أثارت المقالة السابقة: “السفارة في الحارة”، جدلاً واسعاً ومناقشات حامية في أوساط الجالية في ديربورن. وانقسم القرّاء بين أكثرية راضية ومجموعة (٣ أشخاص) ساخطة شعرت بتضرر مصالحها، فانبرت تدافع عن نفسها تحت عناوين: الاستقصاد والدوافع الشخصية والإساءة لكرامات الآخرين والمس بالشرف الشخصي، وصولاً إلى التهديد والوعيد والاتهامات بالعمل لصالح “أجندة خارجية”، وأجهزة مخابرات أجنبية (!!) في سلوك يطابق تماما ما قامت الأنظمة القمعية الاغتصابية في مصر وتونس.. وليبيا مؤخراً، وشراذمهم من البلطجية والجنجويد والهجّانة وأصحاب القبعات… الصفر!.
وتعقيباً على كل المناقشات والأحاديث التي دارت حول ذلك الموضوع، كان لا بد من تسجيل بعض الملاحظات، وتوضيح بعض السياقات:
– فيما يخص الفقرة التي أشارت إليها المقالة حول المحامي نبيه عيّاد، قال عياد مصححاً إنه هو الذي استقال من رئاسة المجلس الاستشاري للـ”أي دي سي” وأنه يريد الاحتفاظ بالأسباب لنفسه.
– ورد في المقالة خطأً أن المحامية ناديا فاضل كانت مديرة مكتب الـ”أي دي سي” في ديترويت وأنه تم فصلها وتعيين الناشط الصديق زهير علوية مكانها. والصحيح أن المحامية منى فضل الله هي التي كانت رئيسة فرع ديترويت.
في بيتنا رجل
ويبقى المثير في كل هذه المعمعة هو موقف رجل الأعمال عبدالله هاشم الذي أثبت عن جدارة مقدار الأصالة والشهامة اللتين يتصف بهما هذا الرجل، لجهة عدم انزلاقه إلى الشتائم والمناورات الرخيصة والتراشق بالتهم. ولا أقول هذه الكلمات من باب تطييب الخواطر، بل من باب الاعتراف الأدبي والأخلاقي بموقفه الرصين.
ومرة أخرى، لا من باب التكرار، بل من باب التأكيد، لا بد من تأصيل هذه الحقيقة التي تقول إن مبدأ “سفارة النوايا الحسنة” يقوم بشكل أساسي على اختيار مشاهير ونجوم وأشخاص معروفين على نطاق شعبي ورسمي معا. وسوق مثل هذا الكلام لا يمس بشخص عبدالله هاشم، الذي قد يكون قام بتقديم خدمات لـ”أي دي سي” وبتبرعات مالية يشكر عليها، ولا مشكلة إذا قامت المنظمة بالاحتفال به وبتكريمه من باب أنه من “أصحاب الأيادي البيضاء” أو “الجنود المجهولين”. المشكلة أن الـ”أي دي سي” تحولت إلى “سوق مالي ريعي”.. إلى بورصة تقيّم الأشخاص وتمنحهم الألقاب، في الوقت الذي ينتظر منها أن تكون مدرسة لتخريج مناضلين ومدافعين وفرسان في مجال الحقوق المدنية، لا استعراضيين وسفراء وعرفاء احتفالات!
ويجب التأكيد على أن التطرق لهاشم في المقال السابق ليس شخصياً، ولم يكن مقصوداً أو مبيّتاً على الإطلاق، وأما وقد آلت الأمور إلى ما آلت إليه، فقد قلت في نفسي: خرجنا من هذه المعركة.. برجل.
لماذا الـ”أي دي سي”..
كثيرون قالوا.. إن أوضاع المؤسسات العربية الأخرى ليست أفضل حالاً، فلماذا التركيز على الـ”أي دي سي”. وقد كان جوابي دائماً.. إن مؤسسة حقوقية مثل الـ”أي دي سي” يجب أن تكون في رأس أولويات جاليتنا، على أن تبقى محيّدة وبعيدة عن التجاذبات والتوظيفات والاستغلالات الشخصية والاحتفاليات السخيفة. وكان من الممكن لهذه المؤسسة أن تكون في طليعة مؤسسات الجالية لو قيّض لها الإداريون المهنيون والناشطون النزيهون، وحينها سيضعها الجميع على الرأس والعين. ونسوق هذه التأكيدات من باب فهمنا لخصوصية الشعب الأميركي وحساسية الثقافة الأميركية لموضوعة الحقوق المدنية والإنسانية، الأمر الذي قد يؤهل هذه المؤسسة لأن تكون جسراً وطيداً لعلاقة العرب الأميركيين بالمجتمع الكبير.
إن مؤسسة كالـ”أي دي سي” التي ينفرد شخص بإدارتها، والتي يدعي باسمها تقديم التضحيات وبذل الجهود، هي مؤسسة قادرة على حمل خمسين شخصاً من أبناء الجالية من ذوي الكفاءات والشهادات العالية وتقديمهم إلى المجتمع الأميركي، ولكن الذي يحصل أن هذا الشخص يريد تطويق هذه المؤسسة وإدخالها في ممتلكاته وحساباته الشخصية. والأنكى.. أنه يعتبر أن مجرد نقد أدائه هو من باب التطاول والتآمر والتدليس، ونتمنى عليه أن يأخذ هذا النقد من باب حرصنا على المؤسسة، التي لم ولن نتوانى عن إعلاء شأنها، وليس من باب استهداف شخصه.
دروس خصوصية في الإعلام
صحيح. لقد كانت المقالة السابقة ساخرة.. الأمر الذي أزعج المعنيين ولكن اعتماد الطريقة الساخرة كان من باب “أن الأسلوب الساخر هو الطريقة الودية لإصلاح الأخطاء”. ومن باب حرصنا على المؤسسة كان الهدف أن ينتبه الغيورون والشرفاء ويدفعوا باتجاه إصلاحها. لم تكن السخرية بقصد التسلية، أو التهريج، ولا بسبب قلة الحيلة، أو الخوف، أو المواربة، أو عدم الرغبة، أو ضعف الإمكانية، بكتابة مقالات وتحقيقات صحفية مهنية مدعمة بالأدلة والمنطق والشهادات، والنقد القاسي الذي سيكشف بطبيعة الحال ابتعاد الـ”أي دي سي” عن السكة الصحيحة ومخالفتها للقوانين التي ينبني عليها عمل المؤسسات الحقوقية ومواثيق الشرف والتقاليد المؤسساتية في هذا المجال.
إن فتح الملفات وفق الطرق المهنية التقليدية ليس في مصلحة الـ”أي دي سي” وأصلاً لا ينقص هذه المؤسسة مزيد من الأزمات، خاصة وأنها تعاني من شح الموارد، وتزعزع ثقة الناس بها.
أما بالنسبة “للشاي في الكاراج” فـ”ما شربش الشاي أشرب آزوزة أنا”.. يعني للكاراج حديث آخر!
Leave a Reply