ديربورن – «صدى الوطن»
تأكيداً على تمسك العرب الأميركيين بالقضية الفلسطينية وإدانة آلة القتل والتهجير الإسرائيلية، شهدت ديربورن –خلال الأسبوع الماضي– سلسلة تظاهرات حاشدة، رفضاً للعدوان الوحشي على قطاع غزة ومحاولات الاحتلال المستمرة لتهويد مدينة القدس والاستيلاء على المسجد الأقصى، من ضمنها مسيرة ضخمة ضمت أكثر من عشرة آلاف متظاهر فاضَ بهم شارع ميشيغن أفنيو، يوم الأحد الماضي، في أكبر فعالية شعبية مؤيدة لفلسطين تشهدها الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة.
وشهدت المسيرة المركزية التي نُظمت بدعوة من العديد من مؤسسات الجالية، تحت عنوان: «مسيرة من أجل القدس»، تدفقت موجات المتظاهرين على طول شارع ميشيغن أفنيو، وهم يحملون الأعلام الفلسطينية ويهتفون بشعارات تطالب بالعدالة والحرية للفلسطينيين، ووقف العدوان الهمجي على غزة.
وسار المتظاهرون الذين تجمعوا أولاً أمام «مركز فورد للفنون» على شارع ميشيغن أفنيو، شرقاً، وصولاً إلى تقاطع شايفر، حيث عقدوا اعتصاماً مؤقتاً أمام مبنى البلدية القديم بمشاركة الكثير من الأهالي وأصحاب الأعمال التجارية الذين انضموا إلى المتظاهرين ومدّوهم بالمياه والمشروبات الباردة في الطقس الحار قبل العودة إلى نقطة التجمع الأساسية حيث أقيم مهرجان خطابي شارك فيه ممثلون عن مؤسسات الجالية، إضافة إلى النائبة الفلسطينية الأصل في الكونغرس الأميركي، رشيدة طليب.
وقدّرت سلطات المدينة أعداد المحتجين بأكثر من عشرة آلاف متظاهر شاركوا في المسيرة الحاشدة التي نظمتها مؤسسات ثقافية وإعلامية وطلابية، بينها «جيل جديد من أجل فلسطين»، «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» بـ«جامعة وين ستايت»، صحيفة «صدى الوطن»، «جمعية النجدة الفلسطينية»، «المركز العربي الأميركي للثقافة والفنون»، «إرشاد»، «سايف»، و«الحراك الاغترابي اللبناني».
وفيما شكّل العرب والمسلمون الأميركيون السواد الأعظم من المتظاهرين، سجّلت «صدى الوطن» حضور أعداد غفيرة من المناصرين من إثنيات مختلفة مثل البيض والأفارقة الأميركيين وبعض اليهود الناشطين في الحركات الحقوقية والمدنية.
وخلال الفترة ما بين 8 وحتى 20 أيار (مايو) الجاري، واصلت تل أبيب غاراتها الجوية وقصفها الصاروخي والمدفعي على قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 236 فلسطينياً، بينهم 63 طفلاً و36 امرأة، وإصابة نحو 1,500 شخص، إضافة إلى تهجير حوالي 52 ألفاً من السكان، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وتخلل المسيرة المركزية مهرجان خطابي تحدث خلاله عدد من الناشطين الذين أجمعت كلماتهم على عدالة القضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في الدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم، كما نددوا بسياسات الكيان الاستيطانية وحروبه المستمرة ضد أصحاب الأرض الأصليين منذ أكثر من ثمانية عقود.
خيّبنا آمال الإسرائيليين
أشار رئيس منظمة «جيل جديد من أجل فلسطين»، عامر زهر، إلى أن الصهاينة حاولوا على مدار العقود الماضية التخلص من الفلسطينيين، و«لكنهم فشلوا». وأضاف زهر في كلمته أمام المتظاهرين: «لقد قالوا بأن المسنّين سوف يموتون، وأن الصغار سوف ينسون، ولكن يوجد بيننا هنا أطفال في الثالثة أو الرابعة من أعمارهم يحفظون أسماء القرى التي طُرد منها أجدادهم»، مضيفاً: «لقد خيبنا أمل الإسرائيليين.. لقد فشلوا بالتخلص منا».
