محمد الرموني
يبدو أن منطقة وسط ديترويت إقتربت من نقطة التحول مع كل ما يجري من إعمار وبناء بما فـي ذلك «الجسر الدولي الجديد»، خط القطارات «ترام»، الإستاد الرياضي «أرينا» والأبراج السكنية الحديثة، ولعل آخر موجة عمران شهدتها المدينة كان بناء ابراج «رينيسانس سنتر» قبل 40 عاما، تلا ذلك بناء «كوميركا بارك»، «فورد فـيلد»، ٣ كازينوهات للقمار، وإعادة إعمار فندق «بوك كاديلاك» وفندق «فورت شيلبي».
من وسط ديترويت التجاري عدسة: عماد محمد |
لكن هذا كله أصبح عمراناً متواضعاً مقارنة بما تشهده ديترويت حاليا من حركة عمرانية عملاقة مدعومة من كبار الأثرياء ورجال الأعمال فـي المدينة والولاية ومن جميع أنحاء الوطن الأميركي، ما من شأنه إحداث نقلة نوعية فـي حاضر ومستقبل «عاصمة السيارات سابقاً» فـي فترة عقد من الزمن أو عقدين، حيث قال جورج جاكسون والذي تقاعد عقب 12 عاما من العمل فـي تصدر مشهد إعادة التطوير فـي ديترويت، بأنه يتوقع ان تشهد المدينة بعد مرور عشر سنوات من الآن تحولا نوعياً يصبح فـيه الوسط التجاري يعج بالحوانيت وأماكن الترفـيه والمساكن وحركة المشاة وراكبي الدراجات الهوائية ومستعملي وسائل النقل الجماعي. وقال جاكسون والذي تقاعد هذه السنة من منصبه بصفته الرئيس والمدير التنفـيذي فـي «مؤسسة التنمية الإقتصادية فـي ديترويت» بأن «داونتاون ديترويت» سيصبح شبيها بالوسط التجاري فـي مدن نيويورك ولوس أنجلوس وتورنتو الكندية، يعج بالحياة ليلا ونهارا.
ويجري حاليا إقامة مئات الشقق السكنية على طول شارع وودوورد وعلى ضفة النهر مع ما يعني ذلك من إنتشار للمحلات التجارية والمطاعم، وهناك عمال البناء فـي منطقة «كابيتول بارك» مشغولون بأعمال الحفر والإعمار، كما ان شركة «أوليمبيا» لأصحابها عائلة «إيليتش» بدأت أعمال بناء الإستاد الرياضي العملاق والمنطقة الترفـيهية المحاذية له والواسعة إعتبارا من الأسبوع قبل الماضي، فـي حين وضعت المخروطات البرتقالية على طول شارع وودوورد فـي إشارة الى أعمال البناء الجارية لخط القطارات (أم 1 تريل)، بدوره قام الملياردير دان غيلبرت صاحب شركة «كويكن لونز» بشراء 60 مبنى فـي وسط ديترويت وملأها بالموظفـين العاملين فـي شركاته والذين يتجاوز عددهم ستة آلاف موظف، وهو يتوقع أن تصبح المنطقة مركزا للشركات التكنولوجية.
فـي الناحية المقابلة يرى المسؤولون ورجال الأعمال الإثرياء بأن معدلات الجريمة العالية والأعداد الكبيرة من العمال غير الماهرين ومستوى التعليم المتدني فـي المدينة ستظل معوقات أمام الإزدهار الكامل للمدينة بكافة اطرافها. وبرغم ذلك يعتبر غيلبرت وهو على رأس قائمة الأثرياء فـي ديترويت متحمسا ويعمل بلا كلل لإرساء دعائم التطوير الإقتصادي والتجاري فـي مدينته، حيث يرى أنها ستكون بمثابة مجمع لصناعة التكنولوجيا إضافة الى مركز تجاري ينبض بالحياة والحركة من خلال الإستثمارات الهائلة التي ستضخ فـيها فـي غضون 10 إلى 20 عاما. وقال ستكون المدينة الأسرع نموا وصخبا ونشاطا وستجلب إليها الناس من كافة التوجهات والأعراق.
