دمشق – تمكن النظام السوري من خلال تطورات الأسبوع الماضي من ضبط حركة الاحتجاجات الشعبية في الشارع، معتمداً على دعم جماهيري واسع تمثل بتظاهرات في مختلف المحافظات السورية لم تشهد البلاد مثيلاً لها في تاريخها، وعلى خطاب إصلاحي اعتمده رأس الهرم رغم أنه بعث رسالات قوة تجلت بمقولة الرئيس بشار الأسد خلال خطابه أمام مجلس الشعب: “نحن مستعدون للمعركة”.
ورغم اعتبار المراقبين لخطاب الأسد الأول منذ اندلاع الاحتجاجات في درعا قبل أسبوعين، إنه “غير كاف” إلا أنه سارع في اليوم التالي من الخطاب (الخميس الماضي) الى تشكيل ثلاث لجان للمباشرة في تحقيق وعود الإصلاح التي تعهد بها النظام.
أولى هذه اللجان لإعداد قانون لمكافحة الإرهاب يحل محل قانون الطوارئ المعمول به منذ 1962، والثانية للتحقيق في مقتل محتجين في درعا واللاذقية، والثالثة لحل مشكلة الجنسية لأكراد سوريا، وذلك في مواجهة موجة احتجاجات تطالب بالإصلاح والمزيد من الحريات.
ويعد رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في انقلاب قبل نحو ٤٨ عاما، مطلبا رئيسيا للمحتجين الذين سقط منهم 61 قتيلا خلال الأيام الماضية.
وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” إنه “بتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد، شكلت القيادة القطرية لجنة تضم عددا من كبار القانونيين لدراسة وإنجاز تشريع يضمن المحافظة على أمن الوطن وكرامة المواطن ومكافحة الإرهاب، وذلك تمهيدا لرفع حالة الطوارئ، على أن تنهي اللجنة دراستها قبل 25 أبريل 2011”.
ولم يشر الأسد، في خطابه الذي ألقاه الأربعاء الماضي إلى إلغاء القانون، ولم يحدد جدولا زمنيا لإصلاحات تم طرحها، من بينها تشريع بشأن الأحزاب السياسية وحرية الإعلام ومكافحة الفساد، إلا أنه أشار الى ”ضرورة الإسراع في الإصلاحات دون تسرع”.
كما أمر الرئيس السوري بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في جميع القضايا التي أودت بحياة عدد من المدنيين والعسكريين أثناء الاحتجاجات في محافظتيْ درعا واللاذقية.
وقالت “سانا” إن اللجنة المكلفة بالتحقيق في مقتل مدنيين وأفراد أمن لها الحق في أن “تستعين بمن تراه مناسبا لإنجاز المهمة الموكلة إليها، كما أن لها الحق في طلب أي معلومات أو وثائق لدى أي جهة”.
ووقعت أغلب الاحتجاجات في درعا في جنوب البلاد، وقال مسؤولون سوريون أيضا إن 12 شخصا قتلوا في اشتباكات ألقوا باللوم فيها على عناصر مسلحة في مدينة اللاذقية الأسبوع الماضي.
وكان متظاهرون قد خرجوا الأربعاء الماضي بعد خطاب الأسد في مدينة اللاذقية الساحلية وهم يرددون شعارات تنادي بالحرية، بعد خطاب الأسد في مجلس الشعب الذي قال فيه إن بلاده تتعرض لما وصفها بمؤامرة تستهدف إثارة صراع طائفي.
خطاب الأسد
وأبرز ما جاء في خطاب الأسد أمام مجلس الشعب أن الإصلاح في سوريا أنه اعتبر أن التحدي الذي تواجهه سوريا في هذه العملية هو تحديد “نوع الإصلاح الذي نسعى إليه والذي يجب أن يعكس عشر سنوات للخلف، وعشراً أخرى للأمام”. ولم يتوسع الرئيس السوري في حديثه عما هو مقبل، مختصرا بالإشارة إلى الاستحقاقات المقبلة من انتخابات مجالس محلية ومجلس الشعب والمؤتمر القطري التي ستأتي “بدماء جديدة، وعلى هذه الدماء الجديدة نحن ننتقل إلى مرحلة أخرى” كما قال.
