خليل رمَّال
خطة اخراج مدينة ديترويت من الإفلاس وعبء الديون، جارية على قدم وساق والأمر الان متروك لرئيس البلدية والمجلس البلدي للقيام بالخطوات العملية.
وفـي الأسابيع الماضية لقي خبر «ولادة ديترويت من جديد» رواجاً كبيراً فـي الاعلام المحلي الأميركي والدولي. فمجلة «تايم» خصصت فـي عددها الأخير صفحات للحديث عن عودة ديترويت كعاصمة لصناعة السيارات وسردت تاريخها المجيد عندما كانت «معقلاً للديمقراطية» والمدينة التي زودت أميركا بالصناعات الثقيلة فـي الحرب العالمية الثانية مما يوحي بوجود تغيير فـي «الجو» الإعلامي الاميركي تجاه ديترويت.
وإذا كانت جهود محكمة الإفلاس وقيادة البلدية والولاية يُثنى عليها فلا يجب نسيان دور رجال الأعمال والمواطنين من عرب أميركيين وكلدان الذين آمنوا بديترويت وصمدوا فـيها ودفعوا أغلى الأثمان من أرواحهم والممتلكات من اجلها ولم يهجروها كالآخرين ويتخلوا عنها فـي أحلك الظروف عندما كانت تحتضر مادياً واقتصادياً واجتماعياً! لقد راهن العرب الأميركيون والكلدان على ديترويت وربحوا الرهان وأثبتوا أنهم جديرون بالرهان عليهم والثقة بهم.
لكن القيادة الحالية كسابقتها مستمرة فـي استعداء مكون تجاري أساسي مهم ساهم سابقاً ويساهم حاضراً فـي اعادة نهضتها الإقتصادية، وهو مكون أصحاب المحطات والاعمال التجارية الصغيرة من العرب الأميركيين والكلدان الذين تستمر معاناتهم بتلقي بطاقات المخالفة المتكرِّرة لنفس الجنحة المتعلقة بالترخيص التجاري. وكأن قيادة البلدية الجديدة التي كان الجميع يتأمل ان تحدث التغيير الإيجابي، تريد الشر لمن أحسن اليها وكان صديقاً فعلياً وقت الضيق!
المسؤولون المنتخبون متفائلون بشأن مستقبل «موتور سيتي» بعد الإفلاس، ولكنهم يعترفون بإنَّ طريق الشفاء ستكون طويلة ولن تكون من بدون تحديات ومطبات.
فقد وافق قاضي الإفلاس فـي المحكمة الفيدرالية ستيفن رودس على خطة تسمح لديترويت بحذف ٧ مليارات دولار من الديون وضخ ١،٧ مليار دولار فـي خطة عشرية. تؤدي إلى رفع وتحسين الخدمات وإعادة هيكلة المدينة. وحالما يبدأ تنفـيذ الخطة، فإن ذلك سيشكل نهاية حكم مدير الطوارئ فـي ديترويت واستعادة كل الصلاحيات لرئيس البلدية الجديد مايك داغن ومجلس البلدية.
وكان المسؤولون فـي البلدية قد اتخذوا الخطوة الأولى نحو استعادة الحكم فـي شهر أيلول (سبتمبر) من خلال قرار وافق عليه المجلس بإعادة الصلاحيات للقيادة المنتخبة فـي ديترويت، ولكن قرروا ابقاء مدير الطواريء كيفـين أور فـي مكانه لمتابعة الأمور المتعلقة بقضية الإفلاس.
وقال داغن «إنَّ القيادة فـي المدينة موحدة والعديد من المشاريع الواردة فـي الخطة هي جارية ويُعمل بها، ومن بينها إصلاح هائل للتكنولوجيا والموارد البشرية وعمليات المصلحة المالية فـي ديترويت».
كما قال «نحن استعدنا زمام الإدارة وقمنا بإرساء ثقافة جديدة ونقوم بعملية التطبيق. وفـي كل شهر يمر علينا يزداد فريق الإدارة شهراً أكثر فـي النضج، ونأمل أن يستمر التحسن نحو الأفضل».
رئيس البلدية واثق من قدرة المدينة على تنفـيذ خطة إعادة الهيكلة، ولكنه يقر بأن هذه المهمة الضخمة لا تأتي بسهولة. وأشار إلى التقدم القضائي الذي أُحرز فـي قضية الإفلاس، لكنه استطرد بأن «الخدمات هي بنسبة حوالي ١٠ فـي المئة من عما يجب أن تكون عليه وأن خطة إعادة الإستثمار فـي المدينة هي مسدودة قليلاً وستستغرق سنوات وتحمل المخاطر».
