بوصف المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة زيد رعد الحسين للرئيس الأميركي دونالد ترامب بسائق الحافلة المتهور، يكون قد أصاب كبد الحقيقة، فما من شك في أن الولايات المتحدة –ومعها العالم– في انحدار متسارع، أقله من منظور حقوق الإنسان، مع وجود الملياردير النيويوركي في سدة الرئاسة الأميركية.
الحسين يبدو محقاً كذلك في تحذير ترامب من أن هجومه المتواصل على وسائل الإعلام قد يتسبب بأعمال عنف ضد الصحفيين. يضاف إلى ذلك، أنه بتصرفاته الرعناء تلك يقدم مبرراً للأنظمة الديكتاتورية حول العالم بقمع حرية الصحافة والتعبير، التي شكلت على مدار العقود ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية الأميركية، والتي يبدو أن «نجم تويتر» لا يعيرها الكثير من الأهمية.
كما أن وصفه لبعض وسائل الإعلام، مثل قناة «سي أن أن» وصحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» بأنها مزيفة يشكل بحسب المفوض السامي «تحريضاً على مهاجمة الصحفيين» قد «يتسبب بأضرار بليغة»، يتحمل الرئيس مسؤوليتها في حال لحق بهم الأذى، فـ«إضفاء صفة الشر على الصحافة هو أمر خطير لأن له عواقب في أماكن أخرى» حول العالم.
كراهية الرئيس للصحافة والإعلام ليست جديدة، وقد غدت «ماركة مسجلة» باسمه، منذ إطلاق حملته الرئاسية قبل نحو سنتين. ووصفه للصحافيين بأنهم «أشخاص غير صادقين.. لا يحبون بلادنا» خلال الكلمة التي ألقاها في أريزونا في وقت سابق من هذا الشهر، تظهر أن ملياردير العقارات مصاب حقاً بعقدة «كراهية الصحافة»، التي ترقى إلى مستوى التحريض المكشوف.
تصريحات ترامب المثيرة للقلق حول النساء والمكسيكيين وسخريته من شخص معاق علناً، وإصداره توجيهات حول حظر المتحولين جنسياً من الخدمة في الجيش، فضلاً عن أنه يتفاخر بـ«كسر المحرمات»، كل ذلك يشي بأنه شخص غير مسؤول على الإطلاق، ويشجع مؤيديه على شن الهجمات على تلك المجتمعات، وفقاً للحسين.
وعلى نفس الشاكلة، تبدو مواقفه المشككة بالمسلمين، التي انتهت بقرارين تنفيذيين رئاسيين أثارا جدلاً واسعاً في البلاد، ونص آخرهما على «حظر السفر» لمواطني ست دول ذات أغلبية مسلمة، وذلك بعد معارك قضائية وحقوقية ضارية، جمدت قراره التنفيذي الأول الذي سرعان ما بادر إلى إصداره بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض.
أما كراهيته للاجئين فقد أصبحت حقيقة واقعة، منذ سربت صحيفة «واشنطن بوست» محادثات جرت بينه وبين عدد من المسؤولين، والتي كانت بينها محادثة جمعته مع مسؤول استرالي قال ترامب فيها «أكره استقبال هؤلاء الأشخاص، وأؤكد لك أنهم في السجون الآن، لأنهم سيئون»، مضيفاً «حال سمحنا بدخول اللاجئين إلى الولايات المتحدة سنكون سيئين للغاية، وهؤلاء الأشخاص لن يتحولوا إلى أشخاص رائعين حال ذهبوا إلى العمل، أو تحولوا إلى فلاحين في الولايات المتحدة».
وعلى ضوء هذه الحقائق، ليس مفاجئاً أن يرى أغلب الأميركيين أن رئيسهم «يمزق البلاد»، ففي استطلاع للرأي نشرته شبكة «فوكس نيوز» اليمينية –الأربعاء الماضي– عبّر 56 بالمئة من المستطلعة آراؤهم عن اعتقادهم بأن «الرئيس ترامب يمزق البلاد». كما أشار موقع «بوليتيكو» إلى اتساع الهوة بين المتحزبين الجمهوريين والديمقراطيين الذين رأى 93 بالمئة منهم أنه يفعل ذلك.
قناة «سي بي أس» أفادت –في السياق ذاته– أن 50 بالمئة من المستطلعين لم يوافقوا على الطريقة التي يتعامل فيها الرئيس مع تهديدات كوريا الشمالية، وأن 59 بالمئة قلقون من التصعيد مع الدولة النووية.
بعد حوالي سبعة شهور من توليه مسؤوليات الرئاسة، تبدو الولايات المتحدة على شفير العديد من الأزمات الخانقة التي تهدد بتمزيق حاد للمجتمع الأميركي، والتي إحداها –إن لم يكن في مقدمتها– كون ترامب نفسه على سدة الحكم.. دون أن ننسى الإشارة إلى رغبة الكثير من الأميركيين بالإحاطة به، أو عزله من منصبه، وهي رغبة لن تتحقق على الأرجح بسبب التعقيدات القانونية والسياسية في البلاد، ولكنها تظهر بلا أدنى شك عمق المأزق الذي تعيشه أميركا.. والذي أوصل ترامب إلى البيت الأبيض.
والمفارقة.. أن المأزق نفسه مستمر.. بسبب كون ترامب في سدة الرئاسة!
Leave a Reply