ديربورن – «صدى الوطن»
قوبلت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمدينة ديربورن، يوم الثلاثاء الماضي، بضغوط رسمية واحتجاجات شعبية واسعة طالب خلالها آلاف المتظاهرين بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكان بايدن قد وصل إلى ولاية ميشيغن، للاطلاع على سيارة كهربائية مبتكرة من إنتاج شركة «فورد». ولدى وصوله إلى مطار ديترويت الدولي، كان في استقباله النائبتان الديمقراطيتان في الكونغرس الأميركي، ديبي دينغل ورشيدة طليب التي أكدت –خلال لقائهما القصير–على ضرورة لجم إسرائيل، ووضع حد لعملياتها العسكرية، التي تكبّد الفلسطينيين عشرات الضحايا يومياً.
ضغوط رسمية
مصادر طليب، أفادت بأن فحوى رسالة النائبة الفلسطينية الأصل لم يختلف عن المضامين التي تشاركتها مع النواب الأميركيين تحت قبة الكابيتول منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي أكدت فيها علناً بأن حقوق الشعب الفلسطيني «ليست ورقة للمساومة»، وأنه يتوجب على البيت الأبيض حماية أرواح الفلسطينيين وصيانة ممتلكاتهم.
ووفقاً لمصادر النائبة الديمقراطية، فإن طليب أبدت استياءها من صفقة الأسلحة المزمع تقديمها للدولة العبرية، والتي تقدر قيمتها بـ735 مليون دولار أميركي، وأنها أبلغت الرئيس الأميركي بأن الوضع الراهن في فلسطين ينذر بمزيد من القتل، كما أن نهج الولايات المتحدة في الدعم غير المشروط لإسرائيل «غير مجدٍ»، ويعزز من ممارسات إسرائيل التهجيرية.
وفي كلمة ألقاها في مصنع «الروج» التابع لشركة «فورد»، الثلاثاء الماضي، ألمح بايدن بأنه سيأخذ «رسالة» طليب على محمل الجد، حيث خاطبها قائلاً: «أريد أن أقول لك إنني معجب بذكائك وشغفك ومساعدتك لكثير من الناس»، مضيفاً: «إنني أصلي، وأدعو الله من صميم قلبي لكي تكون جدتك وعائلتك بخير، وأعدك بأنني سأفعل كل شيء لكي تكون الأمور على مايرام في الضفة الغربية.. أنت مقاتلة، وأشكر الله لأنك مقاتلة».
وفي السياق ذاته، سلّم النائب العربي الأميركي عن مدينة ديربورن في مجلس نواب ميشيغن، عبد الله حمود، رسالة للرئيس الأميركي أكد فيها على أن قيم أميركا وريادتها العالمية لا تنسجم مع موقفها الداعم لإسرائيل والمتهاون مع حقوق الشعب الفلسطيني.
النائب اللبناني الأصل، حثّ بايدن على تغيير موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي و«نقل أميركا إلى الجانب الصحيح من التاريخ»، قائلاً: «إنك يا سيادة الرئيس تمتلك جميع الأدوات والوسائل لتحقيق العدالة، بما فيها تحقيق الحرية لفلسطين».
وشكرت الرسالة، بايدن على زيارته للمدينة التي وصفتها بأنها «مهد الابتكارات» و«موطن أكبر تجمع للعرب الأميركيين». وجاء فيها: «بينما نشارك اليوم في هذا الاحتفال، فإنني أود الإشارة إلى أن بين العاملين الذين صمموا وهندسوا هذه المركبات.. الكثير من الفلسطينيين الأميركيين الفخورين بأصولهم».
وأعرب حمود عن مشاعر الحزن والأسى التي تنتابه خلال مشاركته في حفل إصدار النسخة الكهربائية من شاحنة «أف–150»، وقال: «مع أنني متحمس جداً، إلا أنني أفعل ذلك بقلب دام، لأن أرواح الفلسطينيين تزهق، بينما الولايات المتحدة هي شريك ناشط في المذابح التي يتعرضون لها».
وأوضح حمود بأن حلم الأميركيين كان دوماً «مبنياً على الحق والمساواة والعدالة.. بغض النظر عن اللون العقيدة»، مستدركاً بالقول: «لكن، إذا تفحصنا التاريخ الأميركي، فسوف نجد بأن أميركا على الجانب الخاطئ من التاريخ، فيما يخص هذه المبادئ».
وخلال كلمته التي استمرت قرابة الساعة، لم يتطرق بايدن إلى تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط. وكان لافتاً لجوؤه إلى المزاح، حين بادره أحد الصحفيين بالسؤال عما إذا كان بإمكانه توجيه سؤال حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك أثناء اختبار بايدن للشاحنة الكهربائية التي أطلقتها «فورد» رسمياً في اليوم التالي للزيارة.
ورد بايدن على الصحفي، ممازحاً: «لا، لا يمكنك سؤالي.. سأجيب فقط إذا وقفت أمام سيارتي وقدتها باتجاهك»، مضيفاً: «أنا أمازحك فقط».
ومنذ تطور العمليات العسكرية في الأراضي المحتلة، دأب بايدن على تفادي التعليق على الأحداث، إلى أن أصدر بنفسه، مساء الخميس الماضي، بياناً رحب فيه بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة برعاية القاهرة، معتبراً أنّ الاتفاق يمثّل «فرصة حقيقية لإحراز تقدّم»، بعد 11 يوماً من القصف المتبادل بين الجانبين.