وأردف «وهذا النوع من الخدمات يتوقع الناس انها ستحمل تحدياً، ولكني أعتقد أنها يمكن أن تتحقق بوجود الفريق الذي لدينا هنا وبمساعدة وتعاون المجلس البلدي».
وصوت معظم أعضاء المجلس البلدي لصالح دعم البنود الرئيسية فـي خطة الخروج من الإفلاس بما فـي ذلك اجراء تسوية مع إثنين من الدائنين الأكثر ملاحقة لدينهما فـي ديترويت، وهما «أكزت فايننسنغ» و«مصلحة المياه الإقليمية».
رئيسة المجلس البلدي بريندا جونز وداغن أدليا بشهادتيهما فـي محكمة الإفلاس دعماً للخطة، ولكن جونز أرسلت بعض الإشارات المتضاربة، من خلال التصويت ضد بعض التدابير.
المجلس البلدي هو أيضاً فـي خضم هزة بعد الاستقالة المفاجئة للعضو سونتيل جنكينز والصفعة القانونية فـي قضية القيادة فـي حالة السكْر من قبل العضو البلدي الآخر سكوت بنسون والتي قد تحمل عقوبة تصل إلى ٩٣ يوماً فـي السجن.
ومن بين أولوياته، يعمل داغن مع قائد الشرطة جيمس كريغ لتنفـيذ خطة الحد من العنف المجتمعي الذي يقول انه طال انتظارها.
ولكن حتى مع رحيل أور، لن يطلق العنان لسلطة المسؤولين فـي ديترويت بل عليهم أنْ يعملوا وفقاً لميزانية الثلاث سنوات المحددة فـي خطة خفض الدين وكذلك خطة مجلس الرقابة المالية، كما أشار عضو مجلس البلدية الذي يخدم فترة
ولاية ثانية اندريه سبيفـي، مضيفاً «هناك بعض الأشياء التي
لا يمكننا لمسها وهناك بعض الأشياء التي يتعين علينا
القيام بها».
وقال «نحن ملزمون بوثيقة وقواعد عمل يتعين تنفـيذها لأننا جميعا اتفقنا على أننا يجب أن ندعم خطة التسوية وإجراءات الإفلاس. علينا أن نفعل ذلك. نحن لا نريد أن نجد أنفسنا نسير إلى الوراء الآن بعد خروجنا من أزمة الإفلاس – بميزانية عمومية حجمها صفر فـي المئة – ونتجنب الاعمال العشوائية التي لا تجعل المدينة أكثر كفاءة».
«مفوضية المراجعة المالية» المؤلفة من تسعة أعضاء هي إحدى شروط حزمة المساعدات المالية التي وافق عليها المجلس التشريعي فـي الولاية لتغطية التخفـيضات المقتطعة من رواتب ديترويت التقاعدية وحماية مجموعة تحف «معهد ديترويت للفنون» من البيع.
المفوضية، التي هي برئاسة أمين صندوق الولاية، عقدت اجتماعها الأول يوم الأربعاء وتشتمل عضويتها أيضا على مدير قسم التكنولوجيا والإدارة والميزانية وداغن وجونز وخمسة معينين من قبل حاكم الولاية.
الأعضاء هم المسؤولون عن الموافقة على الخطة المالية للمدينة لمدة أربع سنوات، وضمان الامتثال لخطة الإفلاس وربما تعديل الميزانية التشغيلية لديترويت.
وذكر داغن «أرى اللجنة كقيمة مهمة وأتوقع بأنه سيكون هناك تصويت سلبي عدة مرات وهذا طبيعي. كما يعني ذلك أن علي ان أرتد على أحياناً قصصاً وابذل المزيد من العمل».
وحول علاقة داغن مع جونز أشار الى انها لا تزال علاقة متينة على الرغم من تصويت جونز بـ «لا» على خطط لـ«هيئة مياه البحيرات العظمى» وتسوية ديترويت النهائية الحاسمة مع الدائن الرئيسي وهي شركة «تأمين الكفالة المالية» «أف جي اي سي». وصفقة «أف جي اي سي» تحمل بنوداً مماثلة لصفقة شركة ضمان الكفالات المالية «سينكورا» ضد البلدية حيال خطة دين الرواتب التقاعدية التي دعمها رئيس البلدية المسجون السابق كوامي كيلباتريك.
