لا يقتصر دور «المتحف العربي الأميركي الوطني» في مدينة ديربورن على توثيق تاريخ الجالية العربية في الولايات المتحدة بل يتخطى ذلك الى محاربة الصورة النمطية للعرب في المجتمع الأميركي المتنوع إضافة الى أهداف أخرى عرضتها مديرة المتحف الدكتورة عنان العامري في لقاء مع «صدى الوطن» قبل أشهر من تنحيها عن المنصب الذي تولته منذ تأسيس المتحف في العام 2005.
فللمتحف مجموعة من الأهداف، من بينها تبديد المفاهيم الخاطئة عن العرب بشكل عام والعرب الأميركيين خاصة، واطلاع الاميركيين على الثقافة العربية وإرث الجالية وإسهاماتها في بناء المجتمع الأميركي في كافة المجالات.
يعد المتحف، الذي يواجه الإنتقادات بكونه «أميركياً أكثر منه عربياً»، أحد المؤسسات التابعة للمركز العربي للخدمات الإقتصادية والإجتماعية (أكسس)، ويقيم معرضين دائمين، يركز الأول على اسهامات الحضارة العربية في العلوم المختلفة والفنون، بينما يعرض الثاني التجربة العربية في الولايات المتحدة الأميركية.
وتحدثت الدكتورة الفلسطينية الأصل عن تجربتها التي امتدت الى ما يقارب ثماني سنوات، والتي سبقها بذل جهود حثيثة لإطلاق المتحف، بإشراف مركز «أكسس» الذي عملت فيه قبل تكليفها بإطلاق مشروع المتحف وبنائه وصولا الى افتتاحه الذي حضره أمين عام جامعة الدول العربية السابق، عمرو موسى في العام ٢٠٠٥.
وتقول العامري التي تولت إدارة المتحف منذ البداية إن الهدف من المتحف هو توثيق تاريخ الجالية العربية في أميركا، وتعريف الأميركيين بالجالية العربية وثقافتها وتاريخها وانجازاتها ومساهماتها في بناء البلاد، «فللعرب فضل في بناء أميركا في كافة القطاعات». ولكن العامري تؤكد أيضاً أن أبرز أهداف هذا المعلم العربي الأميركي الفريد هو التأثير على الرأي العام الاميركي ومكافحة الكراهية التي تخلفها الصورة النمطية السلبية المستشرية في المجتمع الأميركي، والتي تترجم تمييزاً عنصرياً تجاه الجالية، وهذا ما يتطلب جهوداً كبيرة من المتحف للعمل على تبديد هذه المفاهيم الخاطئة عن العرب عموماً والمهاجرين خصوصاً.
ولدى سؤال العامري عن التحديات التي واجهتها أثناء تأديتها لمهامها كمديرة للمتحف تقول «أميركا بلد كبير، ومن الصعوبة في ظل وسائل الإعلام الكبيرة الموجهة ضد العرب إحداث تغيير في وجهة النظر الأميركية السلبية تجاه العرب في سنوات محدودة».
أما شح المادة والمعروضات التوثيقية الخاصة بالجاليات العربية داخل المتحف فتحيله العامري الى صعوبة عملية التوثيق التي لم تعمم على كل الجاليات العربية، نظراً لقلة عدد ابناء بعضها، «باستثناء الجالية اللبنانية التي كانت عملية توثيق تاريخها أسهل، وذلك لكبر حجمها».
وتقول مديرة المتحف إن تكليفها بالادارة شهادة شرف وتكريم لأنها أول من أسس وأدار متحفاً عربياً ولمدة ثماني سنوات، مضيفة انها تمكنت عبر هذه الفترة من بناء علاقات للمتحف «داخل الجالية العربية وخارجها»، وهي تجربة تعلمت منها الكثير، وساعدتها على تأسيس برامج ثقافية وعلاقات مع مؤسسات أميركية، معتبرة ان هذه التجربة استفادت منها «أكثر من الدراسة في الجامعة».
وعن الصعوبات التي واجهتها في اداء عملها، قالت العامري إنه لكون هذا المتحف الأول من نوعه، «فإن التوقعات من قبل البعض كبيرة وإرضاء الناس غاية لا تدرك»، ولهذا يتطلب الأمر، جهوداً مضاعفة ناهيك عن صعوبة بناء مؤسسة من الصفر، وكذلك الصعوبة الكبيرة لعملية تقديم البرامج والمعارض. كما تحدثت الدكتورة العامري عن النشاطات التي يقوم بها المتحف والتي تتضمن اقامة «معارض رسم ومعارض عن تاريخ الجالية العربية، وكذلك اقامة مؤتمرات لفنانين وكتاب وباحثين، واقامة مهرجانات وحفلات موسيقية، مضيفة انها ليست فقط عربية». كما يقوم المتحف باستقبال الطلبة بين أروقته وانشاء ورشات عمل للطلاب والمعلمين والشرطة والبنوك بهدف توجيههم حول كيفية التعامل مع ابناء الجالية العربية، وذلك ضمن نشاطات المتحف الإجتماعية.