وأوضح الكوميديان وأستاذ القانون في جامعة «ديترويت ميرسي» بأن الحشود المجتمعية تثبت بأن «مجتمعنا قوي، وسيواظب على رفع الصوت عالياً دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين». وانتقد زهر وسائل الإعلام التي تستخدم مصطلحات ضبابية بقصد التعمية على حقيقة ما يجري في القدس وغزة، وقال: «إنهم يستخدمون تعابير مثل «الإخلاء» و«الاشتباكات» وغيرها من المصطلحات الأخرى»، مستدركاً بالقول: «لكن هذا ليس صحيحاً، فما يحدث في فلسطين هو احتلال وتطهير عرقي مستمر وممنهج، منذ 73 عاماً»، مذكراً بأن ما يحدث في الأراضي المحتلة اليوم ليس وليد الأسابيع أو الأشهر الماضية، ولكنه عملية مستمرة منذ ما قبل العام 1948.
وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا قد أصدرت –بداية أيار (مايو) الجاري– قراراً يسمح لسلطات الاحتلال بإخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في البلدة القديمة بالقدس المحتلة لصالح إسكان مستوطنين إسرائيليين، وهو ما أدى إلى تفجر الأوضاع التي تفاقمت وتيرتها بعد اقتحام آلاف الجنود الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين والمعتصمين السلميين.
وحثّ زهر المتظاهرين على الضغط على ممثليهم المنتخبين في المناصب الرسمية والعامة، لدفع الإدارة الأميركية إلى التوقف عن دعم إسرائيل «المستمر، وغير المحدود»، وقال: «في الأيام القليلة الماضية، وافقت حكوماتنا على صفقة أسلحة بحوالي 735 مليون دولار لإسرائيل التي تمعن في قتل الشعب الفلسطيني».
بذور في الكونغرس
وفي كلمتها خلال التظاهرة، أكدت النائبة الديمقراطية عن ولاية ميشيغن في مجلس النواب الأميركي، رشيدة طليب، أن ارتفاع وتيرة التأييد للقضية الفلسطينية سيغير المعادلة الرائجة في الولايات المتحدة وفي أروقتها السياسية.
وأوضحت طليب، الفلسطينية الأصل، بأنه حان الوقت لفهم أن إسرائيل تستغل علاقاتها المتينة مع أميركا «لشن اعتداءات غير قابلة للمساءلة ضد الناس على أساس عرقهم ومعتقدهم فقط»، وقالت: «علينا أن نتوقف الآن عن دعم (دولة) الفصل العنصري».
ولفتت طليب إلى أن قيام الدولة العبرية بقصف برج الجلاء في مدينة غزة، والذي كان يضم العديد من وسائل الإعلام الدولية والمحلية، «سيغيّر الكونغرس». مؤكدة أن استهداف البرج الذي يضم مكاتب وكالة الأنباء الأميركية «أسوشييتد برس»، «كان بقصد التعتيم على ما يجري في القطاع المحاصر، لإقصاء وسائل الإعلام ومنعها من تصوير معاناة وآلام الفلسطينيين».
وتابعت بالقول: «نحن بذور في الكونغرس، وأقول لكم إن فريقنا يكبر بمرور الأيام»، في إشارة إلى ازدياد أعداد النواب المؤيدين للحقوق الفلسطينية.
