كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لا يعلن أحد أو يجهر فـي الدول الكبرى، كما فـي الأمم المتحدة، بأن كل ما يتّخذ من قرارات فـي المؤتمرات الدولية التي تبحث بالأزمة السورية وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية، وحركة النزوح من سوريا الى دول الجوار أو البعيدة عنها، إنما تصب فـي دمج النازحين السوريين فـي المجتمعات المضيفة لهم، وأكثر ما يتأثّر بذلك هو لبنان، الذي شهد تدفق آلاف اللاجئين الفلسطينيين عليه بعد نكبتهم فـي العام 1948، إثر اغتصاب الصهاينة لأرضهم وطردهم منها، فتحوّل هؤلاء من لجوء مؤقت الى دائم فمشروع توطين لهم، برفض حق عودتهم الى وطنهم وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194 حيث تصر إسرائيل على عدم إدراج بند حق العودة فـي أي مؤتمر «سلام» لحل المسألة الفلسطينية، والدول التي منحت حق اللجوء للفلسطينيين على أمل عودتهم السريعة الى أرضهم، بات يُطرح عليها مشاريع توطينهم كما فـي لبنان، أو إقامة وطن بديل لهم كما فـي الأردن، وجرت عملية توطين مقنّعة للفلسطينيين بمنح آلاف منهم الجنسية اللبنانية، وهو ما أثار ردود فعل سلبية، لاسيما من المسيحيين الذين رأوا بما جرى هو تغيير ديمغرافـي، وخرق للدستور الذي نص فـي مقدمته على رفض التوطين الذي تسبب التداول به فـي مشاريع التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، بأن يكون جزءًا من الحرب الأهلية فـي لبنان.
فتجربة لبنان مع اللاجئين الفلسطينيين مازالت ماثلة أمامه والذين تحوّل وجودهم الى دائم، وبدأ يطرح أزمات عليهم وعلى مضيفهم لبنان، تتعلق فـي السكن والعمل والخدمات الإجتماعية والصحية التي تقدم منظمة «الأونروا» لهم التكاليف، لكنها بدأت تتناقص بسبب قلة الموارد المالية، مع إزدياد عدد اللاجئين بسبب الولادات والزيجات، والنزوح الفلسطيني من الأردن وسوريا.
الأزمة السورية
فمنذ إندلاع الأزمة فـي سوريا، قبل خمس سنوات، والتي تحولت الى حرب كونية عليها وفـيها، فإن لبنان تأثر بها، لجهة نزوح أكثر من مليون ونصف مليون مواطن إليه بحسب تقارير الأمم المتحدة، توزعوا على كامل الجغرافـيا اللبنانية، وكانت الكثافة فـي مناطق البقاع والشمال المتاخمة للحدود السورية، وهو ما حمّل لبنان الصغير فـي مساحته، والقليل العدد فـي سكانه، والتركيبة الديموغرافـية لشعبه، أعباءً ثقيلة، على الصعد البشرية والإقتصادية والإجتماعية والمالية والتربوية والصحية، والضغط على البنى التحتية غير المؤهلة، ويبقى الخطر الامني الأكبر عليه إذ تكشف القوى الأمنية والأجهزة الإستخباراتية عن شبكات إرهابية بين النازحين، ويجري إعتقال أفرادها، وهذا ما يقلق اللبنانيين على إستقرار بلدهم، حيث تحتل جماعات إرهابية من تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» بلدة عرسال، وقد حاول هذان التنظيمان التقدم بإتجاه المناطق المجاورة، منذ 2 آب 2014، تاريخ إقتحامهم لمواقع الجيش الذي بات على تخوم البلدة وفـي بعض جرودها، فـيتصدى لمحاولات تسلل المسلحين، ويكبّدهم خسائر بشرية فادحة.