وقال بايدن في خطاب مقتضب ألقاه من البيت الأبيض: «أعتقد أنه لدينا فرصة حقيقية لإحراز تقدم، وأنا ملتزم بالعمل في سبيل ذلك».
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت –الخميس الماضي– على وقف إطلاق النار مع حركة «حماس». وقال بيان لمجلس الوزراء الإسرائيلي إن هدنة غزة اقترحتها مصر، وستكون «متبادلة وغير مشروطة».
احتجاجات شعبية
زيارة بايدن إلى «عاصمة العرب الأميركيين» تزامنت مع احتجاجات شعبية عارمة في ديربورن شارك فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص أمام مقر شرطة المدينة.
وكانت ديربورن قد شهدت، الأحد الماضي، واحدة من أكبر التظاهرات في تاريخ المدينة إن لم تكن أكبرها على الإطلاق تحت عنوان «مسيرة من أجل القدس». غير أن عدداً من المؤسسات الثقافية والإعلامية والطلابية اتفقت على التظاهر مرة أخرى خلال زيارة بايدن للمدينة، لإيصال رسالة مفادها بأن الجاليات العربية والإسلامية لن تتخلى عن دعمها للشعب الفلسطيني ومعركته المحقة ضد الكيان الغاصب.
وكانت صحيفة «صدى الوطن»، ومنظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» بجامعة «وين ستايت»، ومنظمة «جيل جديد من أجل فلسطين»، من أبرز الجهات التي دعت إلى تظاهرة الثلاثاء الماضي.
وأمام حشد غفير، متعدد الخلفيات والإثنيات، أكد ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، أن الهدف من إعادة التظاهر هو إبراق رسالة إلى «الرئاسة الأميركية، وإلى جميع المشرعين والمسؤولين في مواقع السلطة والقرار»، مفادها: «عندما تكون لدينا انتهاكات لحقوق الإنسان، وممارسات للتطهير العرقي، فيجب أن نعمل على إيقاف ذلك». وأضاف: «الفلسطينيون لهم الحق في الحياة، ولن نركن إلى الصمت، لا في فلسطين، ولا في العراق، ولا في اليمن ولا في ليبيا، ولا في أي مكان آخر».
وأشار السبلاني إلى أن إدارة بايدن تواصلت مع عشرين قيادياً مجتمعياً لعقد اجتماع حول التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة، وقال: «بالرغم من سرية التفاصيل، إلا أنني أؤكد لكم بأنني دعوت الرئيس بايدن إلى أخذ مخاوفنا بعين الاعتبار، فيما يخص علاقة العرب الأميركيين بالقضية الفلسطينية».
من جانبه، وجّه الناشط والكوميديان عامر زهر رسالة حادة إلى بايدن، حيث قال: «أنت غير مرحب بك في ديربورن.. يا سيادة الرئيس». وأضاف: «إنه الرئيس نفسه، والديمقراطيون أنفسهم، الذين طالبونا بدعمهم، وها هو يشارك ويموّل قتل عائلاتنا والتطهير العرقي لشعبنا».
المرشح السابق لحاكمية ميشيغن، عبدول السيد، انتقد المساعدات الأميركية للدولة العبرية، وقال: «الأمر يتعلق فيما إذا كنا ندافع عن حقوق الإنسان أم لا»، مضيفاً: «لقد سئم الناس من إنفاق أموالهم الضريبية في الخارج لتدمير حياة الآخرين بدل البناء والإنماء.. لدينا الكثير من العمل الذي يقع على عاتقنا».
وأعربت مديرة «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، رولا عون، عن ضرورة إظهار التضامن والدعم للشعب الفلسطيني ونضالاته، مهيبة بالجالية العربية في منطقة ديترويت بعدم التهاون في مساندة الفلسطينيين الذين عانوا من سياسات الاضطهاد الإسرائيلية، على مر العقود.
وبدعوة من «حركة الشباب الفلسطيني»–ديترويت، و«حركة التحرر اليمني»، تظاهر أكثر من 500 شخص في منتزه لاپير بالطرف الجنوبي من ديربورن، على بعد أقل من ثلاثة أميال من مصنع «فورد» حيث كان بايدن يتفقد سيارة «فورد» الجديدة.
إضافة لذلك، عقد أئمة مساجد ونشطاء محليون مؤتمراً صحفياً في «مسجد ديربورن»، بحي ديكس، دعا الإدارة الأميركية إلى الوقوف بجانب المظلومين والمضطهدين في فلسطين، وبلدان الشرق الأوسط عموماً.
وطالب المتحدثون إدارة بايدن بإنصاف الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه المشروعة في تقرير مصيره الوطني، وكذلك التوقف عن الدعم المالي والعسكري للدولة العبرية.
وكانت لافتات كبيرة قد علقت على الطريقين السريعين «94» و«75» بالقرب من مداخل مدينتي ديربورن وديترويت، وحملت اللافتات شعارات، منها «مقاطعة إسرائيل حالاً»، و«أوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل يا بايدن»، و«بدلاً من إرسالها إلى إسرائيل، استثمروا الـ3.8 مليار دولار في مجتمعاتنا».
ولم يدم نصب اللافتات سوى ساعات قليلة، حيث بادرت الشرطة المحلية إلى نزعها.
في الأثناء، تسعى فعاليات عربية وإسلامية أميركية إلى مواصلة التضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث من المزمع إقامة مظاهرة أمام مقر بلدية آناربر يوم السبت المقبل، الساعة الثانية ظهراً، إضافة إلى مظاهرة أخرى بوسط ديترويت، يوم الأحد القادم، الساعة الواحدة ظهراً.
Leave a Reply