خلق آلاف الوظائف في وسط المدينة وجذب آلاف السكان الجدد
ديترويت، التي كانت إحدى أكبر وأهم المدن الأميركية لعقود طويلة، والتي احتضنت حوالي مليوني مواطن أميركي ومهاجر خلال خمسينات القرن الماضي، تعيش منذ سنوات طويلة حقبات متواصلة من الإحباط والانحسار، حيث انخفض عدد سكانها الى أقل من ٧٢٠ ألفا بعد أن هُجر حوالي ٤٠ بالمئة من مساحتها، وأصبحت شبح مدينة السيارات التي كانت أيقونة أميركية في الزمن الغابر.
دان غيلبرت |
قليلون من رجال الأعمال والمستثمرين يؤمنون اليوم بأن مستقبل ديترويت سيكون مشرقاً، وأحد أبرز هؤلاء رجل الأعمال البارز دان غيلبرت الذي يسعى الى إعادة أمجاد المدينة عبر ضخ الحياة في وسطها التجاري.
فقد قام غيلبرت في الآونة الأخيرة بجذب موظفي شركاته وخريجي الجامعات في ميشيغن العديد من الناس لملء المساكن الشاغرة في وسط المدينة، في إطار المرحلة الاولى من خطته للنهوض بديترويت واعادة احيائها.
وبحسب تقديرات غيلبرت وهو مؤسس ورئيس شركات عديدة أبرزها “روك فنتشرز” و”كويكن لونز” وغيرهما العشرات من الشركات فان هناك اليوم حوالي 10000 موظف انتقلوا للعمل في مكاتب كانت شاغرة في منطقة “كامبوس مارتيوس” على شارع وودورد افنيو القريبة من واجهة ديترويت النهرية.
معظم هؤلاء يعملون في شركات غيلبرت، خاصة “كويكن لونز” التي نقلت وحدها الافاً من الموظفين من الضواحي الى وسط المدينة ابتداءاً من العام 2010.
و”كويكن لونز” هي شركة عملاقة في تمويل القروض العقارية السكنية ويصل حجم تعاملاتها الشهرية الى 4 مليارات دولار.
وعبر ضخ آلاف الموظفين نجحت خطة غيلبرت في جذب مؤسسات تجارية محدودة الى وسط المدينة، استأجرت مبان تملكها مؤسساته. وبتوفير شبكة من الخدمات أصبحت المبان السكنية التي أعاد تأهيلها حديثاً في وسط المدينة ممتلئة بالسكان بنسبة ٩٨ بالمئة.
كما أن هناك حوالي ألف وظيفة شاغرة حاليا لدى شركات غيلبرت التي تعمل في وسط ديترويت (ومعظمها في الحقل التكنولوجي)، ستؤمن زيادة الطلب على السكن في ديترويت الأمر الذي سيساهم في إنعاش المنطقة تجارياً.
وحسب رؤية غيلبرت فإنه بغضون عامين أو ثلاث ستشهد ديترويت تغيرات كبيرة، حيث من المرجح أن يتم تنفيذ مشروع القطار الخفيف الذي سيسهل التنقل بين المناطق السكنية والتجارية، ويقوم غيلبرت بالمساهمة الفعالة في تمويله.
الشيء الوحيد غير المتوفر في المنطقة الآن، حسب غيلبرت، هو غياب محلات التسوق بشكل كاف، وهو ما تعهد به من خلال توفيره محلات للإيجار في مبان يمتلكها على طول شارع وودورد، بحيث تصبح المنطقة تجارية بامتياز وهذه الخطوة واحدة من أبرز أولوياته لهذا العام.
وبالنسبة للهاجس الأمني الذي يعتبر من أبرز العوامل المتسببة في تعثر نهوض المدينة سيعمل غيلبرت من خلال مؤسساته على تشكيل نظام أمني مزود بشبكة كاميرات متصلة بمركز أمني رئيسي يشرف عليه متخصصون في إحدى بنايات غيلبرت، وذلك ضمن استراتجية متكاملة لإعادة إحياء ديترويت وجعلها مكان يجذب العاملين والسكان و الزوار والمصالح التجارية.
