حين نفذّت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، خشي العرب الأميركيون أن تشن ضدهم حملات حكومية كالتي شهدتها الجالية اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية، فيصار إلى إعتقالهم في معسكرات كبيرة وترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية، رداً على تلك الهجمات التي راح ضحيتها 3000 من الأميركيين الأبرياء، والتي كلفّت الولايات المتحدة سمعتها كإمبراطورية لا تقهر، ودفعها للدخول في حرب مفتوحة على «الإرهاب» ضعضعت إقتصادها وأهدرت «كرامة» الدولار الأميركي الذي كان هو الآخر عملة لا تقهر.حينها وجدت الجالية أبناءً لها تصدّوا للدفاع عنها، في أروقة الكونغرس وفي البيت الأبيض وعلى شاشات التلفزة الأميركية وصفحات الجرائد المرموقة، يدافعون عنها ويردّون السهام المصوبة نحوها من الموتورين والعنصريين وأصحاب مدارس فكرية صوّرت الأحداث على أنها صراع بين الثقافات والأديان، وكأن العرب نوع من البشر مفطورين على العنف والإرهاب وسفك الدماء، يدفعهم إلى ذلك دينهم الإسلامي وثقافة جاهلية.ومن يومها والجالية لم تزل تتعرض للمضايقات والإستفزازات والملاحقة البوليسية والقضائية غير المبررة في معظم الأحيان، ودليل ذلك الغارات التي تتعرض لها مؤسساتها الخيرية والتي كانت آخرها مؤسسة الأرض المقدسة التي ثبت بطلان الدعاوى والتهم الموجهة إليها بعد سنوات من الوقوف في ساحات المحاكم، وقبلها مؤسسة الإغاثة والتنمية التي جمدّت أموالها ومنعت من ممارسة نشاطاتها في تقديم يد العون إلى المحتاجين والجوعى في فلسطين ولبنان والعراق. ناهيك عن التنميط العنصري لأبناء الجالية في المطارات والمراكز الحدودية، لا لشيء إلا للغتهم التي يتحدثون بها والزي الذي يرتدونه والأسماء التي يحملونها وحتى اللحى التي يطلقونها، ولعل قضية الشبان الستة الذين منعوا من مواصلة رحلتهم من سان دياغو إلى ديترويت خير دليل على هذا التنميط، حيث تبيّن للسلطات الأميركية بعد طردهم من على متن الطائرة والتحقيق معهم وإهانتهم، أنهم ما كانوا سوى في مهمة لتدريب الجيش الأميركي قبيل توجه أفراد منه إلى العراق، حينها التجأ هؤلاء الشبان إلى اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز التي وقفت إلى جانبهم وأوكلت لهم محامين واستدعت لهم وسائل الإعلام لفضح الممارسات غير المبررة تجاههم، وكان الهدف حماية مصالحهم ومنع مثل تلك الممارسات من أن تتكرر تجاه غيرهم من الأميركيين العرب.ثم إن مؤسسات الجالية وقياداتها لا تتوقف عند هذا الحد من الدفاع عن مصالح الناس ودعمهم وحماية حقوقهم المدنية، فهي فوق ذلك تدفع بهم لإستثمار أصواتهم كمواطنين أميركيين يحق لهم لعب دور سياسي على المستويين المحلي والوطني، بحيث يكون لهم تأثير في صناعة القرارات التي بدورها تنعكس على حياتهم اليومية ومستقبل أبنائهم، لذلك أنشأت قبل عشر سنوات اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك)، وكان الهدف منها حشد الفعل السياسي للأميركيين العرب المقيمين في ميشيغن، باعتبارهم يمثلون الثقل المركزي مقارنة بعموم الولايات الأميركية، وقد نجحت حتى اللحظة في إستنفار الطبقة السياسية الأميركية بحيث أضحى المرشحون للرئاسة والكونغرس والمناصب المحلية يخطبون ودّ «أيباك» ومن ورائها الجالية العربية، فكان أن حضر المؤتمر السنوي العاشر لهذه اللجنة والذي عقد مؤخرا في ديربورن، مرشح رئاسي هو دنيس كوسنيش الذي ألقى كلمة أكد فيها في حال إنتخابه رئيسا على تغيير نهج السياسة الأميركية المتبع حاليا والقائم على إستمرار إحتلال العراق ودعم الكيان الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين، ومواصلة التدخل في شؤون الدول وإتباع سياسة القوة العسكرية بديلا عن الحوار. الجالية ومؤسساتها وقياداتها لعبت دورا كذلك في إسماع الصوت لأصحاب القرار الأميركيين، كلما كانت الشعوب العربية تتعرض للعدوان، فقد نظمت مظاهرات إحتجاج عارمة في ديربورن وواشنطن وغيرهما من المدن الأميركية، حين اعتدت إسرائيل على لبنان في تموز 2006 وقتلت المئات ودمرت البنى التحتية وشردت مئات الآلاف، حينها اعتبر الموتورون وأصحاب الأقلام المأجورة للوبي الإسرائيلي على الساحة الأميركية، أن قيادات الجالية متهمون بالدفاع عن منظمات إرهابية، وكذلك الحال كلما وقفوا في وجه الإعتداءات المتكررة على الفلسطينيين في الأرض المحتلة، واللافت أن أنظمة الحكم العربية، والخليجية منها تحديدا المترعة خزائنها بمئات المليارات، لم تلتفت يوما لهذه الكوكبة من النجوم العربية في السماء الأميركية، لتستثمر فيها جزءاً يسيرا من عائداتها، فهي لو فعلت ذلك عبر دعم القائم منها وإنشاء المزيد من مراكز الأبحاث والمؤسسات الثقافية والمعاهد بل وأسست للنشاطات الإعلامية والصحفية وأقامت دورا للترجمة والنشر، لكانت الفائدة لـ 300 مليون عربي أعظم من مجرد إيداع تلك الأموال في البنوك الأميركية والأوروبية، أو إنفاقها على صفقات أسلحة لا فائدة منها، أو إقامة فضائيات لنشر الرذيلة والفنون الهابطة.
Leave a Reply