والمتحف، الذي يقع على شارع ميشيغن أفنيو، هو مؤسسة تابعة لـ«أكسس» اداريا، لكنه شبه مستقل مالياً، حيث يبحث بنفسه عن مؤسسات لتمويله، و«هذا لا يمنع من تلقيه للمساعدة من المركز في بعض الأحيان»، كما ان رواتب موظفيه يتلقاها من المركز كونه أحد مؤسساته.
ورداً على الإنتقادات بشأن اتهام المتحف بأنه أميركي أكثر منه عربي، بدءا من كادر العمل وانتهاء بالمؤسسات الداعمة له، قالت الدكتورة العامري إن «هذا الكلام غير دقيق، لأننا هنا في أميركا، واسم المتحف هو العربي الأميركي، وكل المعارض التي أقمناها كانت عن العرب الأميركيين، والمحاضرات التي يقيمها المتحف هي أيضا عن العرب في أميركا. فمثلاً قمنا بتنظيم معرض للمقارنة بين العرب والمكسيكيين المهاجرين..».
وبما يتعلق بالمؤسسات الداعمة للمتحف اعترفت العامري بأن التمويل اميركي، بسبب عدم وجود مؤسسات عربية داعمة لنشاطات المتحف. ولكنها أكدت أن هذا حق للمتحف »فما الذي يمنع من مطالبة الحكومة بدعم نشاطاته، خاصة وأنها تقدم الدعم المادي لغيره من المتاحف»، مؤكدة أن العرب مواطنون يدفعون الضرائب للحكومة، و«هذا ما يعطي ادارة المتحف الحق بتقبل الدعم الحكومي»، مضيفة انه لم يصادف ان قدمت أية جهة عربية اي دعم يذكر بعد افتتاحه، مع العلم أن عدة دول عربية ساهمت في تمويل المتحف الذي قدرت كلفة إنشائه في العام ٢٠٠٥ بحوالي 14 مليون دولار.
وتؤكد العامري أن المتحف الذي يقع في قلب الجالية العربية في شرق ديربورن يستحق دعم العرب الأميركيين كأشخاص ومؤسسات متمنية أن يحدث ذلك بصورة أوسع في السنوات المقبلة.
وحول شائعات تفيد ان ما يقدمه المتحف لا علاقة له بالعرب وتاريخهم، ترد العامري بالقول إن كل ما يقدمه المتحف من مواد ثقافية وفنية وتعليمية يأتي بناءً على رأي خبراء ومختصين بشؤون العرب، و«الإدارة دائمة الإتصال مع هؤلاء لإجراء الإستشارات اللازمة قبل تقديم أي معرض أو نشاط، «فعلى سبيل المثال عندما أقمنا معرضاً عن الجالية العربية السورية، استشرنا خبراء في نيويورك قضوا عمرهم في توثيق تاريخ الجالية السورية في الولايات المتحدة». واستدركت العامري «المشكلة الأكبر تبقى في توثيق إرث الجاليات العربية قليلة العدد، «فالحكومة الأميركية بعظمتها ليس لديها توثيق دقيق للجالية العربية في أميركا، فكيف يكون لنا ذلك». ولكنها أضافت «مع ذلك أجرينا دراسة توثيقية عن الجالية السعودية رغم قلة عددها».
وأكدت العامري على أن «تلاقح الثقافات» واحد من سياسات المتحف، الذي ينشط في تقديم برامج للثقافات الاخرى (Global Friends)، كان آخرها معرض عن الجالية الارمنية، معللة هذه النشاطات بأن المتحف يمثل جزءاً من المجتمع الأميركي المتناغم والمتعدد الثقافات. وشددت على أن المطالبة «بحقوقنا كعرب يجب أن تتضمن الاعتراف بحقوق الثقافات الأخرى، والعمل معها في مواجهة التمييز».
وفي ختام اللقاء الذي أجري في مكتبها في المتحف، أعربت العامري عن ثقتها بإدارة «أكسس» لإيجاد البديل المناسب للحلول في منصبها وتولي إدارة المتحف. وقالت «أنا متأكدة من أن من سيخلفني في ادارة المتحف سيكون بمستوى عال من المسؤولية، لان إدارة «أكسس» ستقوم باختيار الشخص المناسب لهذا الموقع، وفق الآليات الديمقراطية، التي تضمن أن يكون قرارها راجحاً.
Leave a Reply