Civilization begins with order, grows with liberty and dies with chaos. Will Durant
«الحضارة تبدأ بالنظام، تنمو مع الحرية، وتموت بالفوضى» – ويل دورانت
كـلمـة حضـارة هـي إ شـتـقـاق لكلمـة الحَضـر وتعـنـي المـدن وسـكـان الحَضـر هـم سـكان المـدن، مـنشئوا الحضـارة. فـي مقابـل الحضـارة كـانـت البـداوة وهـذه مشـتقـة مـن البـا ديـة وسـكـانـهـا البـدو، وهـم قـوم مـن الرعـاة الـرُّحـل يتـنـقـلـون بـقـبـائـلهـم وخـيـَمهـم ومـاشـيـتـهـم بـحثـاً عـن المـراعـي الخـصـبـة.
اليـوم بـاتـت كـلمـة حـضـارة مـرادفة للـعـمران والـرُقـي، والـتقـدم، والإزدهـار، فـي العـلـوم والـبـنـاء والإقتـصـاد وغـيـرهـا. بـيـنـمـا لا تـوجـد «حـضـارة» للـبـدو الـرُّحـل، ولـم يـتـركـوا فـي أي مـن الـمـراعـي الـتي زاروهـا سـوى بـعـض أوتـاد للـخـيـام ومـواقـد تـذروهـا الرِّياح، وبـعـراً قـد لا يـدلُّ عـلى الـبـعــيـر .
نـخـلـص مـن هـذه الـمـقـدمـة للـقـول أنَّ أي صـنـيـع وإنـجـاز «حـضـاري» تـقـوم بـه جـماعـة مـن البـشـر لا بـد أن يـكـون مـقـرونـاً بالإسـتـقـرار والـسُّـكـون فـي مـكـان ورُقـعـةٍ جـغـرافـيـةٍ واحـدة.
وللإ سـتـقـرار مـكـونـات شـتى، مـوضـوع مـقـالـتـي إحـداهـا، وهـو الـشـعـور بالإنـتـمـاء .
لـكل مـنا قـصـة تُـروى فـي هـذه الـبـلاد، قـصـة تـجـعـلـك تـفـتـخـر بـبطـلـهـا وكـفـاحـه وعـصـامـيَّتـه ونـجـاحـه. وقـصـصـنـا تـتـشـابـه بـعـض فـصـولـهـا. ولـعـل أكـثـر مـا يـتـشـابـه فـيـهـا هـو حـيـن تـسـأل الـراوي: «حـسـنـاً ومـاذا سـيـحـدث فـي قـصـتـك بـعـد عـشـر سـنـوات أو عـشـريـن سـنـة؟ وأيضاً يـأتـي الـجـواب مـتـشـابـهاً فـي أحـيـانٍ كـثـيـرةٍ جـداً : سـأتـقـاعـد وأعـود إلـى الـدِّيـار، «بـروح بـقـعـد بـالـضَّـيـعـة» ويلي ذلك سرد مشبع بهالة من الحنين.
وهـنـالـك فـصـل آخـر يـتـكـرر مـع كـثيـريـن مـنا هـنـا، وكـل واحـد مـنـكـم يـعـرف شـخـصـاً مـن هـؤلاء. يـبـدأ الـفـصـل بـحـد ث مـا وقـرار جـدّي بـالـعـودة إلـى لـبـنـان للإسـتـقـرار فـيـه، وقـد يـكـون بـطـل هـذه الـقـصـة فـي عـزِّ إزدهـاره ونـشـاطـه إقـتـصـاديـاً ومـعـنـويـاً، فـيـبـيـع كـل شـيء هـنـا ويـخـرج آمـلاً أن لا يـعـود؛ يـنـظـر نـحـو تأسـيـس مـسـتـقبـل لـه هـنـاك. ولـكـن هـذا الفـصـل مـن الـرِّوايـة يـنـتـهـي بـشـكـلٍ مـتـشـابـه أيـضـاً…. بـالـعـودة إلـى هـذه الـبـلاد بـعـد تـلـقـي جـرعـة مـن الـواقـع الـقاسـي الـمـريـر.
كـثـيراً مـنـا يـعـيـش أزمـة فـي الـهـويـة وإزدواجـاً فـي الإنـتـمـاء .
بـالرُّغـم مـن انـنـا أصـبحـنا مـواطـنـيـن فـي هـذه البـلاد إلاّ أنـنـا لا نـزال فـي أحيـان كـثـيـرة لا نـشـعـر بالإسـتـقـرار الـنـفـسـي، ولـم نـتـخـذ قـراراً حـاسماً أن هـذا وطـنـنا الـجـديـد الـذي لا غـنى لـنـا عـنـه وأن الـدِّيار الأمّ لـيـسـت سـوى أُ مَّنـا الـتي أنـجـبـتـنـا، ولـكـن أمـيركـا هـي الـتـي ربَّتـنــا ومـن لـبـنـهـا نـبـت لـنـا عـظـم صـلـب وسـواعـد. الـوفـاء يـقـضـي أن لا ننسى تلك الديارالأم، أن نبرها ونصل رحمنا بها. ولكن الأمانة تقتضي أيضاً أن نـحـفـظ الجمـيـل لـهـذه البـلاد.
ديـارُ الـعُـربِ لـم تـعـد أوطـاناً لأهـلـهـا، كـل زائـر لـذلـك الشّـرق المـسـروق يـرى ويـسـمع أنيـنـه وتـضـرُّع سـاكـيـنه وأُمـنـيـاتـهـم بـالـهـجـرة الـى حـيـاةٍ أفـضـل، الـى مـكـان يـسـتـطـيـعـون فـيـه أن يـحـلمـوا فالأحـلام الجـميـلـة هـذه الايـام تسـجـنـها الكوابـيـس.
بـعـد رحـلـتـي الاخـيـرة الـى تـلـك الـدِّيـار – ولـهـذه الـرِّحـلـة شـؤون وشـجـون – أدركـت أيُّـها الأعـزّاء أنـه لا مـكـان لـنا هـنـاك. أمـاكـنـنا التـي تـركـناهـا قـد أُخـذت وأُغـتصـبـت عُـنـوةً، وحـتـى الـمُقـيـمـين هـنـاك لـم يـعودوا يـجدون لـهـم «مـرقـد عـنـزة».
أحـسـمـوا أمـركـم ، وكـونـوا واقعـيـين، فإنَّ الإزدواج فـي الإنـتـمـاء مُصـاحِـبٌ لِـعـدم الإسـتـقـرار، وعـدم الإسـتـقـرار يـؤدي الـى ضـعـف الإنـتـاج وعـدم الـقـدرة عـلـى بـنـاء مـجـتـمـع نـاجـح لِـيـرثـه أبـنـاءكـم. إنَّ هـذا الـتـذبـذب يـؤدي الـى فـقـدان مـوطـىْ الـقـدم فـي كـلي المـكـانيـن عـلـى حـد سـواء، فـلا نـؤسـس أي عـمـل راسـخ جـدّي هنا، ويـسـرق وطـنـنـا مـنـا هـناك.
هـذه بـلادكـم، إبنـوهـا، إعـتـنـقـوهـا، أسـسـوا فـيـها، إصـنـعـوا أمـجا داً لـكـم فيها، وأورِثـوهـا لأبـنـائـكـم وكـفـى نـظـراً الـى الـوراء لـعل «ديـار الغـرب تـصـبح أوطاناً».
s-alameen@hotmail.com
Leave a Reply