عماد مرمل
بعد الهجوم الدموي على مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، أصيبت أوروبا كلها بـ «فوبيا» الارهاب، وأصبحت العواصم الغربية المسكونة بالهواجس تشعر بأن أشباح «القاعدة» و«داعش» تجول فـي شوارعها..تمهيدا للانقضاض على هدف جديد.
وإذ كانت بعض الحكومات الاوروبية لا تزال ترفض الإعتراف بأن هبوب رياح التطرف التكفـيري على مجتمعاتها هو نتاج سياساتها وخياراتها الخاطئة فـي سوريا، فان الاكيد ان ما تعرضت له «شارلي إيبدو» هو تعبير واضح عن انقلاب السحر على الساحر، وتمدد لعنة الازمة السورية الى عمق الغرب الذي كان بعض قادته يفترضون أن بالإمكان اللعب على أوتار تلك الازمة وتناقضاتها، من دون تبعات او أكلاف.
ويقول دبلوماسي غربي فـي بيروت لـ«صدى الوطن» إن هناك خشية حقيقية لدى العواصم الغربية من هجرة معاكسة للجهاديين الذين يقاتلون داخل سوريا فـي اتجاه الدول التي أتوا منها لتنفـيذ عمليات إرهابية على اراضيها، معتبرا ان ما حصل فـي باريس هو تطور مقلق للغاية، يؤشر إلى أن تداعيات الحرب السورية أخذة فـي الاتساع.
ويوضح الدبلوماسي أن المجتمعات الغربية تبذل جهدا لمحاولة عدم الخلط بين الإرهاب والإسلام، مشيرا إلى أنه شخصيا لديه أصدقاء مسلمين تجمعه بهم روابط متينة، مع العلم ان التفاعل مع المسلمين يأخذ مداه فـي المدن
حيث يستطيع الكثيرون التمييز بين الإسلام الحقيقي وبين الإرهاب باسم الاسلام، بينما فـي الريف ربما تكون
النظرة الى المسلمين شمولية، ولا تفرق بين المتطرفـين والوسطيين.
ويُقر الدبلوماسي الذي يعمل ضمن فريق إحدى السفارات الغربية فـي العاصمة اللبنانية بأن الغرب يتحمل جزءا من المسؤولية عن تفشي ظاهرة التطرف التكفـيري فـي العراق وسوريا، لافتا الانتباه الى ان أحد أبرز الاخطاء الكبرى التي تم ارتكابها و«أسست» لهذه الظاهرة، تمثل فـي القرار المتسرع بتفكيك الدولة العراقية وحل الجيش العراقي بعد الدخول الأميركي إلى بغداد، الأمر الذي أدى إلى فراغات ملأها التطرف، لاسيما تنظيم «القاعدة».
وإنطلاقا من هذه التجربة، يلفت الدبلوماسي الانتباه إلى أن ظهور «داعش» و«النصرة» مع ما يمثلانه من نهج تكفـيري وإرهابي هو فـي جانب منه امتداد للهزات الارتدادية التي ترتبت على الزلزال العراقي عام 2004، ويجب ان نعترف بأننا أخطأنا فـي الحسابات على هذا الصعيد، من دون إغفال المسؤولية المتعلقة بدور النظام السوري الذي ساهم أيضا فـي تغذية التنظيمات المتطرفة، حتى يكون هناك مبرر لبقائه.
ويشرح الدبلوماسي الغربي وجهة نظره، قائلا «لقد أخرج الرئيس بشار الاسد عددا من رموز المتطرفـين من السجون وأفسح المجال أمام تحول تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» إلى لاعب أساسي فـي الصراع، حتى يصبح الشعب السوري والمجتمع الدولي أمام الاختيار بين النظام والتطرف التكفـيري، مفترضا(الرئيس السوري) انه سيربح فـي هذه المفاضلة، بينما كانت مهمته ستغدو أصعب بكثير لو ان الخيار هو بين النظام والمعارضة الليبرالية المعتدلة.
