فـي حمّى السباق إلى البيت الأبيض، وجد المسلمون الأميركيون الذين يحتفلون هذه الأيام بعيد الأضحى المبارك، انفسهم هدفاً سهلاً فـي خضم المعركة الانتخابية المحتدمة، حيث تبين أنهم الخاصرة الرخوة التي تتلقى سهام المتنافسين على حصد أصوات الأميركيين، فقد جمعت حملة المرشح الجمهوري بن كارسون تبرعات غير مسبوقة إثر تصريحه الرافض لتولي أميركي مسلم رئاسة البلاد بسبب ولائه الى الشريعة الإسلامية لا الدستور الأميركي.
ضرب كارسون، جرّاح الأعصاب الشهير، على عصب «الإسلاموفوبيا» المكشوف والملتهب فـي الولايات المتحدة، فكانت النتيجة مزيداً من الأموال ورضا الناخبين المحتملين، حيث يحافظ الطبيب الأسود المولود فـي ديترويت على المركز الثاني فـي استطلاعات رأي الناخبين المحتملين، خلف المرشح دونالد ترامب الذي لم يظهر حساسية أكبر تجاه مشاعر مواطنيه المسلمين عندما وقف يستمع الى أحد المخمورين -على ما يبدو- وهو يتهمهم بأنهم الخطر الأكبر على أميركا.
إن خطاب كارسون العدائي تجاه المسلمين والترحيب الذي قوبل فيه بين أوساط المانحين الجمهوريين يعكس العنصرية والكراهية فـي أدبيات هذا الحزب العريق، الذي يبدو أنه تحول من حزب إبراهام لينكولن، الى حزب سارة بالين.
كارسون رفض فكرة أن يرأس أميركا رئيس مسلم، بدعوى أن تعاليم الدين الإسلامي تتعارض مع الدستور الأميركي. ومع أن الفكرة ماتزال افتراضية وغير واقعية، إلا أن استثمارها الانتخابي دفعها إلى الواجهة، وإلى حلبة المزايدات التي ترى فـي الإسلام تهديدا للولايات المتحدة ونظامها السياسي. ومع أن التبريرات التي ساقها كارسون لاحقاً تبدو سطحية ومبتذلة، إلا أنها حققت المرجو منها فـي استقطاب التيار المتشدد، الذي مايزال الكثير من أفراده يعارضون سياسات الرئيس باراك أوباما من منطلق أنها «سياسات رئيس مسلم» أو «رئيس يخدم قضايا المسلمين».
ومادامت المسألة افتراضية، فلنفرض أن السؤال المطروح حول إمكانية أن يقود الولايات المتحدة رئيس يهودي. فـي هذه الحالة، لن يتجرأ كارسون، ولا من هو أعتى منه، أن يدلي بتصريحات مشابهة، كأن يبرر اعتراضه على أن يرأس أميركا رئيس يهودي بالقول إن الشريعة الموسوية تتعارض مع الدستور الأميركي. لو افترضنا أنه قال ذلك فعلا، فالجميع يعلم أن مثل هذه التصريحات ستنهي حملته الانتخابية فـي الحال.
لا يمكن أن يغيب عن بال كارسون أن أي رئيس يصل إلى البيت الأبيض لن يكون بمقدوره أن يتجاوز الدستور الأميركي، ولا أن يفرض قناعاته الدينية على النظام السياسي للبلاد. فكارسون المسيحي البروتستاني فـي حال وصوله إلى منصب الرئاسة- لن يكون بمقدوره أن يسن أو يلغي قوانين انطلاقا من مبادئ عقيدته الإيمانية، تماما كما هو الحال بالنسبة لأي رئيس آخر.
وهنا لا يمكن نسيان حملة التشكيك التي تعرض لها الرئيس الراحل جون كينيدي قبل انتخابه، باتهامه بالولاء الى بابا الفاتيكان لا الى الدستور الأميركي بسبب ديانته الكاثوليكية.
معلوم أن الدين الإسلامي مثله مثل بقية جميع الأديان، بما فـيها المسيحية واليهودية، يقوم على منظومة متداخلة من المبادئ الأخلاقية والأحكام الشرعية التي تنظم حياة المؤمنين وعلاقاتهم مع بعضهم البعض فـي المجتمعات التي يعيشون فـيها.
لكن هل باستطاعة أي رئيس أميركي مهما بلغت درجة إيمانه بالمسيحية أن يبدل بنود الدستور الأميركي بـ«الوصايا العشرة» مثلاً؟! وهل يحلو لكارسون أن نُسقط حق الحرية الدينية من الدستور؟!
إن مناقشة مثل هذه المسائل وأخذها على محمل الجد قد تجرّ إلى إضاعة للوقت، فمن غير المعقول أن تغيب مثل هذه الحقائق عن بال كارسون، فالمسألة برمتها ذات أهداف انتخابية، يتطلع فـيها المرشحون إلى تحقيق توسيع قواعدهم الشعبية بأسرع وقت وبأقل الجهود والتكاليف.
ويبدو أن السباق الجمهوري يأخذ منحى استعراضياً أكثر منه سياسياً، حيث يتبارى المرشحون على إطلاق التصريحات المبالغ بها لمحاولة كسب رضا الناخبين فـي استطلاعات الرأي.
وبالفعل، أقر كارسون أن حملته لم تتوقف عن تلقي الأموال من المتبرعين، منذ إعلانه عن موقفه الرافض لفكرة «رئيس أميركي مسلم».
هكذا تصبح خطابات العنصرية والكراهية وسيلة سريعة لاجتذاب أصوات الناخبين المتعطشين للأكشن الانتخابي، ولاسيما إذا كانت اللكمات موجهة الى المسلمين الأميركيين، الخاصرة الرخوة فـي المجتمع الأميركي التي يمكن التنكيل بها دون حسيب أو رقيب.
فـي النهاية، إذا ما أخذنا استطلاعات الرأي بين صفوف الجمهوريين على محمل الجد فلا خوف إذن على مستقبل الولايات المتحدة من أن يحكمها رئيس مسلم، ذلك أن 43 بالمئة منهم مقتنعون أن أوباما مسلم…
Leave a Reply