والنزوح السوري كان محور مؤتمر «لدعم سوريا والجوار» عُقد فـي لندن، وحضرته 70 دولة إضافة الى رعاية الأمم المتحدة له، ومشاركة منظمات دولية إنسانية وأخرى غير حكومية، وهو ليس المؤتمر الأول الذي يُعقد بشأن سوريا، التي دخلت حربها عامها السادس، ومازال الحل السياسي بعيداً عنها، بالرغم من عقد مؤتمرات للحوار بين النظام السوري ومعارضيه فـي جنيف 1 و2 و3، وصدور قرار عن مجلس الأمن الدولي حمل الرقم 2254، ووضع آلية للحل، لكنه يتعثّر، وقد تأجّل مؤتمر «جنيف 3» الى 25 شباط، بسبب عدم الإتفاق على وفد موحّد للمعارضة التي وضعت شروطاً صعبة، أطاح بها الوضع الميداني الذي أتى لصالح الجيش السوري الذي تقدّم فـي المناطق الشمالية والشرقية لسوريا، وأغلق أكثر من معبر مع تركيا التي كانت ممراً للمسلحين، والأمر نفسه حصل على الجبهة الجنوبية فـي درعا التي أحرز الجيش السوري تقدماً أيضاً فـيها، كما لم يعد الأردن يسهّل تنقل المسلحين منه وإليه.
الحل السياسي للأزمة السورية، هو ما ينقذ النزوح السوري الذي أقلق أوروبا التي فتحت أبوابها للهاربين من جحيم الحرب، لكن مع التفجيرات التي حصلت فـي باريس، والإضطرابات الأمنية التي يُحدثها النازحون، فرمل الأوروبيون استقبالهم حتى بات النازحون يشكلون قنبلة موقوتة داخل المجتمعات المضيفة، ونشأت حالة كراهية وعنصرية و«إسلاموفوبيا» فـي دول اللجوء التي اتخذت إجراءات تخفف من تدفق النازحين إليها بعد أن سهّلت عبورهم، وكانت وجهة أكثريتهم الى ألمانيا التي تحتاج الى بعضهم لأسباب إقتصادية، فقررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد أحداث مقاطعة كولونيا، أن تضبط النزوح أو اللجوء إليها، فكان القرار الأوروبي، المدعوم أممياً، أن يبقى النازحون حيث هم فـي دول الجوار، ووقف قدومهم الى أوروبا ودول أخرى، فكانت الإغراءات المالية هي العنوان الذي تلطّت وراءه الحكومات الأوروبية، وهذا ما طرحته على تركيا بأن ثمنها ثلاثة مليارات، لمنع تدفق اللاجئين منها الى أوروبا.
اقتصاد متهاوٍ
وتحت هذا العنوان إنعقد مؤتمر لندن الذي حضره لبنان و قدّر البنك الدول الآثار الإقتصادية للاجئين إليه ما بين 2012 و2014 بـسبعة مليارات دولار على أساس إحصاء مليون نازح سوري، وهذا التقدير تغيّر بعد عامين وعدد النازحين إرتفع، إذ كشف وزير التربية إلياس بوصعب عن وجود 250 ألف طالب سوري فـي المدارس الرسمية يتلقون التعليم، ويبقى حوالي 375 ألف طالب خارج المدارس، وأن تكلفة تعليمهم تبلغ 300 مليون دولار، وهو ما لا قدرة على لبنان أن يتحمله وهو ينوء تحت دين يبلغ 70 مليار دولار، وعجز فـي الموازنة، وأن احتياطه وصل الى حدود 300 مليار ليرة (200 مليون دولار)، وقد رفع وزير المال علي حسن خليل البطاقة الحمراء عن إنهيار مالي يتهدد لبنان وإفلاس فـي خزينته، حيث تتّجه الحكومة الى زيادة الرسوم والضرائب، ومنها رفع سعر صفـيحة البنزين خمسة آلاف ليرة، الذي ووجه باعتراض نقابي وسخط شعبي.
