منذ الصغر والأحلام لا تفارفنا، تراها ضاحكة طوراً وعابسة أطواراً أخرى، تأتينا بوجها الضحوك حيناً أو بوجهها المتجهم أحياناً؛ ولا يبقى منها سوى الذكرى.
ومن الممكن أن تأتينا من حيث لا ندري (ونحن في كامل وعينا) لتعدنا بغد مشرق حيناً أو ببؤس وشقاء ما هو الا إستمرار لحاضر مرير، لتذكرنا بالأمس حلواً كان أم مراً.
ونحتار كيف نتعامل معها، أننساها كما ننسى تفاصيل حياتنا وندعها تتحطم على صخرة الحياة، أو نعالجها كأنها مرض آخر ألمّ بنا ونذهب إلى ذوي الإختصاص من الدجّالين؛ وهذا هو حال السواد الأعظم من بني البشر؛ أما في ما ندر فنأخذها على محمل الجدّ رغم أنوف كل سابقي الذكر الذين يستصغرون الأحلام ونجعلها النواة لفكرة قد تصبح واقعاً يغير حياتنا إلى الأبد.
وهذا كان دأب العظماء، وليس آخرهم ستيف جوبز الذي أخذ به حلمه من مرآب والديه ليتوّجه ملك ملوك التكنولوجيا، والقائمة هنا تطول وتحتاج إلى آلاف الأوراق.
جميلة هي إنجازات العظماء في ميادين الحياة العملية، ولكن الأجمل منها هي إنجازات العظماء التي تغير مصير شعب بحيث يصبح حلم الرجل العظيم حلم شعب مجتمعا، فغاندي مثلاً؛ إستطاع أن يحول أبسط حقوق الإنسان؛ الحرية؛ من حلم شخصي إلى هم قومي.
رائع أن يستفيق شعبٌ بأكمله من الحلم، الحلم بالحرية والعيش الكريم، الحلم بغدٍ أفضل يحمل معه رحابة العيش بعيداً عن كل مغريات الدنيا، فيعمل لنقل حلمه من عالم الخيال إلى عالم الواقع.
وهذا ما حصل في بعض أقطارنا العربية التي دخلت في سباتٍ عميق منذ سقوط بغداد على أيدي المغول. ولكنها أخذت اليوم بالإستيقاظ رويداً رويداً متذكرة الحلم الجميل ساعيةً لتحقيقه حتى ولو دفعت حياة أبنائها ثمناً له.
دعوه يحلم..
فقد يلوّن غده بكل الألوان عدا الأحمر الذي يذكره بدمه ودم أجداده المقهورين، وعدا الأسود الذي يذكره بسجن الحياة العفن.
دعوه يحلم..
وإن إتخذت سياساته منحىً آخر عن شعارات “العروبة” التي تتشدق بها الأنظمة لحمايتها الشخصية فقط؛ فقد يكون قلبه ينبض عروبة أكثر من ما ننطق هواً، وإذا لم تصدقوني.. إسألوه.
دعوه يحلم.. فقد يقلع عن إضرابه عن الوطن، ويعود ليحتسي كأس الحرية.. في الوطن.
Leave a Reply