قائد شرطة المدينة يرحّب .. ومتظاهرون يطالبون باستقالته
واشنطن، ديترويت
أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، عن إرسال عناصر أمن فدراليين إلى ثلاث مدن أميركية جديدة، بينها ديترويت، للمساعدة في لجم معدلات الجريمة المتصاعدة بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات التي تقودها حركة «حياة السود مهمة» ضد دوائر الشرطة المحلية.
وسيشمل هذا الإجراء –إضافة إلى ديترويت– مدينتي كليفلاند بولاية أوهايو وميلووكي بولاية ويسكونسن، حيث سيتم إرسال حوالي مئة عنصر أمن فدرالي في الأسابيع المقبلة وفقاً للوزارة التي تشير إلى زيادة نسبة جرائم القتل بـ13 بالمئة في كليفلاند، و31 بالمئة في ديترويت، و85 بالمئة في ميلووكي، منذ مطلع العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
وكان ترامب قد قال في تصريح له يوم الاثنين الماضي: «عندما نخسر هذا العدد الكبير من الضحايا في عطل نهاية أسبوع.. وعندما يرون الأرقام التي أراها أعتقد أن عليهم أن يتصلوا بنا ويقولوا لنا تعالوا»، مسمياً مدن شيكاغو وفيلادلفيا وديترويت، مما زاد من التوقعات بإرسال عناصر أمن فدراليين إلى عاصمة السيارات.
وفي حين أعرب العديد من مسؤولي المدن والولايات التي أوردها ترامب، معارضتهم لإجراء من هذا النوع، أبدى قائد شرطة ديترويت، جيمس كريغ، ترحيبه بقدوم العناصر الفدراليين بسبب انتشار الأسلحة غير الشرعية في المدينة، مؤكداً أنه لم يطلب مساعدة من هذا النوع على رغم من تصاعد وتيرة التظاهرات المناوئة لشرطة المدينة، والمطالبة باستقالة كريغ نفسه، بعد مقتل ثلاثة رجال سود على يد عناصره، خلال أقل من شهر.
وقال كريغ: «لم نطلب من الحكومة الفدرالية أن تأتي لاحتواء الاحتجاجات. نقطة. ولا أدري كم مرة عليّ أن أكرر قولي هذا».
وعقد كريغ مؤتمراً صحفياً الاثنين الماضي، تناول فيه أسباب ارتفاع وتيرة العنف في المدينة، كما تناول ثالث حادثة إطلاق نار من الشرطة على مشتبه بهم، حيث أصيب رجل مشتبه به بتجارة المخدرات بعدة عيارات نارية بعد مطاردة سريعة انتهت بإصابته بالقرب من تقاطع شارعي بليموث ووايومينغ في غرب المدينة، يوم الأحد الماضي.
ومساء الخميس الماضي قتل شخص ثالث على يد شرطة ديترويت، في غضون ثلاثة أسابيع، وذلك بعد مواجهة بالسلاح الأبيض مع رجال الشرطة في غرب المدينة. وقال كريغ إن المهاجم يعاني من أمراض عقلية وقد هاجم عناصر الشرطة بسيف وخنجر قبل أن يلقى مصرعه بنيران الشرطة.
وأوضح كريغ أن الأسلحة النارية غير الشرعية هي العامل الرئيسي وراء ارتفاع معدلات الجريمة في ديترويت مؤكداً أن عناصره قاموا بمصادرة 537 قطعة سلاح، واعتقلوا 473 مسلحاً بين 22 حزيران (يونيو) و26 تموز (يوليو) الماضيين.
ومنذ مطلع العام 2020 ارتفعت حوادث إطلاق النار في ديترويت بنسبة 51 بالمئة مقارنة بالفترة من العام الماضي. غير أن كريغ يُرجع أيضاً ارتفاع معدل العنف في الآونة الأخيرة إلى خطاب المحتجين المعادي للشرطة فضلاً عن السماح بإطلاق سراح متهمين خطيرين بسبب وباء كورونا.
وجدّد متظاهرون الأسبوع الماضي مطالباتهم باستقالة كريغ بسبب طريقة تعامل الشرطة مع الاحتجاجات واستخدام القوة المفرطة ضد المشتبه بهم السود.
ورد كريغ بإصدار أمر تنفيذي إصلاحي يلزم عناصر دائرته بالتدخل للجم أي سلوك غير قانوني قد يقترفه زملاؤهم خلال أوقات الخدمة، وذلك في محاولة لاحتواء غضب المتظاهرين المتزايد تجاه الشرطة.
نقاش وطني
وفقاً للبيت الأبيض، سيتم إرسال العناصر الفدراليون إلى ديترويت في غضون الأسبوعين المقبلين، مع تواصل الاحتجاجات السلمية لحركة «حياة السود مهمة»، تحت شعار «ديترويت ستتنفس».