أسئلة بلا إجابات حول «ديترويت الغد»
ولكن مقابل هذا التفاؤل الكبير يوجد عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها بالحاح فـي وجه المتفائلين والمستثمرين. بعض هذه الأسئلة تبحث عن أجوبة شافعة:
– مطار «كولمان يونغ الدولي»: يأمل المسؤولون فـي البلدية بإعادة الحياة الى هذا المطار فـي ديترويت والذي أغلق قبل عشر سنوات، فـي حين يوصي مدير الطوارئ المالية ببيعه.
– خط القطارات «إم – 1» والذي يبلغ طوله 3.3 ميل يؤمل أن يصبح جزءاً من خط للقطارات فـي منطقة ديترويت الكبرى يخدم المقاطعات الثلاث، وهو فقط بحاجة لجمع الأموال لتحقيق هذا الحلم.
– الطريق السريع «375-I» هناك خطط لإزالته وتحويله الى شارع عادي وخطط أخرى لإعادة إعماره والإبقاء عليه طريقا سريعا.
– العقارات: يخشى من تقلبات سوق العقار الملتهب حاليا حيث أن أي كساد إقتصادي أو إرتفاع فـي معدلات الفوائد المصرفـية قد يهدئ من الفورة الحالية.
– وتظل معضلة الجريمة والتدني فـي المستوى التعليمي لمدارس ديترويت الرسمية سببين فـي التشكيك بمستقبل ديترويت فـي فترة 10 و20 سنة القادمة، ويرى الكثيرون أن ديترويت مدينة خطيرة للعديدين وأن خفض معدلات الجريمة فـيها أو رفع مستوى التعليم فـي مدارسها مسائل بحاجة الى جهود حثيثة وطويلة الأمد. وقال البروفسور جون موغ أستاذ القانون فـي جامعة واين ستايت بأنه تحققت لديترويت فـي الآونة الأخيرة جملة من التطورات بضمنها التخلص من الديون وإعادة الهيكلة وهذا من شانه تحسين خدمات الإنارة والتخلص من النفايات وتحسين الإستجابة فـي دائرة الشرطة والحد من مشكلة المباني المهجورة، ولكن موغ حذر من مشكلة الفقر والجريمة وتدني التعليم فهذه لا تحل لمجرد تعمير منطقة الوسط التجاري. وأضاف أن إحراز تقدم فـي هذه النواحي يستغرق حتى 20 عاما من الجهود المبذولة من المسؤولين.
من جانبها كانت غليندا برايس وهي رئيسة مؤسسة المدارس العامة فـي ديترويت، أكثر تفاؤلا حيث أشادت بالمكاسب التي تحققت حتى اللحظة وقالت إن توفـير المزيد من الموارد للمدارس العامة سيخفض معدلات الجريمة ويضيق الهوة بين الفقراء والأغنياء فـي الوسط التجاري بما يحقق الإبتكار والإشراق للمستقبل.
وقال وليام جونز من مؤسسة «فوكاس – هوب» الخيرية، إن تحقيق النجاح فـي مستقبل ديترويت يتوقف على تحسين التعليم وتطوير المهارات عند العمال، وقال بأنه ما لم يتم التوسع فـي البرامج التدريبية لتأهيل سكان ديترويت لمواكبة التطورات التكنولوجية لأخذ مكانهم فـي الصناعات المستقبلية فإن هؤلاء سيظلون خارج الحساب ويزدادون تهميشا وفقرا. أما روبين بول وهو رئيس دائرة التخطيط الحضاري فـي جامعة «وين ستايت» فقد يوافق على ما قاله جونز ويؤكد أنه بدون تدريب الشباب من أهالي ديترويت لإستيعاب التكنولوجيا الحديثة سيكون من الصعب نجاح الشركات والمصانع العاملة بهذا المجال فـي ديترويت الغد.
– عن جريدة «ديترويت فري برس»
Leave a Reply