وأشار رئيس البلدية داغن الى أنه بعد تصويت جونز ضد «صفقة «أف جي اي سي» ذهب الإثنان إلى حضور لعبة «ديترويت ليونز» وبعد فترة وجيزة، جابا شوارع المدينة معاً بدوريات خلال «ليلة الملائكة» السنوية فـي ديترويت.
وأضاف «اذا كنت محترفاً، يمكنك ان تختلف على قضية فـي السياسة. وهذا لا يعني أن لا تبقي لديك علاقة شخصية جيدة». صوتت بريندا جونز بما أملى عليها ضميرها بالنسبة إلى «أف جي اي سي».
مارثا كوباتش، المعينة من قبل قاضي محكمة الولايات المتحد المتعلقة بالإفلاس ستيفن رودس لتقييم مدى منطقية خطة البلدية، اعتبرت أنَّ الخطة ممكنة التطبيق لكنها شددت على انها ستحتاج لثقة ودعم من داغن والمجلس البلدي.
وقالت جونز خلال مؤتمر صحفـي يوم الجمعة الماضي انها حريصة على العمل مع أصحاب المصالح وجعل ديترويت «نوع من مدينة يمكننا جميعا أن نفخر بها». وأضافت «نحن ملتزمون بضمان حدوث هذا من خلال التعاون مع الإدارة، والقيادة للتميز المالي والخدماتي وضمان العمليات والقرارات العادلة والشفافة».
وتعهدت جونز أيضا خلال شهادتها امام المحكمة فـي ٦ أكتوبر الماضي بالعمل مع زملائها ومع داغن ومفوضية المراجعة المالية لتنفـيذ الخطة التي وصفتها بالبداية جيدة لكنها لن تكون كافـية من ناحية تصور الإنفاق على اكبر تحديين يواجهان البلدية فـي المدينة وهما السلامة العامة والآفات العقارية.
مسؤلون آخرون، بمن فـيهم عضو المجلس عن الدائرة السابعة غابي ليلاند، يعتقد ان الخطة المالية تقتطع ما يكفـي من الأموال لدعم الخدمات. لكنه قال انه سوف يعود النجاح إلى «الميزانية والقيادة وكيفـية استخدام هذا الامر».
وقالت عضو المجلس البلدي، ماري شيفـيلد التي تمثل الدائرة الخامسة، انها قلقة بشأن الاقتراض، ونوعية الحياة فـي ديترويت بعد القرض والتمويل ما بعد الالتماس. واردفت «يجب على ديترويت ضمان انها ستضع نفسها على طريق سداد الأموال لتجنب الممارسات التي قادت لذلك الدين فـي المقام الأول . وهناك الكثير من الضغط على المجلس لتنفـيذ الخطة ولهذا نحن هنا».
وتابعت «الناس ينظرون إلينا للتأكد من أننا نتمسك بأن الخطة تتكيف وتتوافق مع الموارد المالية فـي مدينة ديترويت».
وقال داغن ان رؤساء الأقسام يحرزون تقدماً فـي مكافحة آفة البيوت المهجورة، وإضاءة الشوارع وتحسين الخدمات. لكن رئيس البلدية بقي محبطاً فـي بعض المجالات الاخرى، بما فـي ذلك عدم قدرة البلدية حتى الآن على تفعيل نظام الحافلات الذي يعتمد على جدول توقيت عام.
لكنه أشاد بالعملية الانتخابية التي «أدت إلى الكثير من المواءمة بين رئيس البلدية والمجلس وهذا لم يحصل منذ عقود».
شيفـيلد تتوقع وقوع خلافات بين السلطتين التشريعية والتنفـيذية، لكنها قالت لا يجب بالضرورة ان تكون العلاقة على خصومة. وأضافت «هذا جزء من العملية (الديمقراطية)، وهذه هي الطريقة التي تعرف من خلالها أن الجميع يقومون بعملهم». من المهم جداً أنْ تبقى رؤية رئيس البلدية والمجلس متناغمة، أضاف سبيفـي الذي ختم بالقول «نحن مثال للعالم، وقد استلمنا زمام الأمور بطريقة محقة. انها تحت مراقبتنا الآن».
Leave a Reply