تحت شعار «من أجل العدالة»
ديربورن
بمشاركة زوّار ومواكب حسينية من أنحاء أميركا، أحيى عشرات آلاف المسلمين الشيعة والجاليات الإسلامية في منطقة ديترويت، السبت المنصرم، ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام في مسيرة هي الأكبر من نوعها في الولايات المتحدة، بحسب المنظمين.
ووسط انتشار كثيف لعناصر دائرتي الشرطة والإطفاء في مدينة ديربورن، انطلقت المسيرةُ التي حملت اسم «مسيرة من أجل العدالة» من أمام «مركز كربلاء الإسلامي» على شارع وورن قبل أن تتوجه جنوباً على شارع غرينفيلد وصولاً إلى منتزه «فورد وودز» قرب تقاطع شارع فورد، حيثُ نُصِبت الخيام وأعدّت المضائف لتقديم الطعام بثواب الإمام الحسين (ع) والتي أعدّتها المواكبُ الحسينية التي قُدّرَ عددها بنحو سبعين موكباً من ديترويت الكبرى إضافةً إلى ثلاثة عشر موكباً من ولايات أخرى.
وبحسب القائمين على المسيرة في نسختها الثانية والعشرين، شارك في المسيرة نحو أربعين ألف شخص من الرجال والنساء بينهم أطفال بصحبة ذويهم ومُعاقون على كراسٍ مُتحرِّكة ترفرف فوقهم الأعلام الحسينية وأعلام أوطانهم الأم.
وفي مكان التجمُّع أعدّت منصّةٌ للخطابة حيث ألقى العديد من الخطباء كلماتٍ جمعها حبُّ الحسين والإشادة العظيمة بتضحياته ليس في سبيل المسلمين فحسب وإنّما من أجل البشرية جمعاء، إذ كان رمزاً للفداء لإعلاء مبادئ العدالة والإصلاح والسلام بين الإنسانية وفي كلّ بقعة من العالم.
كما أنشد الرواديد الحسينيون قصائد التعزية بهذه المناسبة الأليمة، فيما حضر المسيرةَ أعدادٌ من أتباع الديانات الأخرى كالمسيحية والصابئة والكلدو آشورية، الذين شكرهم الشيخ هشام الحسيني مرشد مركز كربلاء الإسلامي فيمن شَكَر أثناءَ خطبته.
ويحيي المسلمون الشيعة في مختلف أرجاء العالم أربعينية الإمام الحسين في العشرين من شهر صفر وفق التقويم الهجري.
وسارت الحشود الضخمة المتشحة بالسواد لحوالي ميلين تقريباً، وسط عشرات المضائف الحافلة بشتى أنواع الأطعمة والعصائر والحلويات والفواكه المجانية، والتي انتشرت على شوارع وورن وغرينفيلد وفورد لخدمة المشاركين في المسيرة.
وجابت المسيرة الضخمة، الشوارع الثلاث على وقع خطوات المعزّين وأناشيدهم الكربلائية وهتافات «لبيك يا حسين»، ترافقها دوريات الشرطة مع مركبة من دائرة الإطفاء قامت برشّ رذاذ المياه على الجموع المتدفقة لتلطيف الأجواء والتخفيف من قيظ ظهيرة ذلك النهار الذي ناهزت فيه درجة الحرارة 90 فهرنهايت.
وفي كلمة حماسية، تحدّث إمام «مركز كربلاء الإسلامي» الشيخ هشام الحسيني، الذي بادر إلى إطلاق المسيرة السنوية لأول مرة عام عام 2004 عن المعاني الخالدة لاستشهاد الإمام الحسين في موقعة كربلاء عام 61 هجرية، مؤكداً بأن التضحيات التي قدّمها سبط النبي الأكرم تشكّل رمزاً وأمثولة للعدل والإباء على مرّ الزمان، وقال إن «ذكرى الموقعة الأليمة التي شهدت مصرع الإمام أبي عبدالله وأهل بيته الأطهار ليست مجرد حدث تاريخي بل مدرسة روحية تعلم الصبر على المصاب والثبات في مواجهة الظلم».
وأوضح الحسيني بأن إحياء الذكرى السنوية لأربعينية الحسين يُجدد في النفوس قيم العدالة والمقاومة ويذكّر الأجيال بأن الحقّ سينتصر في نهاية المطاف مهما طال الزمن أو اشتدت المحن، مضيفاً بأن العالم بأجمعه اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لكي يفهم ويتمثل معاني كربلاء المجيدة، بما فيها نصرة الحق مهما كانت الأثمان ودفع المظالم عن المضطهدين والمعذبين بغض النظر عن خلفياتهم وعقائدهم الدينية، وفي مقدمتهم سكان قطاع غزة الذين يتعرضون للقتل والتجويع الممنهج منذ حوالي عامين على التوالي.
