قاسم ماضي
الدخول في ديوان الشاعر العراقي المصيفي الركابي يدخلك في أروقة المفردات العربية الغامضة، والتي تحتاج إلى تفسير، أو البحث في المعاجم لإيجاد معانيها الملغمة بالأسئلة والمشفرة كالألغاز.
ذات خدر، كأنها البدر
ومعظم المفردات التي تناولها الركابي في هذا الديوان تتميز بمعنى ومبنى يحركان مخيلة المتلقي عبر صور شعرية مكثفة، الغاية منها تأسيس مشهد شعري أخاذ عبر مفردات لا يستخدمها معظم الشعراء من كتاب القصيدة القصيرة في عالمنا اليوم.
كيف لي
أحنث باليمين
تجد الكثير من هذه المفردات التي نسجها الشاعر عبر عملية مخاضية تستند إلى التنقيب والبحث في معاجم اللغة العربية التي دأب الركابي على الاستشفاف منها والتغذي عليها طوال تجربته الأدبية والشعرية، عاكساً ذاته المعذبة في عالمه الاغترابي الذي يطغى بنسبة كبيرة على قصائد الديوان الذي يضم أكثر من 134 قصيدة قصيرة. حتى أنك تجده يغوص في أعماق هذه المفردة أو تلك كي يصل إلى هدفه الأساسي، ألا وهو تبشير القارئ بغنى لغتنا العظيمة.
ذات لحظة
عشقت
ذات خدر
وبهمةٍ لا تعرف الكلل، واصل الركابي عطاءه في مجال الشعر الذي لا ينضب مستنداً إلى فلسفته الشخصية التي تبرز في العديد من الدواوين الشعرية التي حاول أن يكرس عبرها توجهه الشعري مستعيناً بالتراث وآليات الحداثة، مثل «هواجس ثملة»، «أرجوحة القمر»، «فراشات ملونة»، و«ذات خدر»…
وقد حجز الركابي لنفسه في المشهد الشعري العربي مكانة خاصة من خلال تميزه بتوظيف وتفجير المفردات في نصوص شعرية تحتوي في باطنها إيقاعاً داخلياً متسقاً مع الدلالة الشعرية، لاستدراج ذهن القارئ إلى فضاء نصوصه وأجوائها الفلسفية.
الغوص بالمفردات أو ما يطلق عليه «الغوص في لغة الشعر» من خلال تعدد الاستخدامات اللغوية، هو حجر الزاوية في معظم قصائد ديوان «ذات خدر»، إذ نجد لكل مفردة طعماً يضج بالحياة، ودرجة إقناع فنية في تناغم الحرف والصوت والإيقاع، لتشكيل المغزى المراد إيصاله وكذلك المعنى المكمل لذاته في البنية العامة للنص. هو بالتالي يعمل على تحرير المعاني ليحرر القصيدة عبر فاعلية كلماتها.
وسأضع
على متن البراق
ديوان المصيفي، المعنون «ذات خدر» والصادر عن «مؤسسة ثائر العصامي» في بغداد، والذي يقع في 134 صفحة من القطع المتوسط، ليجسد هواجس الشاعر حيال موضوعات متنوعة، ومنها موضوعة الحب.
سيدتي
الغيداء
همسُ صوتك
يختزلني في مشق قدك
القصائد القصار التي نثرها الركابي على الورق الأبيض، منطلقاً من الاختزال الحدثي والتكثيف الدلالي والتقليص الموضوعي، تخطف المتلقي إلى عالم الشاعر بروح كامنة في أقبية هذه القصيدة أو تلك.
في تمام أطواره
وقد تكون
ثريا
في جوف كرستالة
حتى أنك تجد عالمه الشعري يتعكز على عدة طبائع تمتاز بالغرابة، والرهافة، والتهكم واللوعة في آن.
على خدها
غمازة
تغوص كثيراً
وتتميز معظم قصائد الركابي بحس مرهف، لأن التفعيلة القصيرة التي اشتغل عليها من خلال اهتمامه بالإيقاع والوزن، ما هي إلا ترجمة لروحه المضطربة، والمنكمشة في عالم اليوم، المعقد والمتقاطع، حتى تجد هذه القصائد كأنها محاولة لاستعادة الذات من جديد. وهناك رأي يقول إن كتابة قصيدة اللمحة القصيرة ليس بالأمر الهين لأنها قد تستغرق ضعف المتاح الإنتاجي الذي تتطلبه إنتاجية القصيدة الطويلة.
والشاعر الركابي يُظهر أيضاً مهارات خاصة في التعامل مع اللغة واستثمار عناصرها في التعبير عن الأفكار والمشاعر الإنسانية التي انطلق منها، ويحاول دائماً أن يستفيد من مختلف جوانبها وأغراضها لينسج جملة شعرية قصيرة معبرة ودالة بوصفه شاعراً دخل فضاءات قصيدة الهايكو وجرب الكتابة وفق نسقها وآلياتها، لذا باتت تستهويه تلغرافية الجمل الشعرية وقوة تعبيرها ومداها التأويلي.
ما
غردت
غرانيق العلى
لغيرك أبداً
والجدير بالذكر أن الركابي له العديد من المجاميع الشعرية والقصصية نذكر منها ديوان «شعر هايكو»، «نيازك» مجموعة قصص قصيرة جداً، و«قصص عربية قصيرة جداً» بالاشتراك مع 111 كاتباً عربياً.a
Leave a Reply