وأشارت طليب إلى أن مواقفها السياسية فاجأت الجميع بجرأتها وصلابتها، وقالت: «لم يكن لديهم أدنى فكرة عما جاءهم من «الدائرة 13» بديترويت (دائرتها الانتخابية) إلى الكابيتول»، مضيفة: «ليس فقط أنني فلسطينية من مدينة بيت حنينا، ولكنني أيضاً فتاة نشأت في جنوب غربي ديترويت، وهي واحدة من أجمل المجتمعات المتنوعة.. حيث نتعلم ألا نبقى صامتين حتى عندما ترتجف أصواتنا».
بدورها، أشادت الرئيسة السابقة لمنظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، شيرين شكوكاني، بالتنوع العرقي والإثني الذي تميزت به المظاهرات المؤيدة للحقوق الفلسطينية، ولاسيما مظاهرة ديربورن. وقالت: «إنه لمنظر يبعث على السعادة أن نرى كل هذه الأعلام العراقية واليمنية واللبنانية، وكذلك البوسنية والألبانية، إلى جانب العلم الفلسطيني».
وأضافت شكوكاني: «هذه التظاهرات ملهمة حقاً، وتؤكد بأن الحق الفلسطيني لن يموت».
صواريخ مباركة
ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، ألهب حماسة المتظاهرين عندما بادرهم بالسلام على «الأحرار في فلسطين، وعلى حجارتهم، وعلى هواتفهم وعلى صواريخهم». وما أن ألقى التحية على صواريخ الفلسطينيين، حتى صدحت آلاف الحناجر بالشعارات المؤيدة لفلسطين.
وشدد السبلاني على أهمية تثقيف الأميركيين بسياسات إسرائيل العدوانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، منتقداً مساندة الرئيس الأميركي جو بايدن للدولة العبرية، وكذلك حنثه بالوعود الانتخابية التي قطعها للعرب الأميركيين في منطقة ديترويت.
وقال السبلاني: «لقد سمعنا ما قاله بايدن»، في إشارة إلى تصريحاته الداعمة لـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، مستدركاً بالقول: «ولكن، حان الوقت لكي يصغي الرئيس إلينا».
وجاءت تظاهرة الأحد الماضي قبل يومين من زيارة بايدن إلى ديربورن، والتي قابلها أهالي المدينة بتظاهرة أخرى يوم الثلاثاء المنصرم.
كذلك، كان قد تم تنظيم تظاهرة أخرى ضمت المئات في الباحة الخلفية للمتحف العربي الأميركي، يوم السبت الماضي، أي قبل يوم واحد من التظاهرة المركزية، وذلك بدعوة من «حركة الشباب الفلسطيني»–فرع ديترويت لإحياء ذكرى نكبة فلسطين، بمشاركة واسعة من ناشطين من خلفيات وإثنيات متعددة، ينتمي بعضهم إلى حركة «حياة السود مهمة».
أمل جديد
وفي كلمتها المؤثرة، قالت الناشطة في «حركة الشباب الفلسطيني»، سحر فرج: «في هذه الأيام، أرى شعبي وهو يقاوم، أراه وهو ينتفض»، مضيفة، وهي تجهش بالدموع: «هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها شيئاً مرضياً، ويوقظ الأمل»، في إشارة إلى غليان الشارع الفلسطيني وتصاعد وتيرة النضال ضد سلطات الاحتلال.
فرج، الفلسطينية الأصل، أدانت دعم الولايات المتحدة للدولة العبرية مالياً وعسكرياً، وشجبت تجاهل الإدارة الأميركية لنضالات الفلسطينيين ومقاومتهم لآلة القتل الوحشي وسياسات الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل. وقالت: «لقد تم تهجير جدي عام 1967 وانتهى الأمر بعائلتي هنا. اليوم يصادف ذكرى النكبة، وعلى مدار 73 عاماً، عانى شعبي من عواقب التهجير والتدمير على مرأى ومسمع العالم كله».
وأضافت: «بالنسبة لهؤلاء الذين لا يعرفون معنى النكبة، فإنني أقول لهم بأنها كانت عملية مستمرة لسفك الدماء ومصادرة الأراضي والممتلكات من أصحابها، النكبة ليست حادثة منعزلة.. إنها عملية مستمرة وتزداد ضراوتها بمرور الأيام».