فالوضع المالي للبنان لا يمكنه تحمل أكثر من مليون ونصف مليون سوري، إذ طلبت الدول المانحة أن تقدم لها الحكومة مشاريع محددة لتصرف عليها، لأنها لا تثق بالإدارة اللبنانية، مع تصنيف لبنان بالمرتبة 121 فـي الفساد من أصل 168 دولة، وكان الإقتراح الدولي يُركز على شقين: التعليم وتأمين فرص عمل للنازحين، من أجل إندماجهم فـي المجتمع اللبناني، وهو ما نبّه مسؤولين لبنانيين من أن يكون ذلك مقدمة لتوطين مقنّع للسوريين الذين وخلال ثلاث سنوات سُجل ولادة حوالي مئة ألف طفل، إضافة الى أن تمويل مشاريع للنازحين من أجل تأمين فرص عمل لهم، هو ما دفع بعدد من الوزراء فـي الحكومة الى طرح السؤال حول الهدف من هذه المشاريع التي ستسبب ببطالة لبنانية. إذ تشير الأرقام الى أنها إرتفعت الى 35 بالمئة بين الشباب والخريجين اللبنانيين، وأن حوالي 400 ألف مواطن لبناني عاطل عن العمل، إضافة الى أن ربع اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، فكيف إذا أضيف الى سوق العمل مئات آلاف السوريين، الذين كان لبنان بحاجة إليهم فـي حقول الزراعة والبناء، وكان يستوعب عشرات الآلاف منهم، وهي مهن لا يعمل فـيها اللبناني منذ عقود، أما وأن يتمّ تمويل مشاريع استثمارية فـي لبنان، وهي بدأت من قبل رجال أعمال ومال سوريين فـي فتح فروع لمصالحهم فـي سوريا فـي لبنان، كمصانع ومطاعم ومحلات تجارية.
والإندماج السوري فـي المجتمع اللبناني، هو أخطر ما يُقدم من إقتراحات دولية فـي ظل الحرب المستمرة فـي سوريا، والتي لا أفق لوقفها عما قريب، إضافة الى أنه لو توقفت هذا العام، فإن إعادة إعمار سوريا قد يحتاج الى سنوات، وأن البعض يراهن على أن السوريين قد يعيدهم إعمار بلدهم، ويختصرون إقامتهم فـي دول الجوار أو اللجوء، وهو تفاؤل يمكن أن يقوم على أساس نجاح الحل السياسي، وهو ما أعلنه رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام فـي مؤتمر لندن، بأن الحل الجذري والفعلي والحقيقي لمسألة النزوح، هو تقدم الحل السياسي وإتفاق السوريين فـيما بينهم عليه، وبدعم إقليمي ودولي، كما حصل فـي لبنان قبل أكثر من ربع قرن، عندما إتفق اللبنانيون فـي مؤتمر الطائف فـي السعودية، على وقف الإقتتال فـيما بينهم، واعتماد وثيقة الوفاق الوطني كحل تؤسس لنظام سياسي متقدم عن النظام الطائفـي، وساعدهم فـي ذلك قرار دولي-إقليمي، وهو ما يجب أن يحصل فـي سوريا التي بدأ المجتمع الدولي يغيّر قراءته لأسباب أزمتها، ويدعو للحفاظ على وحدتها واستمرار دولتها وبقاء جيشها، كي لا تقع بما وقع فـيه العراق وليبيا واليمن.
مليار دولار فقط
إن الإغراءات المالية، قد يضعف أمامها لبنان فـي ظل أزمة مديونيته، لدمج السوريين، لكن لديه تجربة مع الدول المانحة، بأنه لم يصله منها سوى مليار دولار على مدى السنوات الخمس، وهو تقدّم ببرنامج فـي مؤتمر لندن، حدّد فـيه حاجته الى 11 مليار دولار، لإنقاذ إقتصاده، وتحمل أعباء النازحين، لكن تجاوب الدول معه، قد لا يكون مثمراً، لأن الدول إتفقت على إنفاق 5,5 مليارات دولار خلال هذا العام، لا يعلم لبنان حصته منها، وهو يتوقّع أن يحصل على نصف المبلغ أي مليارين ونصف مليار دولار، لأن المبالغ الأخرى المقررة فـي المؤتمر وقيمتها نحو ستة مليار دولار، ستصرف على مدى خمس سنوات حتى العام 2020، وأن لبنان سيستفـيد من القليل منها، إلا إذا حُلّت الأزمة السورية، وعاد النازحون الى بلادهم، وهو أمر مستبعد فـي المدى المنظور، مع دخولهم فـي دورة إقتصادية وإنخراط فـي العمل وتعليم الأولاد، وهذه كلها مؤشرات الى أن التوطين المقنّع يسير بإتجاهه الصحيح، والتجنيس هو أحد الوسائل.
Leave a Reply