فاطمة الزين هاشم
خسرت بلدتنا عين التينة ركيزة من ركائز العلم والثقافة ونبراساً أدبيّاً مخضرماً يُرفع به الجبين، إنّه ابن العم الحبيب الغالي الأستاذ محمّد علي مصطفى هاشم (أبو علي) مدير مدرسة البلدة والمربيّ الفاضل لأجيالها، تعجز الكلمات وتتلعثم العبارات حين يذكر اسمه، فقد كان رجلاً ولا كلّ الرجال، شهماً بطباعه، شفّافاً بتعامله، رؤوفاً بقلبه، محبوباً من كلّ من عرفه من خلق الله لدماثة أخلاقه وانسانيته المنبثقة من أصوله الهاشميّة.
عرفته أباً عطوفاً رؤوفاً، وزوجاً مخلصاً ومحبّاً، حافظاً لعائلته ناسجاً حولها سياجاً من المحبّة والتفاني لا تخترقه شوائب ولا منغّصات، قضّينا سنواتٍ معاً على مقاعد الدراسة فكان مثال الإنسان النشط الذكيّ المتعاون المنكبّ على تعليمه، والمحافظ على أدبه وحسن سلوكه وسيرته الطيّبة، كما كان من المتفوّقين آنذاك، حتّى أنّه عندما تخرّج من دار المعلّمين فـي (زحة البقاعيّة) كانت شهادة تخرّجه بتقدير (ممتاز)، وبقي محافظاً على طريق النجاح هذا حتّى تمّ تعيينه مديراً لمدرستنا، ولم تخطئ الوزارة آنذاك لأنّه كان جديراً بهذا المنصب، واستحقّه عن جدارة، فقد نظّم المدرسة وجعلها نموذجاً يحتذى بها فـي المنطقة، تخرّجت على يديه أجيال وأجيال، كان هدفه رفع مستوى التعليم وفرض الإنضباط وعدم إضاعة الوقت على الطلّاب، ولم يستثنِ الأهل من متابعة شؤون أولادهم بل كان يحرص على جمعهم مع المعلّمين فـي برنامج شهري، كي يكونوا على اطّلاعٍ دائم بمستوى تحصيل أولادهم العلمي، عدا عن مجاراة التكنولوجيا التي أدخلها ضمن المنهاج التعليمي حتّى غدت المدرسة منارة علميّة ثقافـيّة لا مثيل لها.
اجتمعنا معاً فـي الصيف المنصرم، حيث قضّينا وقتاً ممتعاً،
لكونه عدا انّه ابن عمّي، فهو جاري بنفس الوقت فـي السكن، كان كلّ صباح يرفرف كالعصفور بين أشجار الكرم المحاذية لبيتي،
فأسمع تغريده هو وزوجته الغالية أم علي حين يناديان عليَّ
وهما يحملان العنب والتين، وأنا أحمل القهوة الصباحيّة ونجلس معاً تحت ظلّ الأشجار الوارفة، نحتسي القهوة ونتبادل الحديث عن أخبار البلدة.
لم ألحظ يوماً تأثّره بمرضه رغم علمه بخطورة وضعه الصحّي، فلم يكن تعيساً ولا متشائماً، بل كان التفاؤل يرتسم على وجهه السموح، معبّراً بابتسامةٍ تبعث الأمل فـي النفس ذلك أنّ فـي الأمل عزاء على الأقل، قد يبدر بين تعابير وجهه شيء من الحقيقة، إذ لابدّ وأن يكون بداخله ألم مخفـيّ لا يريد إظهاره كي لا يتعس من حوله.
خلال وداعي له سرّني فـي البداية أنّني رأيته، لكن فـي النهاية حين خامرني إحساس بأنّني قد أكون أراه للمرّة الأخيرة، داهمتني كآبة واعتراني حزن كما لو تجمّع من أحزان سكّان الكرة الأرصيّة، أبكيك أيّها الحبيب وأنا من وراء حدودي البعيدة، لكنّ روحي قريبة منك وطيفك سيبقى حولنا وفـي ضميرنا ما حيينا.
إلى جنان الخلد، لأنّك من الخالدين.
Leave a Reply