ديربورن – أحيى مئات المناصرين للقضية الفلسطينية «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني» في «مركز فورد للفنون» بمدينة ديربورن الأربعاء المنصرم، عبر مهرجان خطابي ضمّ متحدّثين من عدة خلفيات عرقية ودينية أجمعوا على إدانة العدوان الإسرائيلي على قطّاع غزة وإصرار الولايات المتحدة على دعم دولة الاحتلال رغم المناشدات الشعبية والرسمية داخل وخارج البلاد، ورغم فداحة الخسائر البشرية والمادية في الأراضي المحتلة.
وهذا العام، تزامن «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»، الذي يصادف 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مع وقف إطلاق النار المؤقت في قطّاع غزة الذي تعرّض منذ السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم للقصف والاجتياح البري لقوات االاحتلال، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف وتشريد زهاء 1.5 فلسطيني وسط ظروف كارثية تنذر بأزمة إنسانية حادة، بحسب الأمم المتحدة.
الفعالية التي نظمتها عدة مؤسسات مجتمعية وحقوقية، من بينها منظمة «جيل جديد من أجل فلسطين»، وصحيفة «صدى الوطن»، و«اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز»، و«الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية”، و«ميشيغن موحدة»، و«الصوت اليهودي من أجل السلام»، و«ماذرينغ جاستس»، شكلت امتداداً لسلسلة التظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تشهدها منطقة ديترويت منذ تجدد الصراع المسلح في فلسطين المحتلة، والتي تندرج ضمن الزخم العالمي الكاسح حول عدالة القضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم.
واستهل رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود، البرنامج الخطابي بالتأكيد على تضامن المدينة ذات الكثافة العربية مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود من عسف الاحتلال الإسرائيلي وحروبه الوحشية على المدنيين العزّل في الضفة الغربية وقطاع غزة، لافتاً إلى أن الكثير من سكان منطقة ديترويت يدركون فظاعة الجرائم الإسرائيلية ومجازر الإبادة الجماعية التي شهدوها بأنفسهم، أو شهدها أباؤهم وأجدادهم قبل هجرتهم إلى الولايات المتحدة.
حمود الذي يتحدر من أصول لبنانية، شجب المواقف المتحيزة للإدارة الأميركية التي تواصل دعمها غير المشروط للدولة العبرية، مؤكداً بأن المسؤولين الأميركيين يجهلون حقيقة ما يحدث في الأراضي المحتلة، على عكس الكثير من سكان المدينة الذين كانوا شهوداً وضحايا مباشرين للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة طيلة الـ75 عاماً الماضية.
وأوضح حمود بأن الانتخابات الرئاسية في عام 2024 ستشكّل نقطة اختبار حقيقية لإرادة الشعب الأميركي، متسائلاً فيما إذا كانت خياراتنا الانتخابية تنحصر في إعادة انتخاب الرئيس الحالي جو بايدن أو اختيار الرئيس السابق دونالد ترامب، وقال: «إذا كانت الديمقراطية الأميركية تعني إعادة انتخاب الرئيس الحالي، فهذا يعني أننا نضحي بديمقراطيتنا من أجل (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو»، في إشارة إلى تلويح العرب والمسلمين الأميركيين بعدم التصويت مجدداً للرئيس الديمقراطي الذي ربح ولاية ميشيغن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بفضل الغالبية العظمى من أصواتهم.
وأضاف حمود: «إن مستقبلنا يعتمد على تصويتنا»، مؤكداً بأن «التاريخ سيكون إلى جانبنا، غداً أو بعد غد، وأنه سيتحدث عن اللحظات التي وقفنا فيها من أجل العدالة مراراً وتكراراً»، وواعداً سكان غزة بعدم التخلي عنهم مهما كانت الأثمان.
من جانبها، أكدت الناشطة الإفريقية الأميركية في منظمة «ميشيغن موحدة»، ألدير ليزلي ماثيوز، بأن المجازر الوحشية التي استهدفت الأطفال والنساء خلال الأسابيع الأخيرة في قطاع غزة كانت بين الأسباب التي دفعتها للمشاركة في إحياء «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»، مشددة على أن تحقيق العدالة في فلسطين هو مطلب وحاجة إنسانية بالدرجة الأولى، كما هو لجميع البشر بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وخلفياتهم الثقافية.
وقالت ماثيوز: «إننا هنا اليوم لكي نواصل نضالنا من أجل العدالة الغائبة في فلسطين، إننا هنا للكفاح من أجل الإنسانية»، مختتمة كلمتها بشعار «فلسطين حرة».