وفي نفس السياق، أشارت الناشطة في «حركة التحرر اليمني»، يارا بيضون، إلى أن آثار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية تمتد إلى الأجيال الفلسطينية في الشتات العربي والعالمي، لاسيما وأن الكثير من العائلات المهجرة لديها أقارب داخل فلسطين المحتلة.
وأوضحت بيضون بأن العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس القديمة تناضل من أجل الاحتفاظ بالمنازل التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وأن الواجب الأخلاقي يوجب على الولايات المتحدة دعم تلك العائلات، بدل مساندة مضطديهم الإسرائيليين، ودعمهم بحوالي ثلاثة مليارات دولار سنوياً.
مقاومة الأبارتيد
الناشط بمنظمة «الفهود السود»–ديترويت، بابا بلير أندرسون، عقد صلة وثيقة بين نضالات الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي وبين نضالات الأفارقة الأميركيين في الولايات المتحدة ضد التمييز والفصل العنصري، لافتاً إلى أنه من حق الفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة وسلطتهم الوطنية.
وأعربت الناشطة جنيفر نيكلس، العضو في منظمة «ديترويت سوف تتنفس» المرتبطة بحركة «حياة السود مهمة»، عن دعمها المطلق للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، منددة بسياسات الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل بحق أصحاب الأرض الأصليين. وقالت نيكلس: «كوني ولدت في جنوب إفريقيا، فأنا أعي تماماً ما تعنيه هذه السياسات، ومقدار الألم والظلم الذي تسببه، نحن جميعاً مشتركون في هذا الأمر، وعلينا أن نستمر في نضالنا لإنهاء جميع مظاهر الأبارتيد أينما كانت».
وعقب المهرجان الخطابي، تدفق المتظاهرون بين الأحياء السكنية وهم يرفعون شعارات تندد بجرائم إسرائيل، ودعم الولايات المتحدة لها، وأخرى تؤيد الحقوق الفلسطينية، بينها: «من البحر إلى النهر.. فلسطين حرة»، و«من ديترويت إلى فلسطين.. الاحتلال جريمة»، و«لا تبك يا غزة.. لن ندعك تموتين أبداً».
وتوجه قسم من المتظاهرين إلى مقر شرطة ديربورن، حيث نفذوا وقفة سلمية رفعوا خلالها شعارات تطالب شرطة المدينة بوقف التمييز ضد الأفارقة الأميركيين.
بدورها، أكدت مديرة «المتحف العربي الأميركي»، ديانا أبو علي، بأن المظاهرات التي تعم العالم تأييداً للشعب الفلسطيني، «تثبت المرة تلو المرة بأن قضية فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية عالمية».
ووصفت أبو علي، مظاهرة يوم السبت الماضي بأنها «نقطة تحول»، وقالت: «لم أرَ مثل هذا النوع من المظاهرات المؤيدة لفلسطين، لاسيما وأن الكثير من المتظاهرين ليسوا عرباً»، مضيفة: «المتظاهرون من خلفيات متعددة، وهذه الحقيقة ملهمة بالفعل، وتبعث على الأمل والتفاؤل».
وجاءت التظاهرة المركزية في اليوم التالي –الأحد– لتطغى بحجمها وتنوعها على أية تظاهرة أخرى في تاريخ مدينة ديربورن. وبالإضافة إلى المناصرين من مختلف الإثنيات، سجلت «صدى الوطن» تدفق المئات من الأسر العربية الأميركية المقيمة في المدن والمقاطعات المجاورة للمشاركة في مسيرة القدس بديربورن. وقد شارك العديد من هؤلاء بتظاهرات سيّارة مطلقين العنان لأبواق سياراتهم المزينة بأعلام فلسطين.
Leave a Reply