رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض تحدث في وقت سابق من هذا الشهر عن “دولة الواقع” في الضفة الغربية، يعتزم اقامتها من جانب واحد، عبر انشاء مؤسسات لهذه الدولة ودعم القائم منها، بغض النظر عن تقدم المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي او حتى بدئها، وحدد لذلك مهلة زمنية لاستكمال بناء الدولة العتيدة في غضون سنتين.
والواقع ان فياض كان يتحدث عن دولة “احلام” بدت معالمها منذ “اوسلو” الذي انتج شكل دولة، تمثل في رئاسة وبرلمان ومجلس وزراء واجهزة أمن، ولم تعترض اسرائيل على واحدة منها، مثلما لم تعترض قبلا على رموز لهذه الدولة ومنها النشيد الوطني والعلم الفلسطيني وسفارات في ارجاء شتى من العالم. لا ضير والحالة هذه ان اعلن فياض على الملأ حدود “دولته الواقعية” وعاصمتها القدس الشريف، ولا مانع ان صكت عملة فسطينية، او اقيم مطار دولي في رام الله، او مرفأ على “البحر الميت”، اللهم يبقى الفلسطينيون مسالمون، وان لا يطلقوا رصاصة باتجاه الدوريات الاسرائيلية التي تجوب شوارع بيت لحم ونابلس والخليل، وان لا يقذفوا حجرا على سيارة مستوطن وهو في طريقه الى نابلس او طولكرم او جنين، فذلك هو ما يزعج الاسرائيليين ويقض مضاجعهم. اما ان يعلن فلان دولة او حتى امبراطورية، فهذا لا يهم فهو في نظرهم تمنيات واحلام يقظة لا ترقى الى درجة الفعل.
ثم ان رئيس الوزراء الفلسطيني ان غفر له المراقبون والمحللون على اطلاقه لهذا التصريح بسبب جهله في السياسة، فانهم لن يغفروا له كونه داهية في المال والاقتصاد، اذ كيف لدولة ان تقوم في الضفة الغربية، وهي تعتمد اعتمادا شبه كلي على التسهيلات الاسرائيلية. فهي محاطة من جهات ثلاث باسرائيل ويفصلها عن الاردن من الجهة الرابعة نهر يقف عليه الجيش الصهيوني، بإمكان تل أبيب في ساعة غضب، ان توقف عن مدن الضفة الغربية امدادات الكهرباء والماء والنفط، وتشل الحركة فيها وتحيلها الى ظلام دامس، مثلما هو بامكانها ان توقف عنها الامدادات الغذائية والدوائية وتمنع عنها الاستيراد والتصدير، تماما مثلما فعلت وتفعل في غزة. كما ان الضفة الغربية ليست لها مقومات دولة من الناحية الاقتصادية البحتة، فهي محدودة المساحة وثرواتها الطبيعية نادرة، وهي فقيرة مائيا، وأراضيها الصالحة للزراعة قليلة، وسكانها، نتيجة حملات التهجير وهروب المواهب الفاعلة، لا يعتمد عليهم في اقامة صناعات ترتبط بالتكنولوجيا والالكترونات والحاسب الالي، واذا ما لعبت السياحة دورا فسيكون هامشيا، اذا لم يكن الأقصى والقدس جزءا منها.
والواقع ان الازدهار المؤقت الذي تشهده الضفة الغربية منذ بضع سنوات، ما هو الا ازدهار مزيف، سببه المليارات التي تهطل على السلطة من المانحين وعلى رأسهم الولايات المتحدة واوروبا ودول الخليج العربية، الهدف منها اشاعة الاستقرار في المنطقة تمهيدا لاقامة سلام، وذلك عبر محاربة ما يسمونه الارهاب وهو في حقيقته مقاومة مشروعة تضطلع بها حماس ومنظمات اخرى مقاتلة، تذود عن شرف الامة وكيانها ومقدساتها، وتقاتل المحتلين واعوانهم، في المنطقة ومن يقف خلفهم من القوى العظمى. وكان دور السلطة الفلسطينية في كل ذلك مشبوها، فهي لم يقتصر دورها على مسالمة الاسرائيلين وحسب، وانما تعاونت مع الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية والاردنية والمصرية، لكبح جماح المقاومة وتسليم رأسها الى الاعداء لذا كوفئت بتلك المليارات وهذا الازدهار.
وعليه فان اي تراجع للمقاومة في الاراضي المحتلة وفي غزة على وجه الخصوص ,سيفضي ولا شك الى تراجع دور السلطة الأمني، بالتالي تفقد واحدا من اهم مقومات وجودها ورخائها، وهذا ما يفسر تراخي فتح الابواب من ناحيتها لايجاد صيغة توافق مع حكومة غزة، وما اعلان فياض عن اقامة دولة واقعية في الضفة الغربية سوى واحد من اشكال الانفصال الدائم والنهائي عن الجناح الاخر للوطن في غزة، ليظل جزء من هذا الوطن منعما باموال المانحين فيما يترنح الجزء الاخر تحت وقع الحصار والفقر والحروب.
Leave a Reply