يشدك بطريقة مثيرة، ذلك الداعية الحقوقي الأسود، ويندل أنتوني، ليس فقط بقدراته الخطابية المذهلة، بل أيضا بمضامين أقواله. في أكثر من مرة، أشار آنتوني، مستفيدا من أقوال عظماء ومبدعين من أمثال مارتن لوثر كينغ وجبران خليل جبران، إلى حقيقة أنه يمكن أن نتعلم من أعدائنا. ولكن حقا ما الذي يمكن أن نتعلمه من أعدائنا إذا كنا عاجزين عن التعلم من أصدقائنا ومن أحبائنا؟
لا يتعلم المرء إذا أقر في أعماق نفسه أنه بحاجة إلى التعلم، ومن الصعوبة بمكان أن ترى بين ظهرانينا أناساً متواضعين، فادعاءات الذكاء والحمية والفهلوة والمعرفة ببواطن الأمور وحقيقتها وأسرارها أمراض متفشية، بل هي تأخذ في أغلب الأحيان طابعا مقيتا ومزعجا، يجعل الواحد منا، لا ينفر من “الحقيقة” وحسب، وإنما يتجاهلها ويحتقرها.
معلمون من كل الأنواع والأشكال. في الشارع وفي المقهى وفي الوظيفة. في البيت وفي المقهى. على الفايسبوك وفي رسائل الهاتف. في البار وفي المسجد. معلمون متعجرفون يبثون خبراتهم ويهرفون بما لا يعرفون. حقا.. إذا كنا قد نسينا طوال الفترات السابقة أن نتعلم من أعدائنا، على الأقل هنا في الولايات المتحدة، فماذا تعلمناه من.. جماعتنا؟ ماذا تعلمنا من “مثقفينا” و”نشطائنا” ورجال ديننا ورجال أعمالنا ومن أصحاب الخبرة والحكمة في مجتمعنا؟
يقول المثل الشعبي: لا يتعلم المرء إلا من كيسه. وهذا يعني مبدئيا أن لكل تحصيل في مجال التجربة والخبرة الحياتية ضريبة شخصية يدفعها المرء، ويا للسخرية، في أشد الظروف حلكة. في أكثر الأحوال ضنكا وضيقا.
تقول الحكاية الصينية: إن رجلا أراد أن يتعلم كل شيء عن الكونغ فو، فبدأ يبحث عن معلم يعرف كل شيء في فنون القتال. بحث طويلا عن معلمين، لكن أحدا منهم لم يقبل بتدريبه. لأنه وبشكل صادم لم يقبل أي واحد منهم الاعتراف بأنه يعرف كل شيء عن الكونغ فو. وطبعا.. ألله ستر، لأن هذا الطالب لم يبحث عن معلمين في مضارب خيامنا!..
وأخيرا وجد الرجل معلما يشرف على تدريبه. قال المعلم للرجل: أنا لا أعرف كل شيء عن الكونغ فو. أنا فقط أعرف نصف هذا.. الكل شيء عن الكونغ فو، وسوف أقوم بتعليمك ما أعرفه، وعندما تنتهي سأدلك على معلم آخر.. هو وحده الذي يعرف كل شيء عما تبحث عنه.
درّب المعلم الرجل لفترة طويلة. وبعدها قال له: أنت الآن جاهز.. لم يعد لدي ما أقدمه لك. خذ هذا الإسم وابحث عن المعلم الجديد وسوف تجد عنده كل شيء.
وبدأ المتدرب رحلة بحث شاقة عن المعلم الجديد. سأل وسأل ولم يرشده أحد. قطع السهول والجبال ولم يجد أحدا يعرف ذلك المعلم أو سمع به. في الصيف والشتاء دون جدوى. في الليل والنهار بلا فائدة.
وذات مرة، وبينما كان مستمرا في عملية البحث المضنية، هاجمه قطاع طرق. كانوا كثيرين وأقوياء. وكان أمامه أحد احتمالين: إما الهرب وإما القتال. وفضّل الرجل الذي يعرف نصف الـ كل شيء عن الكونغ فو مواجهة المعتدين. تذكر شيئا فشيئا الدورس التي تعلمها. حمى نفسه وانتصر على أعدائه واحدا بعد الآخر. لكنهم عادوا وتجمعوا، وعاد وتذكر كل شيء من دروسه السابقة. لم تفته صغيرة ولا كبيرة، وأحس بأنهم لن يستطيعوا هزيمته أبدا على كثرتهم وإصرارهم على صرعه أرضا..
في تلك المعركة أدرك الرجل أن معلمه السابق خدعه حين أعطاه إسم المعلم الذي يعرف كل شيء عن الكونغ فو، وآمن أنه ما من أحد في العالم يعرف كل شيء عن كل شيء. وكان ذلك أبلغ درس في حياته. أما الدرس الآخر.. فلا معنى للأشياء التي نتعلمها إذا لم نمتحنها وتمتحنا!
ونحن لن نتعلم لا من مارتن لوثر كينغ ولا من جبران خليل جبران، ولهذا فما زال من المبكر أن يكون لدينا داعية للحقوق المدنية.. مثل ويندل آنتوني، رغم كل التمييز والاضطهاد الواقع علينا!
Leave a Reply