الفائض عن الحاجة.
أما النوع الأول من مرض السكري، فهو من أخبث الأمراض قاطبة، كونه يصيب الأطفال حديثي الولادة والمراهقين حتى سن الثامنة عشر، حيث يكون جهاز المناعة عند الطفل سبباً مباشراً للفتك بالبنكرياس وتعطيله نهائياً عن إنتاج الأنسولين.
مريض السرطان أو الإيدز أو القلب وغيرها من الأمراض الخطيرة، قد يشفى منه المصاب أو يموت، لكن الطفل المصاب بالسكري، عليه العيش مع هذا المرض طوال عمره في خوف وحذر، هذا عدا عن معاناة الأهل من مراقبته ليل نهار وعلى مدار الساعة خوفاً من ارتفاع أو انخفاض السكر في دمعه. إنها معاناة.. لا بل عذاب لا ينقطع حين يعجز الإنسان عن التأقلم مع الصبر والاحتمال والسهر لمراقبة وقياس وتعديل نسبة السكر عند الطفل الذي يجب أن يوخز أصبعه بدبوس خاص لقياس مستوى السكر في دمه وحساب وحدات الكربوهيدرات وأخذ الكمية المناسبة من الأنسولين قبل أن يأكل أو يشرب ولو القليل جداً.
داء السكر قديم، وكان مصير المصاب به هو الموت المبكر أو العيش على الأعشاب البرية، أما حالياً فقد تقدم الطب وزاد تفشي المرض. وتلقيح الأطفال بالمضادات المختلفة تعزيزاً لمناعتهم ضد بعض الأمراض قد ينتج عنه بعض التضارب مع جهاز المناعة المرتفع عند الأطفال فتفتك بالبنكرياس ويبدأ مشوار المعاناة الطويل والممض والإحباط ودوامة القلق التي لا تنتهي.
الآن، يتم تركيب مضخة أنسولين ووصلها بأنبوب ينتهي بأبرة حادة تغرز في جسد الطفل الذي يبكي لشدة ألمها، يجب تغيير مكان غرس الإبرة مرتين في الأسبوع على الأقل لضمان وصول الأنسولين إلى كافة أنسجة الجسم. جهاز آخر يغرس في عضلة الفخذ، مبرمج على هاتف ذكي خاص كإنذار مبكر لنسبة السكر في دم الطفل الذي قد لا ينتبه خلال لهوه مع أقرانه وقد يغش بالأكل حين يجد نفسه ممنوعاً عن الاستمتاع بما يأكل أهله ويشربون. وقد يخطئ بأخذ حقنة زائدة من الأنسولين، وتحصل الكارثة إذا نزل معدل سكر الدم دون أن ينتبه أحد، خاصة في الليل، عندها قد تكون العاقبة وخيمة لشبكة العين والكلى والقلب والدماغ والأعصاب.
أتمنى أن يقرأ هذه الكلمات من يتذمرون من الحياة بدون مبرر. تخيل مدى معاناة طفل صغير بريء بداء السكري من النوع الأول، إلى جانب عذاب أهله المستمر كل لحظة والإحباط الذي يخيم على العائلة رغم كل وسائل العلاج والمساندة النفسية من الأطباء والممرضين، تستمر الحياة مع ذلك المرض مريرة وقاسية إلى الحد.. الذي لا يتصوره أحد!
Leave a Reply