هذا المثل كنا نسمعه من أهلنا القرويين في البلدات التي كان يعزلها العتم والريح ويغمر بيوتها الثلج والصقيع في الشتاء، ولعدم وجود حمامات داخلية، كانت تضطرهم الحاجات الطبيعية للخروج وقضائها كيفما اتفق، وكانت المفاجأة المزعجة والمقرفة عندما تذوب الثلوج ويرى الإنسان ما لا يحب أن يرى.
هذا المثل نراه وبشدّة هنا في القسم الشرقي من مدينة ديربورن، حيث يعيش فيها العرب الأميركيون وآسفة أن أقول إنهم.. مسلمون.
لقد ذاب الثلج الأسبوع الماضي وبانت المهملات والأكياس والقناني وعلب الأكل الفارغة وحفاظات الأطفال على الطرقات وفي مواقف السيارات. هذه المهملات التي بأقل المستطاع وضعها في أكياس ورميها في الحاويات الموضوعة في كل مكان لهذا الغرض.
هذه مدينة ديربورن، التي كانت مدينة بهيّة ناضرة، تزهو بطرقها وحدائقها وبيوتها المرتبة الأنيقة، فلمذا نؤذيها بمهملاتنا وإهمالنا لأبسط قواعد النظافة التي ندّعي إنها من الإيمان؟ أغلبنا هنا مسلمون، تزدحم المساجد يوم الجمعة بالمصلين ونستعد للمناسبات الدينيّة «قبل الهنا بسنة» فلماذا إذن لا نهتم قليلاً بالنظافة والترتيب أمام محلاتنا التجارية وبيوتنا.
لا أنسى ولا يغيب عن بالي منظر رجال أعمال أميركيين، لابسين أطقماً وكرافاتات وأحذية لامعة. كل صباح، تجد الواحد منهم يحمل كيساً ويلم الأوراق والمهملات من أمام محله أو مكتبه. مع الأسف الشديد، لقد خلت ديربورن من هؤلاء وهجرها الأميركان والطليان وبقينا نحن العربان، وللأسف الشديد أيضاً، انظروا إلى شرق ديربورن ومتاجرها وشوارعها وحدائقها، وسوف تحزنون.. مثلما أنا حزينة، لأننا قوم ندّعي القيم والتدين فقط. فلو كان في قلوبنا ذرة إيمان لانتبهنا إلى هذه المدينة التي اخترناها للعيش ولحافظنا عليها كما تركها الأميركان والطليان، جميلة نظيفة هادئة.
وأرجع البصر كرّة أخرى، سوف تخاف، مثلك مثل جميع الأوادم الذين يسوقون مركباتهم بتهذيب وذوق، ويلتزمون بقواعد السير وإشارات المرور، بينما أكثرية السائقين يسوقون بتهوّر ودون مراعاة للقوانين. إنهم بلا أخلاق «مثل ثور الله في برسيمة» كما أفتى الإمام عادل في مسرحيته «مدرسة المشاغبين». عندما انفصلت سنغافورة عن ماليزيا العام 1965، فرض الراحل لي كوان يو، رئيس الجمهورية آنذاك، وأمر السنغافوريين تعلُّم القليل من الإنكليزية، وفرض عليهم الكثير من النظافة، وعاقب بشدة كل من يخلف القمامة في الشوارع ويرمي المهملات من السيارات، أو يرمي العلكة على مقعد الحديقة العامَّة. وكان المسافرون يشاهدون العمّال يمسحون الرخام الأسود في مطار سنغافورة فيما هو يلمع ويبرق في الأساس. وفرض على سيارات البلدية أن تغسل وتنشف الزفت كما لو أنه شارع ملكي خاص.
أمّا نحن هنا في شرق ديربورن، نبحث عن بلديّة تهتم قليلاً بنظافة المدينة وملاحقة المخالفين. ربما يئست البلدية من العربان ومن أصحاب المحلات الذين لا يراعون أبسط قواعد النظافة العامة والسلوك القويم الذي ندّعيه في ثرثراتنا وخطاباتنا المملّة والجوفاء.
هل أنت متشائم؟ وأنا أيضاً. إذا بقينا على هذه الحال من الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية، سوف يصبح شرق ديربورن ديترويت ثانية، لا.. بل أتعس. الآن ديترويت، هناك من يسعى لإنهاضها وبنائها ونحن بغبائنا وإهمالنا والكبر المزروع فينا نزيد الأمور سوءاً.. وقذارة!
Leave a Reply