ويضيف «كما ان من مصلحة الاسد ان ينتقل خطر التطرف التكفـيري الى الغرب وبعض الدول العربية، وان يصطدم تنظيم «داعش» بجبهة «النصرة»، و«النصرة» و«داعش» بـ«الجيش الحر».. كل ذلك يريح الاسد فـي معركة التشبث بالسلطة.
ويعترف الدبلوماسي بأن الحملة الجوية للتحالف الدولي على «داعش» لا تكفـي لإلحاق الهزيمة به، لكنه يشير فـي الوقت ذاته الى ان الولايات المتحدة ليست مستعدة بعد للنزول الى الارض لانها لا تحتمل دفع ثمن المواجهة البرية، وهناك معارضة فـي الداخل الاميركي لمثل هذا الخيار الذي سيكون مكلفا، لان «داعش» هو تنظيم ارهابي يعتمد على حرب العصابات، وبالتالي فان المواجهة ضده أصعب من تلك التي تتم مع جيش نظامي.
وبناء على «العبر» المستقاة من الدرس العراقي، يؤكد الدبلوماسي ان أي حل فـي سوريا يجب ان يُبقي المقومات الاساسية للدولة قائمة، وفـي طليعتها بنية الجيش، حتى يكون هناك ما يمكن ان يُبنى عليه فـي المرحلة المقبلة.
وبرغم التحولات الجوهرية التي طرأت على المشهد السوري، لا يزال الدبلوماسي الغربي يعتبر ان الحل السياسي المرتقب يجب الا يلحظ أي دور مستقبلي للرئيس الاسد الذي اصبح غير مقبول لدى شريحة واسعة من أبناء الشعب السوري ومن المعارضة.
وفـي تأكيد للمعطيات التي اشار اليها السيد حسن نصرالله فـي مقابلته التفزيونية الاخيرة حول عرض قدمته إحدى الدول الإقليمية المؤثرة ويقضي ببقاء النظام والحفاظ على الهوية المذهبية الحالية للرئيس، شرط رحيل الاسد عن السلطة، يقول الدبلوماسي الغربي- فـي تقاطع مع موقف تلك الدولة- انه ربما يمكن القبول باستمرار النظام على ان يتغير شخص الاسد.
ويعتقد الدبلوماسي الغربي ان على الايرانيين والروس ان يتعاطوا بواقعية مع الوضع السوري، وان يوافقوا على التخلي عن الاسد فـي مقابل الإبقاء على النظام الذي يُطمئنهم ويحمي مصالحهم، معتبرا ان دعم طهران وموسكو هو الذي يبقي الاسد فـي السلطة، ومتى توقف هذا الدعم فهو سيسقط خلال أشهر قليلة.
ويعرب الدبلوماسي عن اعتقاده بأن تراجع أسعار النفط، وما يرتبه ذلك من ضغوط إقتصادية على إيران وروسيا، قد يجعل كلفة دعم استمرار الاسد فـي الحكم أكبر من قدرة هاتين الدولتين على التحمل فـي المدى المتوسط.
ويلفت الدبلوماسي الانتباه الى ان ابناء الطائفة العلوية هم أيضا أصحاب مصحلة فـي هذه المعادلة، لاسيما انهم تعبوا ودفعوا ثمنا كبيرا للحرب قتلى وجرحى ومهجرين ومهاجرين، وبالتالي فهم يفترض ان يكونوا مستعدين للتضحية بالاسد من أجل الحفاظ على وجودهم ومكتسباتهم.
ويعترف الدبلوماسي بأن هناك أنظمة عربية حليفة للغرب لا تتوافر فـيها شروط الديموقراطية والحرية،
مثل السعودية وقطر، لكنه يعتبر ان الفارق بينها وبين النظام السوري هو ان الاخير يخوض حربا ضد شعبه، فـي
حين لم يحصل ذلك فـي السعودية وقطر «حسب الديبلوماسي الغربي».
ويخلص الدبلوماسي الغربي إلى التأكيد بأن الارهاب التكفـيري جعل الاولوية فـي هذه المرحلة لمواجهة هذا الخطر العابر للحدود.
Leave a Reply