زيارة الأسد إلى موسكو تمتين للتحالف الاستراتيجي
فشلت محاولات عزل سوريا كلاعب عربي وإقليمي
بات من الواضح وعلى ارض الواقع، ان سوريا اعادت تأكيد دورها العربي والاقليمي والدولي، وليست رقماً يختزل في المعادلات، وقد فشلت محاولات الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في عزلها ومحاصرتها سواء بالقرارات الدولية التي صدرت ضدها، من قانون محاسبة سوريا الذي اصدره الكونغرس الاميركي في العام 2003، الى القرار 1559 الذي طالبها بسحب قواتها من لبنان في ايلول 2004، والى كل القرارات التي اعقبت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي كان الهدف منها توجيه الاتهام السياسي اليها عن دور لها في عملية الاغتيال كونها كانت موجودة بقواتها العسكرية واجهزتها الامنية فيه.
ومرت ثلاث سنوات واكثر على سوريا، كانت صعبة، مع التطورات العربية والاقليمية والدولية، حيث سعت الادارة الاميركية الى تشكيل محور عربي سمته «دول الاعتدال» ضد سوريا، وعملت على منع انعقاد القمة العربية على ارضها، الى استصدار قرارات رئاسية اميركية يحظر على شخصيات سورية السفر اليها او الى دول اخرى، ومنع التعامل معهم مالياً، الى اجراءات اخرى كلها تصب في خانة الضغوط على القيادة السورية لتغيير النظام الذي يلقى التفافاً شعبياً، بعدما رأى الشعب السوري، ماذا حل بالعراق وشعبه تحت عناوين كاذبة ومزاعم خادعة، باقامة الديمقراطية في العراق ومنعه من امتلاك اسلحة دمار شامل تبين من لجان التحقيق والمراقبة الدولية انها غير موجودة، كما ظهر ان لا علاقات بين الحكم في العراق برئاسة صدام حسين وتنظيم «القاعدة».
سقطت كل الضغوط على سوريا، لتسير في ركاب المشروع الاميركي، والتخلي عن دعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، والتراجع عن دورها الممانع لتسوية لا تضمن حلاً عادلاً وشاملاً يعيد الحقوق الوطنية والقومية لسوريا، كما للفلسطينيين واللبنانيين. وبقيت القيادة السورية على مواقفها الثابتة، وتمكنت من ان تفرض على المشروع الاميركي ان يعدل في توجهاته، فاسقط «الشرق الاوسط الجديد»، ولم يعد جورج بوش يتحدث عنه، بعد ان تم تدميره في لبنان، بصمود المقاومة وانتصارها على العدو الاسرائيلي، الذي فشل في رسم خارطة جديدة للمنطقة، انطلاقاً من الحرب الاسرائيلية التي شنت على لبنان، والتي كانت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس تريد ان تستثمرها في هذا المشروع.
فمع سقوط مشروع بوش «للشرق الاوسط»، ذهبت معه ايضاً الديمقراطية التي انتجت في العراق صراعاً طائفياً، وصحوات مذهبية، وهو ما حصل في لبنان مع «ثورة الارز» التي لم تفعل سوى انها شجعت على الاقتتال المذهبي والطائفي، بعد ان فشلت في ان تحكم وان يستأثر فريق 14 شباط بالسلطة، ويتفرد في الحكم، وجاءت احداث 7 ايار في بيروت، لتعيد التوازن الى السلطة، بعد ان امتنعت قوى الاغلبية النيابية من اعطاء الثلث الضامن في الحكومة، بالرغم من التظاهرات والاعتصامات التي قامت بها المعارضة، التي عادت وفرضت مطالبها وحررت القرار الرسمي اللبناني من السيطرة الاميركية، وادخلت مرة ثانية المقاومة في صلب البيان الوزاري، ومنعت اي مسؤول ان يفكر في استهداف سلاحها اياً كان هذا السلاح.
هذه التطورات في لبنان، أعطت سوريا ورقة قوية كون حلفائها، استعادوا المبادرة، وتمكنوا من ان يأتوا برئيس للجمهورية من خارج قوى 14 شباط، ومؤمن بالمقاومة والعلاقة مع سوريا، التي ساهمت في حل الازمة اللبنانية، ففتحت امامها ابواب باريس ودول اوروبية، وعادت لاعباً اساسياً وقوياً، ومرجعاً لملفات في المنطقة التي تملك فيها اوراقاً قوية، حيث اعترف تقرير بايكر-هاميلتون الاميركي، بمرجعيتها للحل في العراق، كما اكدت التطورات انه لا يمكن تجاهلها او القفز فوقها في عملية السلام، وفي تسوية الصراع العربي-الاسرائيلي، لانها ممر اجباري لـ«حماس» ولحركات المقاومة في فلسطين التي تقف، ضد تصفية المسألة الفلسطينية.