رئيس تحرير صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، أكد بأن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، و«من معهما من الصهاينة داخل وخارج أميركا» فشلوا في إخضاع وكسر إرادة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لأنهم أخطأوا في تقدير صلابة الفلسطينيين واستعدادهم لتقديم أرواحهم من أجل الكرامة والحرية.
وقال السبلاني: «إما أن نموت أو نعيش بكرامة وحرية وعدالة، هذا ما يجب أن يعرفه بايدن ونتنياهو ومن يساندنهم، كما يجب أن يعرفوا بأننا لن نتراجع إلى الخلف ولن نتخلى عن المطالبة بحقوقنا وحريتنا هنا (في أميركا) وهناك (في فلسطين المحتلة)».
وأوضح السبلاني بأن «الزمن قد تغير كثيراً»، منذ بدأ نضاله الإعلامي مع تأسيس صحيفة «صدى الوطن» قبل زهاء أربعة عقود، بالتأكيد أسبوعياً على عدالة القضية الفلسطينية، مستهجناً الذرائع الإسرائيلية في شن الحروب في منطقة الشرق الأوسط بالدفاع عن النفس، وقال: «لقد احتلت إسرائيل عاصمتنا بيروت قبل ظهور حزب الله وحماس»، واصفاً الإسرائيليين بالإرهابيين والقتلة.
وسخر السبلاني من محاولة بايدن لتحسين صورته عبر الاجتماع مع بعض القيادات العربية الأميركية خلال الفترة الأخيرة، وقال مخاطباً الرئيس الديمقراطي: «أقول لك من ديربورن، من عاصمة العرب الأميركيين، إنك لن تحصل على أصواتنا في نوفمبر المقبل، حتى ولو وقفت على رأسك، هذا لن يحدث مرة أخرى على الإطلاق».
كما استهجن السبلاني التصويت شبه الكامل لدعم إسرائيل في مجلس النواب الأميركي الثلاثاء المنصرم، وقال: «هل يعقل أن يمثل هذا المجلس، الشعب الأميركي؟.. لقد اعترض نائب واحد فقط مقابل 412 نائباً صوّتوا على دعم إسرائيل وتجاهل حقوق الفلسطينيين، مستحيل أن نصدّق هذا»، لافتاً إلى أن المسألة لا تتعلق فحسب بما يجري في فلسطين وإنما في ما يحصل في الولايات المتحدة حيث «يجري العمل على تقسيمنا لمواجهة بعضنا البعض».
وأثنى السبلاني على الزخم الشعبي المتواصل في كافة أرجاء أميركا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مؤكداً بأن «الجماهير تسير على طريق النصر العظيم الذي سيتحقق قريباً جداً في الولايات المتحدة وفي فلسطين المحتلة»، ومشيراً إلى أن مناصري العدالة والحرية سيتمكنون في نهاية المطاف من الوصول إلى العاصمة واشنطن لكنس الفاسدين في البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، واصفاً المسؤولين المتواطئين مع الدولة العبرية بأنهم «حفنة من القتلة والمتعطشين لسفك الدماء».
في الإطار، أكد الناشط في منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام»، جوشوا فينستين، بأن «الحراك من أجل فلسطين الحرة مستمر وحيوي داخل وخارج الولايات المتحدة»، مذكراً بالمظاهرة التي استقطبت الآلاف من كافة الأديان والأعراق في قلب مدينة ديترويت الشهر الماضي للتنديد بجرائم دولة الاحتلال وسياسات الاستيطان والفصل العنصري التي تنتهجها الدولة العبرية منذ نشأتها.
وشجب فينستين مجازر الإبادة الجماعية التي أودت بحياة حوالي ستة آلاف طفل في قطاع غزة خلال الأسابيع الأخيرة، معرباً عن رفضه للذارئع الإسرائيلية بالدفاع عن النفس ومخاطباً دولة الاحتلال: «ليس باسمنا ما تفعلونه»، واعداً بمواصلة النضال من أجل «فلسطين الحرة».
القس جاك إيغليستون سرد جزءاً من مشاهداته خلال إحدى زياراته إلى الأرض المحتلة، كاشفاً عن مرارة الحياة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون في مختلف المجالات، ليخلص إلى أن «الصمت بوجه الظلم هو خطيئة بحق الله وبحق الإنسانية».
وقال إيغليستون إن الغياب المتواصل للعدالة في فلسطين ناجم عن صمت الناس، وإن «ثمن الصمت هو الموت»، متسائلاً إلى متى يجب أن نبقى صامتين؟ أبعد أن قتل أكثر من 15 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء؟ ليجيب على السؤال بنفسه، ويردد خلفه مئات المحتجين: «لا.. لن نبقى صامتين».