وقال غيلبرت في اجتماع مع رؤساء تحرير صحف إثنية في منطقة ديترويت، بينها “صدى الوطن”، “باستطاعتنا قيادة المهمة ولكن لا نود أن نكون وحدنا، نريد أن نتشارك لجذب الناس الى هنا ليعملوا ويزوروا ويلعبوا بأمان.. بإمكاننا فعل ذلك.. وسنفعله”.
و كان غيلبرت حدد توجهاته هذه في اجتماع عقده في 8 أيار (مايو ) الماضي مع خمسة ناشرين لصحف اثنية اضافة الى رئيس شبكة الصحف الاثنية الصادرة في ميشيغن “نيو ميشيغن ميديا” هايغ أوشغان. الحاضرون كانوا: الياس غوتيريز رئيس صحيفة “لاتينو برس”، وآرثر هورويتز رئيس تحرير صحيفة “جويش نيوز”، وتاك يونغ كيم ناشر صحيفة “ميشيغن كوريان” الكورية، وبنكولي طومبسون رئيس تحرير صحيفة “ميشيغن كرونيكل” للأفارقة الأميركيين، واسامة السبلاني ناشر صحيفة “صدى الوطن”. ورافق غيلبرت في الاجتماع الذي عقد في مقر “كويكن لونز” في ديترويت مديرة علاقاته العامة كارولين ارتمان، وديفيد كارول نائب رئيس “كويكن لونز”، وبروس شوارتز مدير الشركة في ديترويت.
وقد اوضح أوشغان اهمية الصحف الاثنية وكيف انها تصل الى الاف القراء من الاقليات في منطقة ديترويت مؤكدا على الدور الذي تلعبه هذه الصحف وناشروها في صياغة الحس الاعلامي للاقليات في المنطقة وما توفره من وسائل للتواصل بين أفرادها.
وفي إحدى مداخلاته قال غيلبرت ان أحد أسباب اهتمامه بوسط ديترويت هو انه ولد وتربى في المدينة في كنف والده وجده اللذين كان لهما نشاطات تجارية صغيرة فيها. وقال في الاجتماع الذي دام 90 دقيقة انه لفت انتباهه في الاونة الاخيرة تغيرا في النمط الاقتصادي المتحول من اقتصاد العضلات الى اقتصاد العقل المعتمد على التكنولوجيا والمعلومات والتسويق، مؤكداً ان وسط ديترويت بدأ يستجيب لهذه التغيرات.
وقال “إن انتقالنا من الضواحي الى وسط المدينة يهدف الى حث المؤسسات التجارية الأخرى لتحذو حذونا، حيث انتقل في 2010 زهاء 1700 من موظفينا الى هنا”، وأضاف انه بين 20 و30 شخصاً من العاملين في شركاته ينتقلون للعيش في المدينة شهرياً، إضافة الى 600 موظف آخر سيعينون هذا الصيف” وقال ان “انتقال الشباب الى وسط المدينة سيمنحها الحيوية”.
وأكد غيلبرت أن “الشعور السائد لدى البعض هنا من ان لا شيء يمكن ان يتغير في ديترويت شعور قديم ورثه الناس وتجذر بهم على مدى 50 عاما ماضية من التراجع” وهو يتفهم ذلك لكنه يؤمن بأنه قادر على تغيير هذه النظرة السلبية.
وسئل غيلبرت ما اذا سوف تستفيد ضواحي ديترويت من سياسة التركيز على قلب المدينة، فأجاب “لا شك أن الجميع سوف يستفيدون” مؤكدا ان السبب وراء تراجع المنطقة هو انعدام توفير الفرص الاقتصادية والتعليم اللازم. وأضاف “التركيز هذه السنة منصب على اجتذاب محلات التجزئة لخدمة الالاف من المقيمين الجدد في وسط ديترويت وهذا النوع من الاعمال التجارية يقبل عليه ابناء الاقليات”، وتابع غيلبرت بالقول “توفير الأمن سيشجع الناس على فتح محلات في المواقع المهجورة حالياً”.
Leave a Reply