من هذا الواقع العربي والاقليمي، ذهب الرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو في زيارة صودف انها حصلت مع التطورات العسكرية التي وقعت في اوسيتيا الجنوبية للدفاع عنها في مواجهة محاولة جورجيا السيطرة عليها، وعدم الاعتراف باستقلالها، وقد ادركت روسيا خطورة الوضع، فحركت قواتها العسكرية لمنع سقوط هذه الدولة تحت مظلة الحلف الاطلسي واقامة قواعد اميركية فيها، الذي بدأ يهدد الامن القومي الروسي، مما دفع بالقيادة الروسية الى الدفاع عن وجودها في محاولة تطويقها بالردع الصاروخي في بولندا، وبتقسيم يوغوسلافيا، ونزع كوسوفو، ثم في مد القوات الأطلسية الى الدول المجاورة، والمحيطة بروسيا التي قررت استعادة قوميتها وهيبتها الدولية، ومواجهة التمدد الاميركي، باتجاهها عبر زرع حكام تابعين لها في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وكل ذلك للسيطرة على النفط في القوقاز والتحكم به من خلال مروره الى اوروبا.
هذه الوقائع التي دفعت روسيا نحو مواجهة غير مباشرة مع اميركا، اعادت الى الاذهان الحرب الباردة، ومما زاد في الاندفاع الروسي التدخل الاسرائيلي المباشر في تسليح جورجيا التي تضم في قيادتها مسؤولين يهوداً، حيث جاءت رسالة لاسرائيل، ان اللعب بالأمن القومي الروسي، سيكون الرد عليه بمزيد من تزويد سوريا بالسلاح وهذه المرة بالاستراتيجي منه، ولم يمانع الرئيس السوري من ان يعلن انه اذا احتاجت روسيا لزرع صواريخ استراتيجية باسم «اسكندر»، فان الارض السورية تستقبلها، مما اقلق اسرائيل التي تنبهت لخطورة الوضع، فعادت روسيا وسوريا الى التقليل من اهمية هذا الموضوع، وانه غير مطروح، لكن كل الاسلحة التي تتيح لسوريا الدفاع عن نفسها متوفرة، ومن دون صفقات بيع، اي ان سوريا ليست شارياً بل شريكاً استراتيجياً، وهي ادخلت روسيا الى المنطقة من خلال وجود اسطولها البحري في مرفأ طرطوس، وتقديم كل التسهيلات له، بحيث بات على مقربة من مرفأ حيفا ومن الدولة العبرية، فيما لو فكرت بالاعتداء على سوريا او احداث اختراق للامن القومي الروسي عبر جورجيا او غيرها.
شكلت زيارة الأسد الى روسيا، بعداً دولياً، وهي لم تكن تقليدية، وفرضت أحداث القوقاز، أن تمتن العلاقات باتجاه استراتيجي، واصبحت سوريا قائمة على حلف كبير إقليمي دولي، قوامه إيران من الشرق وروسيا من الغرب، وعلاقات جيدة مع تركيا بحيث أصبح ما كان يقال في الإعلام الأميركي خصوصاً والغربي عموماً، عن عزلة سوريا أصبح من الماضي، ولم يكن له اثره، بدليل ان الاتصالات مع سوريا لم تتوقف حتى الاميركية منها، كما ان اسرائيل تحاول خطب ود سوريا الى مفاوضات غير مباشرة معها، ليحقق رئيس حكومتها ايهود اولمرت فك عزلته.
استطاعت سوريا ان تشكل مرجعية عربية واقليمية ودولية، وان دخولها الى روسيا من موضوع علاقاتها للتصدي للسيطرة الأميركية على جورجيا، ووقوفها الى جانبها، يؤكد على قوة حضورها الدولي، من خلال وجود الرئيس الاسد في باريس، ثم في الهند وتركيا وفي دول اميركا اللاتينية وآسيا، وقبل ذلك في ترؤسه القمة العربية في دمشق.
Leave a Reply