وطالبت عضو مجلس بلدية ديترويت غابرييلا سانتياغو روميرو بإنهاء المساعدات الأميركية لإسرائيل وبالوقف الدائم لإطلاق النار في الأراضي المحتلة، مذكرة بأنها كانت وراء القرار الذي أصدرته مدينة ديترويت الشهر الماضي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وقالت: «أعلم أنه بينما أتحدث الآن، فإن أموال ضرائبنا تمول غارات القصف ومجازر الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ولهذا فإننا نطالب بوقف إطلاق النار بشكل فوري هناك».
ولفتت العضو التي تتحدر من أصول لاتينية إلى أن الدائرة السادسة التي تمثلها في مجلس مدينة ديترويت تضم أطيافاً متعددة من اليهود والمسيحيين والمسلمين، وكذلك أعراقاً متنوعة من السود واللاتينيين والآسيويين وغيرهم من الإثنيات الأخرى، وقالت إن معظم سكان الدائرة يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني خلال هذه المحنة الأليمة.
وحمّل رئيس منظمة «جيل جديد من أجل فلسطين» عامر زهر، المسؤولين الأميركيين ووسائل الإعلام الأميركية مسؤولية تأجيج الكراهية في الولايات المتحدة، ما أسفر عن حوادث تضمنت تهديد ومهاجمة العديد من الفلسطينيين الأميركيين كان آخرها إطلاق النار على ثلاثة فلسطينيين في ولاية فيرمونت الأسبوع الماضي.
وأعرب زهر عن اعتزازه برفع الصوت من أجل دعم الحقوق الفلسطينية، وقال: «لسنا خجولين من مساندة الحقوق الشرعية لشعبنا الفلسطيني بالحرية والعدالة والتحرر من الاحتلال والفصل العنصري»، مؤكداً بأن المقياس الحقيقي لعدالة القضبة الفلسطينية لا يعتمد على مواقف الإدارة الأميركية وإنما على مشاعر الحشود التي تتظاهر بالملايين حول العالم من أجل نصرة الشعب الفلسطيني.
وقال إن دعم أميركا لإسرائيل ليس مستغرباً ولا مفاجئاً، فالتاريخ ينبئنا بأن الولايات المتحدة كانت من أواخر الدول التي أدانت الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، مستبعداً أن تتبدل المواقف الأميركية من القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، لكنه طالب الحاضرين بعدم الشعور بالإحباط، لأن «التغيير سوف يصل في نهاية المطاف إلى العاصمة واشنطن».
وتهكم الكوميديان الفلسطيني على المسؤولين والإعلاميين الأميركيين الذين يتهمون مناصري القضية الفلسطينية بأنهم «مليئون بالكراهية»، وقال متسائلاً: «أين هي الكراهية؟ أفي هذا الجمع الذي يضم أناساً من كافة الأديان والأعراق؟ إننا نفيض بالحب ولا نكره أحداً بسبب لونه أو عرقه أو دينه، ولكننا نمقت الاحتلال والظلم وسفك الدماء والفصل العنصري».
الناشطة الفلسطينية ليندا صرصور أوضحت بأن عائلتها هاجرت من فلسطين قبل عدة عقود لأنها رفضت العيش تحت نير الاحتلال الإسرائيلي وسياساته القعمية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني، مؤكدة بأنها وأسرتها وباقي الفلسطينيين الأميركيين لن يتخلوا عن حقوقهم ولن يتراجعوا عن مساندة شعبهم في الأراضي المحتلة.
وقالت ليندا: «لم أولد هنا في أميركا لكي ألوذ بالصمت.. وإنني كفلسطينية تعيش في الشتات سأواصل النضال حتى إنجاز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».
وأضافت: «لعقود وصفوا نيلسون مانديلا بالإرهابي قبل أن يصبح أيقونة للنضال من أجل الحرية في أميركا، وكذلك وصف مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) داعية الحقوق المدنية الدكتور مارتن لوثر كينغ بأخطر رجل في الولايات المتحدة قبل أن يصبح رمزاً من رموز العدالة في بلادنا، ويوماً ما سأسير في شوارع أميركا وسوف يشير الناس إليّ بأنني محاربة من أجل الحرية».
ولفتت ليندا إلى أن ما يحصل في غزة هو فرصة لكي «نتوحد ونناضل معاً»، ليس فقط من أجل الضغط لوقف إطلاق النار، وإنما أيضاً «لتأسيس حراك جديد بين أجيالنا من أجل تحرير فلسطين»، وقالت: «نحن مع غزة حتى انقطاع النفس، وسوف يتحدث التاريخ في يوم من الأيام عن الجبناء والمتخاذلين كما سيتحدث عن الشجعان الذين رفعوا أصواتهم للمطالبة بحرية الشعب الفلسطيني غير آبهين بالأثمان التي سيدفعونها».
Leave a Reply