وقد أكد المدعي العام الفدرالي في شرق ميشيغن، ماثيو شنايدر، أن عناصر الأمن الذين سيتم إرسالهم إلى ديترويت سيكونون بمثابة تعزيز للتعاون القائم بين الشرطة المحلية والوكالات الفدرالية لمكافحة الجريمة في المدينة التي عانت من انعدام الأمن لعقود طوال.
وقال شنايدر: «الأمر ليس له علاقة بالمحتجين أو حرية التعبير أو أي شيء من هذا القبيل، فالعناصر الفدراليون لن يأتوا إلى ديترويت للتعامل مع الاحتجاجات، بل الأمر يتعلق فقط بلجم العنف وحوادث إطلاق النار».
ومن جانبه، قال وزير العدل الأميركي بيل بار: «تشهد مدن كليفلاند وديترويت وميلووكي زيادة مقلقة للجرائم العنيفة، خصوصاً جرائم القتل».
وتعرض الوزير لانتقادات واسعة من المعارضة الديمقراطية بعد إرسال عناصر أمن فدراليين إلى مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، حيث يخوض هؤلاء اشتباكات ليلية مع متظاهرين مناهضين «للعنصرية والفاشية».
ويقول بار إن الاحتجاجات العنيفة في بورتلاند وعدد من المدن الأميركية الأخرى، لا علاقة لها بمناهضة العنصرية، واصفاً المحتجين بأنهم «فوضويون» و«يساريون راديكاليون» يريدون تقويض النظام.
وفي موازاة هذا التدخل المثير للجدل في بورتلاند، نفذت إدارة ترامب عمليات مماثلة في عدة مدن ديمقراطية تشهد زيادة كبيرة في وتيرة العنف المسلح، كمدن كنساس سيتي وشيكاغو وألبكيركي.
ونفى بار قيامه بمزايدة سياسية لمصلحة ترامب، وسط انتقادات قوية قبل ثلاثة أشهر ونيف من الانتخابات الرئاسية. وأصر على أن قوات الأمن والقوات شبه العسكرية من وزارتي الأمن الداخلي والعدل، أرسلت من أجل مواجهة ما اعتبره «هجوماً على حكومة الولايات المتحدة».
وقال في شهادة أمام لجنة العدل في مجلس النواب «في أعقاب وفاة جورج فلويد، خطف مثيرو الشغب العنيفون والفوضويون الاحتجاجات لإحداث فوضى لا معنى لها بحق ضحايا أبرياء». وتابع أن «التغاضي عن التدمير والفوضى يعني التخلي عن مبادئ سيادة القانون الأساسية التي يجب أن توحدنا حتى في مرحلة انقسام سياسي».
وكانت إدارة ترامب قد أرسلت إلى بورتلاند ومدن أخرى ضباطاً مسلحين، يرتدي العديد منهم ملابس شبيهة بالملابس العسكرية، للتدخل أمنياً بعد أن خلفت أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للشرطة والمعارضة للحكومة تدميراً لممتلكات فدرالية وعدة مبان حكومية أخرى.
وقال مشرعون ديمقراطيون إن هذه التدابير تفوح منها رائحة «دولة بوليسية»، وإنها خطوة سياسية لإظهار ترامب للناخبين كرئيس صارم يحمي القانون والنظام.
لكن المفارقة أن الاحتجاجات في بورتلاند اشتدت فقط بعد وصول الضباط الفدراليين واعتقال العشرات على مدى الأسبوعين الماضيين. واتهم مسؤولو بورتلاند وأوريغون، بار، برد فعل مفرط جعل الموقف أسوأ.
لكن بار، الذي حضر الثلاثاء الماضي للمرة الأولى أمام اللجنة القضائية التي يقودها الديمقراطيون، أكد في شهادته أن مهمته هي حماية الممتلكات وسبل العيش التي أضر بها المتظاهرون. وقال: «لا مكان في هذا البلد للغوغاء المسلحين الذين يسعون إلى إنشاء مناطق حكم ذاتي خارجة عن سيطرة الحكومة أو هدم التماثيل والآثار التي اختارت المجتمعات الملتزمة بالقانون أن تقيمها أو تدمير ممتلكات وسبل عيش أصحاب الأعمال الأبرياء».
من جهة أخرى، أعلنت كايت براون الحاكمة الديمقراطية لولاية أوريغون، الأربعاء الماضي، أن حكومة ترامب وافقت على سحب تدريجي اعتباراً من 30 يوليو لعناصر الأمن الفدراليين من بورتلاند. وجاء في بيان: «بعد مباحثات مع نائب الرئيس ومسؤولين في الإدارة وافقت الحكومة الفدرالية على طلبي وستبدأ بسحب عناصرها».
Leave a Reply