ربما حان الوقت لتسمية الأشياء بأسمائها والتخلي عن بعض المجاملات و سياسة تدوير الزوايا مراعاة للبعض، وصار لزاماً بل واجباً الإشارة الى لُب المشكلة وجوهرها في جاليتنا. وهي مشكلة تمتد فيما تمتد في جذرها عند الكثيرين إلى ذهنية متخلفة لم تعتد العمل المؤسساتي، ولم تدرك ماهية وجودها ومستقبلها كجماعات أقلوية منضوية في محيط متمايز عنها ثقافياً وفكرياً ودينياً، كما أنها ولم تدرك –بعد كل ما حدث ويحدث من تحولات من حولها– حجم الاستهداف وشراسة الهجمة الأممية الهادفة الى تشويه صورة العرب والمسلمين من أجل دفعهم للتخلي عن هويتهم الثقافية تحت ضغط الرهاب الإسلاموفوبي في العالم عموماً، وفي الولايات المتحدة على نحو خاص.
عندما تقترن «الأنا العليا» عند هؤلاء مع الذهنية المتخلفة مقرونة بالعناد الصلف والغرور الفارغ نصبح أمام جهل مركب. والأخطر، وهذا ما لم يحصل بعد، عندما يتحول هذا الجهل الى حالة عامة تخرج عن الإطار الضيق والخاص لتشق طريقها وسط الجماهير وتأخذ صفة الشمولية والعمومية فنتحول إلى مجرد أعداد بشرية لا قيمة ولا وزن لها في محيطها.
أحد تمظهرات هذا الجهل المركب كان في الحملة المسعورة والشعواء التي شنها البعض على «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) وعلى ناشر صحيفة «صدى الوطن» أسامة السبلاني على خلفية تعيين عضو في المجلس التعليمي لمدينة ديربورن. لم تكن المناسبة سبباً مباشراً لهذا الهجوم إنما محطة لاستكمال هجمة سابقة كانت قد بدأت منذ فترة عنوانها ضرب وحدة الصوت العربي وتشتيته بعد أن فشل أصحاب النوايا السيئة في تحقيق مآربهم في الانتخابات القضائية، العام المنصرم. وها هم يعيدون الكرة اليوم من خلال العمل على وضع الحواجز والمتاريس بين جناحي الجالية العربية في ديربورن في مسعى خبيث يراد منه إحداث شرخ ومواجهة بين كل ما هو يمني ولبناني، وفي نية هؤلاء إثارة فتنة طائفية وتحريض مذهبي، علّ وعسى أن يؤتي التحريض أكله هذه المرة.
ليس واضحاً ما الذي يضير المعترضين من تعيين سيليا ناصر في مجلس ديربورن التربوي؟ وما هو الأمر الذي يسوؤهم حتى قامت قائمتهم ولم تقعد؟ لم يحالف الحظ أحد المرشحين من الجالية العربية ولم يحز حتى على صوت واحد، فما ذنب «أيباك» وما ذنب أسامة السبلاني إذا اتبع المجلس التعليمي خطوات قانونية وقام باستشارة محاميه واستخلص بأن النتيجة تصب لصالح سيليا ناصر؟
لننظر للأمر من زاوية اخرى، على فرض أن «أيباك» استطاعت أن تعيّن سيليا ناصر بعدما انعدمت فرص المرشح العربي الآخر، ألا يُسجل ذلك لـ«أيباك» ويدلل على قوتها ونجاحها في العمل العام الذي يعزز الوجود العربي ويزيد من مشاركته وفعاليته؟ ألا يدفعنا ذلك للثناء على هذه المؤسسة الناجحة وعلى دورها الطليعي والريادي المؤثر؟
لنقل الحقيقة الموجعة كما هي. البعض في جاليتنا لا يطيق أن يرى رجلاً بحجم قامة، بكل ما للقامة من معنى، كأسامة السبلاني الذي يقف مدافعاً ومحارباً ومناضلاً من أجل الحقوق العربية في الولايات المتحدة. ويظن هذا البعض أنه اذا سجل تغريدة هنا أو نشر “پوست” هناك، على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصبح نداً لأسامة السبلاني وغريما له.. ليس الموضوع بهذه السهولة ولا بهذه البساطة. من لا يريد أن يقرأ التاريخ فتلك مشكلته ومن يتعمد التغاضي عن إنجازات عظيمة كان الرجل رائدها فلن يغير ذلك من الواقع شيئاً، ومن يدفن رأسه في التراب فلن يُعَثر إلا وجهه ولن يعمي سوى بصره عن الحقيقة، إذ.. لايستوي الذين يعملون مع الذين لا يعملون ويجيدون التنظير فقط من وراء شاشات هواتفهم.
يقول الأديب والشاعر الفرنسي ڤيكتور هوغو: إن للأحداث الكبيرة ذيولاً ليست في الحسبان.
Leave a Reply