وهتف الحسيني الذي يتحدر من أصول عراقية، والذي ارتدى الكوفية الفلسطينية بحماسة: «فلسطين حرة وغزة حرة»، ورددت الجموع بأعلى صوتها «فلسطين حرة وغزة حرة».
وكان الحسيني قد أطلق أول «مسيرة من أجل العدالة» في منطقة ديربورن عام 2004، عندما قاد مجموعة صغيرة من المصلين من مسجده إلى منتزه «فورد وودز» لإحياء الأربعينية، ومنذ ذلك الحين، تنامت أعداد المواكب والمشاركين في ظل تنامي أعداد المهاجرين الشيعة في المنطقة، لاسيما القادمين من لبنان والعراق على خلفية الحروب الدامية في بلدانهم الأم.
ومن بين المتحدثين من على المنبر، أكد رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود أن استشهاد الحسين بمواجهة الظلم في معركة كربلاء يمثل رسالة استثنائية في التاريخ البشري، «ماتزال معانيها اليوم حاضرة بنفس الزخم الذي اتسمت به قبل حوالي 1,400 عام». وأشاد حمود بمناسبة أربعينية الإمام الحسين التي تقام في العراق سنوياً، بمشاركة الملايين الذين يتدفقون مشياً على الأقدام من مختلف أرجاء البلاد إلى مدينة كربلاء المقدسة.
وأشار حمود إلى أن 21 مليون عراقي أحيوا ذكرى أربعينية الحسين هذا العام في كربلاء، واصفاً الشعب العراقي بـ«أكرم شعب على وجه الأرض»، بما يتيحونه من موائد الطعام التي تنتشر على طول الطرقات الممتدة إلى كربلاء بدون مقابل لجميع الزوار.
وأضاف رئيس البلدية اللبناني الأصل: «إننا نقيم هذه المسيرة من أجل العدالة هنا في ديربورن في الوقت الذي تستمر فيه المظالم حول العالم، من غزة إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإنه لمن المهم جداً الالتزام بإقامة هذه الفعالية كل عام في ديربورن لكي نري العالم بأن الحسين ليس فقط للشيعة، بل للإنسانية جمعاء».
ورفع حمود الدعاء كي يتمكن من أن يكون دوماً صوتاً للعدالة ومدافعاً عن حقوق المظلومين والمهمشين.
بدوره، أكد عضو مجلس ديربورن البلدي كمال الصوافي بأن «الإمام الحسين يجمعنا، ومن خلاله نستلهم الطريق القويم»، على حد تعبيره، مضيفاً بأنه كأول مسؤول عراقي يتم انتخابه لمنصب حكومي في مدينة ديربورن ذات الكثافة العربية «يشارك في المسيرة كخادم بين الكثيرين من خدّام الإمام الحسين عليه السلام».
وأضاف الصوافي الذي يسعى هذا العام للاحتفاظ بمنصبه في مجلس مدينة ديربورن لولاية ثانية مدتها أربع سنوات بأنه يحاول جاهداً خلال عمله الحكومي الاقتداء بالإمام الحسين «الذي لم ينهض من أجل السلطة، وإنما من أجل الإصلاح وإحقاق العدالة».
ومن بين المتحدثين الذين توالوا على منصة الخطابات في منتزه «فورد وودز»، إمام «دار الحكمة الإسلامية» بديربورن هايتس، الشيخ محمد علي إلهي، الذي جدد التأكيد على المضامين السامية لتضحيات الإمام الحسين معتبراً ذكرى الأربعين «رسالة حول العدالة والحرية وحقوق الإنسان»، وقال: «نحن هنا لكي نؤكد التزامنا بمواصلة درب الحسين والقول: لبيك يا حسين.. لبيك يا أبا عبدالله».
وعبّر إلهي عن فخره بمشاركة الحشود الضخمة في إحياء ذكرى الأربعين هذا العام، حيث توافد الآلاف من مختلف منطقة ديترويت وبعض الولايات الأميركية الأخرى للاشتراك في المسيرة التي ساهم في تنظيمها مئات الداعمين والمتبرعين وعشرات المواكب الحسينية، وقال: «الآلاف يتجمعون في هذا اليوم المبارك لكي يؤكدوا على ولائهم وحبهم وتمسكهم برسالة الإمام الحسين وتضحياته، ولكي يعبروا عن تعاطفهم وتضامنهم مع ضحايا الحروب والصراعات الظالمة في غزة ولبنان والعراق واليمن وباقي دول العالم».
Leave a Reply