وأشار الأسد إلى أنه كان هنالك بطء وروتين سببا في عرقلة سير إلاصلاحات التي أعلنت سوريا أنها ستباشر بها عام ٢٠٠٥ إضافة الى انشغال النظام السوري بالقضايا الخارجية من تبعات “هجمات ١١ أيلول” وغزو أفغانستان والعراق وحرب تموز في لبنان وحرب غزة.
وكان لافتا إشارة الأسد إلى أن فريقه ليس معارضا للإصلاح كما يحلو للبعض أن يشير، كما لفت الى أن “التحدي الآن ما هو نوع الإصلاح الذي نريد أن نصل إليه، وبالتالي علينا أن نتجنب إخضاع عملية الإصلاح للظروف الآنية التي قد تكون عابرة، لكي لا نحصد النتائج العكسية”.
الفتنة الطائفية
وإلى جانب العملية الإصلاحية التي بات عنوانها العريض قانون الأحزاب، وحزمة من الإجراءات الاقتصادية، كان التركيز في خطاب الأسد على موضوع الفتنة الطائفية التي قال إن وعي الشعب السوري هو الذي واجهها، مضيفا أنه لا مكان في هذه المواجهة لمن يقف في الوسط، ووجه الأسد بعض كلامه لمدينة درعا التي قال إنها “في قلب كل سوري”، وان أهلها في النسق الأول المدافع عن سوريا ووصفهم بـ”أهل الوطنية الصادقة والعروبة الأصيلة.. أهل درعا هم أهل النخوة والشهامة والكرامة وهم من سيقومون بتطويق القلة القليلة التي أرادت إثارة الفوضى وتخريب اللحمة الوطنية”.
وقال الأسد إن “أهل درعا لا يتحملون مسؤولية ما حصل، ولكنهم يتحملون مسؤولية في وأد الفتنة”، وقال ان دماء الضحايا التي سقطت هي دماء سورية “ومعنيون بها لأنها دماء إخوتنا وأهلهم وأهلنا”.
ورأى الأسد أن مرحلة الفتنة الطائفية كانت إحدى مراحل الخطة التي واجهتها سوريا، وأن المرحلة الأخيرة في هذه المواجهة هي في “أن تضعف سوريا وتتفتت…”، وقال إن “التحريض بدأ قبل أسابيع طويلة من الاضطرابات في سوريا… وانتقلوا بعدها خلال الفتنة إلى موضوع التزوير” ثم المحور الطائفي الذي “اعتمد على التحريض وعلى رسائل ترسل بالهواتف المحمولة، رسائل قصيرة تقول لطائفة انتبهوا الطائفة الأخرى ستهجم، ويقولون للطائفة الثانية إن الطائفة الأولى ستهجم، ولكي يعززوا مصداقية هذا الشيء أرسلوا أشخاصاً ملثمين يدقون الأبواب على حارتين متجاورتين من طائفتين لا أقول مختلفتين أقول شقيقتين، ليقولوا للأول الطائفة الثانية أصبحت في الشارع انتبه، انزل إلى الشارع، وتمكنوا من إنزال الناس إلى الشارع، قاموا بهذا العمل ولكن تمكنا من خلال لقاء الفعاليات من درء الفتنة.. فتدخلوا بالسلاح وبدأوا بقتل الأشخاص عشوائياً لكي يكون هناك دم وتصعب المعادلة، هذه هي الوسائل”.
وكشف الأسد أنه لم يتم “اكتشاف البنية بعد” ولكن ما ظهر كان من “بنية منظمة” تتمثل بـ”مجموعات دعم لها أشخاص في أكثر من محافظة وفي الخارج.. هناك مجموعات إعلام.. هناك مجموعات تزوير.. وهناك مجموعات شهود العيان.. هي مجموعات منظمة مسبقا”.
وقال الأسد إنه كان هنالك تعليمات واضحة خلال المواجهة “لمنع جرح أي مواطن سوري”، ولكنه أضاف أن المواجهة في الشارع تحيل الأمور إلى فوضى، “ويصبح رد الفعل هو السائد، وما نسميها أخطاء اللحظة تصبح هي السائدة وتسيل الدماء، وهذا ما حصل وكلكم تعرفون هذا الشيء.. سقطت ضحايا”. ورأى الأسد أن وأد الفتنة “واجب وطني وأخلاقي وشرعي، وكل من يستطيع أن يساهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها”.
Leave a Reply